أقرت كل اللوائح في مختلف الهيئات الحقوقية والسياسية الحق في التجمع السلمي كأحد التجليات المهمة للتعبير عن حرية الرأي وتقديم المطالب التي غالبا ما تجد النسبة الكبيرة منها طريقها إلى التنفيذ عندما يبنى الحوار على الطريقة السلسة بعيدا عن الضغط أو التهرب أو تقديم أنصاف العلاج. فعند تنظيم المواطنين مسيرة أو اعتصام سلمي فإنهم يهدفون من وراء ذلك إيصال رسالة والتعبير عن موقف، وبالنظر لأهمية التجمع السلمي كونه أحد أهم أدوات التعبير عن الرأي، فقد اهتمت المعايير الدولية اهتماماً واضحاً بالحق في التجمع السلمي، وكان الإعلان العالمي لحقوق الإنسان أول وثيقة أقرت التجمع السلمي كحق من حقوق الإنسان الأساسية، حيث نص في البند الأول من المادة 20 على أن لكل شخص حق في حرية الاشتراك في الاجتماعات والجمعيات السلمية. وجاءت المادة 21 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لتؤكد على الحق في التجمع السلمي، حيث نصت على أن يكون الحق في التجمع السلمي معترفا به ولا يجوز أن يوضع أي من القيود على ممارسة هذا الحق, إلا تلك التي تفرض طبقا للقانون وتشكل تدابير ضرورية في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو حماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم. وكان وعي الإدارة المسؤولة عن أمن البلاد وتأمين المواطنين مدركة بأهمية تمكين الشعب من السير في جو الالتزام بالقوانين دون محاولة لتنكيص أو ارتداد للعمل الديمقراطي وإحباط الناس. الحراك السلمي الواعي بالمسؤولية أكد أنّ الوصول إلى المبتغى يحتاج إلى عمل متواصل وإلى وقت طويل وصبر أطول. ثمار الديمقراطية لا تجنى على المدى القريبة. فهي ثقافة تهذب الفكر والسلوك وتبين على درجة من الالتزام وأكدت سلمية المسيرات أنّ الشعب يمرّر رسالة حضارية للداخل والخارج يحفظها له التاريخ. الحفاظ على المكتسبات تمتع الإنسان بالحرية يعني أن يكون عليه واجب الحفاظ على المكتسبات والدفاع عن الممتلكات التي هي في الأخير ممتلكاته وجاءت لخدمته وهذا ما فهمته كل الفئات والطبقات الاجتماعية التي رافقت المسيرات الشعبية منذ 22 فبراير الماضي . الديمقراطية، ليس بالإمكان تأسيسها وممارستها إلا حين تسود المجتمع تعددية سياسية وهذا ما توصل إليه الشعب وعبّر عن ذلك من خلال الشعارات التي رفعها في المسيرات الأخيرة. وحتّى إذا كانت لعديد الفئات المهنية عبر الوطن مطالب محدّدة ونابعة من ظروفهم المهنية والاجتماعية فقد انصهرت كل المطالب في مطالب شعبية رافقتها السلمية في الطرح وتجنّب ما من شأنه تغيير مسار الحراك وبالتالي اضمحلال العزائم وخروج الفعل عن إطاره كما يتربص به العديد من الداخل و الخارج ممن تجاوزهم حراك الشعب الذي سار بالملايين يلغي استرجاع سيادته والتقرير لنفسه في نظام جديد يؤمن بالديمقراطية فعلا لا قراءة في نظريات.