لعلّ ما ميّز أعمال دفعة ماستر إخراج مسرحي المتخرّجة هذا العام من قسم الفنون ، هو جُنوح المخرجين الشباب نحوَ المونودراما كشكلٍ درامي استهواهم ليجسّدوا من خلاله رؤاهم الإخراجية ، و يبلورا عَبرَه ما ثقِفوه عن فن الإخراج مُدارسةً و مشاهدةً .. و ما لفتَ انتباهنا ، و نحن نتابع أعمال طلبتنا على رُكح عبد القادر علولة ، طبيعة الموضوعات التي عالجتها المونولوجات ، و التي عكست بحقّ ما نعايشه عموما ، وما يواجهه شبابنا وشاباتنا من إشكالات و تحديات على صعيد ما أصبحت تفرزه الحياة يوميًا من أفكار و مظاهر و أنماط سلوكية غريبة ، تُحيل العاقل و كلّ ذي حسّ ووعي إلى الشعور بالاغتراب الاجتماعي إزاء التغريب الحاصل في تصرفات و أفعال الأفراد و رُدود أفعالهم .. فعلى وجه الإجمال ، كانت هذه هيَ مضامين مسرحيات طلابنا ، و إن تفاوتت في مستوى ترجمتها رُكحيًا ، فقدْ استعرضت عددًا من ألوان القهر و الهدر المجتمعي للشباب و الشابات في أمكنة مختلفة : البيت ، الشارع ، مؤسسات التعليم ، مَقَار العمل ، و في غيرها من أماكن النشاط الإجتماعي .. و إنّ ما أراد المخرجون الشباب التعبير عنه من خلال محاولاتهم الإخراجية لا أتصوّره بعيدا في فَحواهُ عمّا يعبّر عنه نُظراؤهم بأشكال شتّى يوميّا ، فَها هِيَ ذي المسيرات السّلمية الأسبوعية المُندلعة منذ 22 فيفري بكلّ أنحاء الوطن ، ترفع بسواعدها شعارات و لافتات ، و تصدح بمِليءِ حناجرها لتُندّد بالقهر و الجور و التهميش و المحسوبية و ما سِواها من الآفات التي نخَرت المجتمع أفقيا و عموديا ، و أوصلت حال الأفراد و الجماعات إلى أعتاب اليأس و القنوط و الإحباط ، و دفعتهم إلى فقدان الأمل في الوطن ، و استحالة العيش بين ظهرانيْ وطنٍ لا يعترف بهم و لا يعترف لهم ، وطنٌ أضحى منتدى لأناسٍ جعلتْ منهم البنوك و أموال الشعب رجالاً أوْ بالأحرى أشباه رجال أعمال ، فَضيّقوا العيش على الجميع ، و دفعوا بِخيرة أبناء و بنات الأمة إلى عنق الزجاجة ، فلم يجدوا - في ذروة ضعفهم البشري - ملاذًا سوى الإنتحار : إمّا بتعاطي السموم و المهلوسات ، أو بزهق أرواحهم أو غرقا في عرض البحر .. و إذا عدنا إلى أعمال طلبتنا لهذا العام ، لوَجدناها تبوح أو تصرّح بشكل فنّي مركَّز بما هتفت به أصوات السّلميين في ثلاثٍ و عشرين جمعة ، بل يكاد التعبيرين ( الفنّي و العامّي ) يتقاطعان إلى حدِّ الإنصهار ، مِصداقَ ما تقول به التنظيرات السوسيو - فنية عن تماهي الخطاب الفني مع نظيره المجتمعي ضرورة و احتمالاً .. إن طبيعة موضوعات المسرحيات المُنتقاة من قِبل : نبيل ، شمس الدين ، لوصيف ، كوثر ، خديجة و إيمان من عُيون المسرح العالمي ، العربي و الجزائري ، المفعمة بالفكر و الفعل و الحسّ الإنساني ، أحالتنا ، و نحن نتلقّاها ، على نبل مطالب جموع الشعب في جُمَعِه و تجمعاته بخصوص الحرية و العدالة و الكرامة و الثوابت الوطنية و الوحدة الترابية ، بلْ ثمّة شعارات تداولها الشارع ، اكتسحت مؤخرا خشبات المسرح ، و ردّدها قبلذاكَ صراحة و تلميحا الممثلون في مسرحيات : بكالوريا ، معروض للهوى ، الخيش و الخياشة ، البلاصة ، أرلوكان ، عدّة زين الهدّة ، وغيرها .. و بالنتيجة ، أليسَ الفن عموعا ، و المسرح خصوصًا ، مهما كان رداؤه ، محليا أو عالميا ، لصيقٌ بالبيئة التي أنتجته أو استعارته لدرجة يصير صورة و مظْهَرًا لها !؟ طبعًا لن يكون التصوير نَسخًا فوتوغرافيا أوْ تقليدًا حَرفيا للحياة ، ذلك أن الفن أجمل و أبهى من الواقع ، و إن استدعى الأمر حدوث التقليد وُجوبًا ، فعلى الحياة أن تُقلِّد الفن و ليس العكس ، اعتبارًا من أن الفن في مقابل الحياة ، كان و سَيَظَلُّ ، هو الأرقى و الأنقى و الأبقى ، و هِيَ ذي ماهيته و حقيقته منذ بدء الخليقة ...