منذ الصائفة الماضية لم أزر- بسبب انشغالاتي المختلفة – أهلي بمدينة معسكر, وأحسست فعلا بفظاعة الوزر, فقمت بلا تحضير مسبق مسرعا باتجاه محطة الطاكسي. وعلى غيرالعادة, لم أقف معاينا سيارات الأجرة لاختار في أيها أركب, بل هرولت ناحية بيجو505, وحجزت مكاني خلف السائق, وانتظرنا بضع دقائق لحضور راكبين. ولما اكتمل العدد, انطلقنا في رحلتنا, وعيون الجميع مشدودة إلى السائق العجوز الذي اكتسح الطريق , ويبدو انه لمس ذعر زبائنه, فخفف من السرعة , وانطلق لطمأنتنا يروي أقاصيص عن مغامراته في طرقات الوطن كلها وخارج الوطن. شد الراوي(السائق)بحلاوة لسانه وعذب كلامه انتباه الركاب, حتى أنهم لم يلحظوا انه يفرط في السرعة بمنعرجات (ديبلينو) الخطيرة, وابتسمت لهذا المنظر المسلي, وظلت انتظر إطلالة الأمير عبد القادر مع نهاية التعرجات, لكي يشيعنا بروحه الى أبواب مدينته . شارفنا معسكر وسائقنا الراوي لا يزال يحكي عن أيامه ولياليه البيضاء التي قضاها في الطرقات, والركاب يلقون السمع, ووصلنا إلى المحطة البرية, ونزل الجميع مشيت بضع خطوات ثم استدرت, فألفيت الركاب وقوفا متحلقين حول السائق الحكواتي, فاستذكرت لحظتها الحلقة و أهمية التجارب المسرحية التي سعت إلى البحث عن قالب مسرحي محلي في مشرق الوطن العربي ومغربه, كتلك التي حاولها أبو خليل القباني, وتوفيق الحكيم, وسعد الله ونوس, والطيب الصديقي, وعبد الكريم برشيد.وكذا محاولات ولد عبد الرحمن كاكي ,عبد القادر علولة وغيرهما ممن سعوا إلى إيجاد شكل مسرحي حلقوي فرجوي, بلغة شعبية , يلعب الراوي أو القوال أو الحكواتي فيه دورا محوريا. قبل أن أقصد بيت العائلة,عبرت راجلا ساحة المدينة حيث بناية المسرح ,هذا الصرح الفني العتيد الذي عرف مرور قامات فنية كبيرة, وشهد ميلاد و حفلات فرقة الفن والعمل الموسيقية والمسرحية ,وقد كان لي شرف امتطاء ركح هذا المسرح مع كورال إنشاد, والتمثيل لاحقا مع الممثل الشعبي عبد العزيز عبد المجيب, ولكحل علي, كما اشتغلت لفترات متقطعة مع الصديق شويرف مصطفى بمسرح السبيل, ومع أحبابي بجمعية الشروق: شيخاوي الحاج الهواري , فؤاد خليل النجار ,ميري محمد ,والفنان الفذ فريمهدي محمد.. انسحبت من قبالة المسرح وتوجهت نحو بيت أهلي, وسعادة طفولية تتملكني نتيجة هده الوقفة الطللية عند باب مسرح يعبق بالتاريخ , احتضن أجيالا وأطيافا من الفنانين, تكللت جهودهم جميعا باعتماد مسرح جهوي بمعسكر, وانبعاث أنشطة مسرحية شبابية واعدة تنبي عن عودة الروح إلى أرجاء هذا الصرح العتيد في المستقبل القريب...