ها أنت أمام المرآة،تحدق في وجه،لا تكاد تعرفه ،تتساءل في قرارة نفسك :هل هذا أنا ؟ سؤال صعب،قاس،يحمل في طياته كل الخيبات والانتكاسات التي عشتها،كل المدن التي تسكعت في شوارعها،تنثر عبر ممراتها أوراق العمر المعنى،المثقل بالهروب والانتظار. كل حياتك هروب ،أول هروب عشته في حياتك عندما عرفت الحقيقة المرة ،أن هذه الأسرة التي عشت في أحضانها طوال سنوات ،هي ليست أسرتك،تبنتك وأنت رضيع،لا يعرف له والدان،مجهول النسب . وها أنت اليوم بعيدا عن كل شيء،عن الأسرة ،عن الوطن . كنت تظن أن الغربة تنسيك لحظات الهروب النفسي والروحي،تعطيك بعض الأمان والاستقرار ،تحررك من تلك البيئة القاحلة التي رمتك إلى دهاليز النسيان والتجاهل . أمام المرآة وأنت بهذه البذلة الأنيقة ،بلونها الأزرق السماوي،انفتحت أمامك أبواب الذكريات ،فوجدت نفسك تبحر إلى جزر نائية،حيث الوحدة والاغتراب وفقدان المعنى،لولا الكتابة لما كانت لحياتك معنى ،الكتابة سيدة المقام ،جسر العبور نحو عوالم الجمال والبهاء. التفت أمام المكتب الصغير القابع في زاوية الغرفة كانت الدعوة الموجهة لك من معهد العالم العربي لتكريمك كأفضل شخصية ثقافية مؤثرة بكتاباتها الكونية التي تدعو إلى حوار الثقافات وتوافق الأديان والعيش في سلام وفق قيم الحب والخير والعدل والجمال . ألقيت نظرة على الكلمة التي ستقولها في حفل التكريم ،تركت الغرفة في كامل أناقتك،لكن ثمة أسئلة مزلزلة تهز الروح،مازالت الجراح لم تلتئم بعد ،مازلت تبحث عن كينونتك ،من أنت؟