- المبادرة الجزائرية لتنشيط هياكل الإتحاد تلقى تأييد وترحاب العديد من المنظمات الدولية والإقليمية تاريخيا يمكن التأكيد أن أرضية تأسيس اتحاد المغرب العربي وضعت خلال لقاء القادة الخمسة لدول المغرب العربي بمدينة زرالدة الجزائرية يوم 10 جوان 1988 , التي تقرر خلالها إنشاء لجنة أسندت إليها مهمة تحديد سبل ووسائل تجسيد اتحاد دول المغرب العربي . و على أساس نتائج أشغال هذه اللجنة تمت صياغة برنامج عمل هذا الاتحاد, الذي تم توقيع معاهدة تأسيسه 8 أشهر بعد ذلك, بقمة مراكش المنعقدة يوم 17 فبراير 1989 ,و قد نصت هذه المعاهدة «على تمتين أواصر الأخوة التي تربط الدول الأعضاء وشعوبها بعضها ببعض وتحقيق تقدم و رفاهية مجتمعاتها والدفاع عن حقوقها و المساهمة في صيانة السلام القائم على العدل والإنصاف و نهج سياسة مشتركة في مختلف الميادين و العمل تدريجيا على تحقيق حرية تنقل الأشخاص وانتقال الخدمات والسلع ورؤوس الأموال بينها». و خلال ال 30 عاما من وجود هذا الكيان , التأم شمل قمة مجلس الرؤساء لتجسيد هذه الأهداف المعلنة ,سبع مرات فقط! إذ بعد القمة السابعة المنعقدة في تونس سنة 1994 , استغل الملك المغربي الحسن الثاني اعتداء إرهابيا استهدف فندقا في مراكش في أوت 1994 ارتكبه فرنسيان من أصول جزائرية لتوجيه الاتهام للمخابرات الجزائرية , و يقرر غلق الحدود البرية و فرض التأشيرة على الجزائريين , و تجميد نشاط اتحاد المغرب العربي منذ ذلك الحين , بعد أن ردت الجزائر بالمثل على الإجراءات المغربية . و إلغاء قمتين لمجلس الرؤساء كانتا مبرمجتين عامي 2002 و 2003 في الجزائر , بسبب الملك المغربي الذي رفض الحضور و مطالبة القائد الليبي بالتأجيل. و خلافا لمبادرة الملك المغربي الأخيرة, المعلن عنها في ذكرى احتلال الصحراء الغربية, و التي حاولت القفز على صرح الاتحاد (و اهدافه المعلنة), جاءت المبادرة الجزائرية يوم 22 نوفمبر الماضي لتعيد لهذا الصرح اعتباره و لبقية أعضائه دورهم الذي لا يستهان به في تقرير مصير هذا الكيان ، حيث راسلت الجزائر بصفة رسمية الأمين العام لاتحاد المغرب العربي من أجل تنظيم اجتماع لمجلس وزراء الشؤون الخارجية للاتحاد في أقرب الآجال , بعد إطلاعها «وزراء شؤون خارجية البلدان الأعضاء على هذا الطلب». وأوضحت الجزائر أن مبادرتها «تنبع مباشرة من قناعة الجزائر الراسخة، والتي عبرت عنها في العديد من المناسبات، بضرورة إعادة بعث بناء الصرح المغاربي وإعادة تنشيط هياكله». «وكان رئيس الجمهورية عبد العزيز بوتفليقة قد أكد – شخصيا- حرص الجزائر على إعادة بناء القوة المغاربية في مناسبات عدة, آخرها, الذكرى ال 29 لتأسيس الاتحاد المغاربي والتي أكد فيها لكل من العاهل المغربي محمد السادس و الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي و نظيره الموريتاني محمد ولد عبد العزيز و رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني لدولة ليبيا فائز السراج «تمسك الجزائر الثابت باتحاد المغرب العربي باعتباره خيارا استراتيجيا ومطلبا شعبيا». و قد ثمنت الأمانة العامة لاتحاد المغرب العربي ، طلب الجزائر, عقد اجتماع وزراء خارجية دول الاتحاد، كونه يأتي في سياق نتائج القمة الإفريقية الاستثنائية الحادية عشرة المنعقدة يومي 17-18 نوفمبر الجاري في أديس أبابا (أثيوبيا)، و لاسيما منها تلك المتعلقة بدور المجموعات الإقليمية الاقتصادية في الاندماج القاري , و منها مجموعة اتحاد المغرب العربي باعتبارها تمثل إحدى المجموعات الثمانية التي يقوم عليها الاتحاد الإفريقي ويعتبرها إحدى ركائزه الأساسية و هو ما يفسر ربط الجزائر الاستحقاقات المغاربية بالاستحقاقات الإفريقية،حيث تؤكد رسالة وزير الخارجية الجزائرية في هذا الصدد :«أن اتحاد المغرب العربي يبقى المجموعة الجهوية الأقل اندماجا على الصعيد الإفريقي».