الديمقراطية التي تنعم بها الدول الغربية لم تكن هدية من الحكام الذين استبدوا بالسلطة لقرون واعتبروها حقا إلهيا يتوارثونه فالثورة الفرنسية التي اطاحت بالملكية سنة 1789ورفعت شعار( حرية ,عدالة أخوة) أيقظت اوربا و ينسب إليها نشر فكرة الديمقراطية وحقوق الانسان. والنظام السياسي في فرنسا جمهوري ديمقراطي رئاسي نيابي يحتكم الى الدستور والقانون ويمثل السلطة التنفيذية رئيس الجمهورية الذي ينتخب في الاقتراع العام المباشر لمدة خمس سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة ومن صلاحياته حل الجمعية الوطنية (البرلمان )وتكليف رئيس الوزراء بتشكيل الحكومة واقالته وتعيين الوزراء لكنه لا يستطيع حل مجلس الشيوخ وللسلطة القضائية دور كبير في النظام السياسي الفرنسي فالمجلس الدستوري هو الذي يشرف على الانتخابات وينظر في دستورية القوانين ومجلس العدل الاعلى المكون من نواب في البرلمان له الحق في محاكمة رئيس الجمهورية الذي له يقرر سياسات الدولة في الظروف الصعبة فالجنرال ديغول اعترف باستقلال الجزائر في اتفاقيات إيفيان وباستقلال المستعمرات الفرنسية في افريقيا قبل ذلك لكنه انحنى أمام ثورة الطلاب سنة 1968وقدم استقالته والرئيس ساركوزي تدخل عسكريا في ليبيا وشارك في اسقاط نظام القذافي فالسياسة غالبا ما تتجاهل القانون عندما يتعلق الامر بمصالح الدول حيث يستعمل الحكام سلطتهم في اتخاذ القرارات والتغطية عليها بالحملات الاعلامية والدعاية المغرضة لتظهر الحقائق بعد نهاية حكمهم ليجدوا أنفسهم أمام العدالة وحكم القانون فالرئيس جاك شيراك تمت محاكمته سنة 2011 والحكم عليه بعامين حبسا غير نافذ بتهمة الفساد وتبديد المال العام واستغلال ثقة الشعب وخرق واجب النزاهة وذلك عندما كان رئيسا لبلدية باريس باستخدام المال العام لدعم حملته الانتخابية وهو أول حكم من نوعه ضد رئيس للجمهورية في فرنسا وقد غاب عن جلسة المحكمة لاسباب صحية حسب زعمه. كما ينتظر الرئيس نيكولا ساركوزي المتابع قضائيا بتهمة الفساد والتمويل غير القانوني لحملته الانتخابية سنة 2007 واستغلال النفوذ والتزوير في الحسابات لتمويل حملته الانتخابية سنة 2012 لاخفاء مبلغ 18 مليون أورو والحديث عن تلقيه اموال من نظام القذافي وقد رفضت المحكمة الطعن المقدم لها من قبله مما يجعله مهددا بعقوبة تصل الى ثماني سنوات ولا يختلف الوضع في الولاياتالمتحدةالامريكية التي تتبع النظام الرئاسي ايضا حيث يجمع الرئيس بين رئاسة الحكومة والدولة ويعين نوابا له وهو القائد الاعلى للقوات المسلحة وينتخب بناء على برنامج يعمل على تطبيقه بالاضافة الى الوعود الانتخابية التي يتعهد بتنفيذها فالرئيس الحالي دونالد ترامب قرر الانسحاب من معاهدة باريس حول المناخ ومن اتفاق البرنامج النووي الايراني واعترف بالقدس عاصمة ابدية لاسرائيل ويطالب دول الخليج والسعودية بدفع المال بدعوى حمايتها من ايران ورغم السلطات المخولة له فهناك محاولة لمحاكمته عن علاقته بروسيا خلال حملته الانتخابية ويتعرض لحملة اعلامية شديدة وانتقاد من نواب الحزب الديمقراطي في الكونغرس لكن من الصعب تمرير قرار محاكمته في الكونغرس الذي يملك فيه الحزب الجمهوري الاغلبية. وتعتبر فضيحة «ووتر غيت» اكبر فضيحة سياسية في امريكا والمتهم فيها الرئيس ريتشارد نيكسون الذي انتخب سنة 1968بفارق بسيط وكان موقفه صعبا في انتخابات 1972فقرر التجسس على خصمه في الحزب الديمقراطي بنصب اجهزة تنصت بمكاتب الحزب في مبنى ووتر غيت وانكشف الامر بالقاء القبض على خمسة عمال عند تركيبهم لاجهزة التجسس في 17 جويلية 1972 وحدثت ازمة سياسية بعد ان كشفت جريدة الواشنطن بوست خيوط القضية وقرر البرلمان محاكمة الرئيس نيكسون الذي قدم استقالته سنة 1974 قبل ان يتم عزله وخلفه جيرالد فورد الذي اصدر عفوا رئاسيا بحقه عن جميع التهم المتابع بها وقد سبق ان فشلت محاولتان لمحاكمة الرئيس أندرو جونسون سنة 1968. وفي سنة 1998 انفجرت فضيحة جديدة سميت بفضيحة( مونيكا لوينسكي) المتدربة في البيت الابيض تورط فيها الرئيس بيل كلينتون الذي انكر في بداية التحقيق معه لكن مجلس النواب وافق بالاغلبية على توجيه تهمتين له ومحاكمته هما الحنث باليمين واعاقة العدالة فاضطر للاعتراف والاعتذار علانية وطلب الصفح من الشعب والكونغرس وزوجته هيلاري كلينتون التي خانها مع المتدربة المذكورة وكما نلاحظ أن المتابعات القضائية ومحاكمات المسؤولين في الديمقراطيات الغربية تكون حول امور داخلية فالرئيس الامريكي جورج بوش الابن احتل العراق سنة 2003 بدعوى وجود اسلحة دمار شامل لديه وفبرك صورا لها وكلف امريكا خسائر مادية وبشرية كبيرة وخرب العراق لكن لم يحاسب ولم يوجه اليه اي اتهام فلانتخابات بالنسبة اليهم أهم من قتل وجرح آلاف البشر وملايين المشردين واللاجئين وانفاق الملايير على حرب ظالمة.