مما يوجب بعث نشاطه ليلعب دوره كاملا في هذا المجال. وقد لقيت المبادرة الجزائرية تجاوبا و ترحيبا من عدة أطراف عربية إسلامية و غربية , فتفاعلت معها تونس إيجابيا و أبدت استعدادها لاحتضان اجتماع مجلس وزراء خارجية دول المغرب العربي , و نفس الترحيب والاستعداد أبدته وزارة الشؤون الخارجية والتعاون الموريتانية وثمنت جامعة الدول العربية من جهتها المبادرة الجزائرية كما رحب بها الأمين العام لمنظمة التعاون الإسلامي, و كذا رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي, و الناطق باسم الاتحاد الأوروبي والناطق الرسمي لوزارة أوروبا والشؤون الخارجية الفرنسية...كما أبدت أربع دول أعضاء في الاتحاد موافقتها إلى حد الآن على عقد الاجتماع المقترح ... في ذكرى تأسيس اتحاد المغرب العربي , نعتقد بدون أية ذاتية أن المبدأ الذي ترتكز عليه الجزائر في علاقتها مع المغرب , هو أفضل وسيلة للتقدم في تطوير العلاقات الثنائية بين البلدين , لأنه مبدأ يقوم على رؤية واقعية و عملية مفادها الاهتمام أكثر بكل ما يخدم المصالح المشتركة و عدم ربطها بالمسائل الخلافية كمسألة الصحراء الغربية . فقضية الصحراء الغربية التي تعكر صفو العلاقات بين البلدين منذ عقود , هي قضية تقرير مصير شعب , و أضحت من صلاحيات المجتمع الدولي الذي سعى ويسعى من خلال منظمة الأممالمتحدة إلى إيجاد حل ترضى به الأطراف المتنازعة , بل و إلى حل قد يفرض على هذه الأطراف في ظل سياسية عالمية يحرص كبار لا عقدة للجزائر من موقف يتوافق مع الشرعية الدولية العالم على تكريسها بإزالة أي عائق يعرقل السير الجيد للتجارة العالمية . و ليس هناك عائق أكثر إعاقة للمصالح الاقتصادية كالنزاعات الإقليمية المسلحة . إن حق تقرير مصير الشعب الصحراوي , حق لا يزول بالتقادم , و لذا كرسته جميع المواثيق الدولية , وأضحى ثابتا من ثوابت الحلول المقترحة لهذا النزاع , بما فيها ما سمي بالطريق الثالث الداعي إلى إقامة حكم ذاتي لفترة معينة تتوج باستفتاء لتقرير المصير . فإذا تمكن الطرفان الجزائري و المغربي من تحييد قضية الصحراء الغربية في علاقاتيهما الثنائية و في إطار اتحاد المغرب العربي يمكن للمنطقة استدراك ما فاتها خلال العقود الأربعة الماضية من مصالح اقتصادية بالدرجة الأولى ,زيادة على اكتساب قوة سياسية مؤثرة في القرارات الدولية لاسيما في القضايا التي تهم المغرب العربي . و إصلاح الوضع يبدأ حتما بإعادة ترتيب بيت اتحاد المغرب العربي , بما يحول دون تجميد نشاطاته من أي طرف , مهما كان وزنه في الاتحاد .و المسلمة التي لا ينبغي أن تغيب عن ذهن قادة و شعوب المغرب العربي , هي أن المستثمرين الحقيقيين لا تستهويهم سوق تعداد مستهلكيها 40 أو 50 مليون نسمة , و إنما تصبح السوق مهمة في نظرهم عندما تستقطب 100أو 150 مليون نسمة . و لذا لا مفر لبلدان المغرب العربي من مواجهة آثار العولمة و الحروب التجارية و هي مجتمعة, ففي الاتحاد قوة ,و هو ما فتئت تشجعه و تدعو إليه السياسة الجزائرية قديما و حديثا, حيث أكدت الجزائر مرارا ثقتها الكاملة في الثقل الذي يمكن أن يمثله اتحاد المغرب العربي في ميزان القوى, سواء على المستوى الإقليمي أو حتى الدولي, و هو ما يتجلى من خلال مصادقتها على 29 اتفاقية قطاعية من مجموع 36 اتفاقية تم إبرامها منذ إنشاء هذه الهيئة سنة 1989, مقابل 8 اتفاقيات صادق عليها المغرب و28 بالنسبة لتونس و موريتانيا و 35 لليبيا حسب المعطيات المتداولة في هذا الشأن بين مصادر مطلعة على هذا الملف. الاطلاع على المسار التاريخي لاتحاد المغرب العربي , يكشف للمتتبع المنصف و المحايد , الطرف المعطل لمسيرة هذا الصرح , و بالتالي فإن التساؤل الذي اختم به هذا التقرير التذكيري , هو ما المانع من أن يلتئم شمل هذه المجوعة بمن حضر من الأعضاء , ما دام غياب المغرب في الاتحاد الإفريقي منذ تأسيسه ,لم يمنع هذه المنظمة القارية من أداء مهامها و مواصلة مسارها؟ و من يمكن الاستغناء عنه لعقود في منظمة قارية , يمكن بشكل أسهل الاستغناء عنه في منظمة جهوية؟