لم أكن أعرف أن الكاتب الفلسطيني المميز غسان كنفاني كتب في المسرح ، وما تصورت أبدا أنه كتب في الخيال العلمي فشهرته وتميزه أنه رائد أدب المقاومة!..كنت قد قرأت له من قبل "رجال تحت الشمس " ، " أم سعد " ، " عالم ليس لنا " ، " القميص المسروق " و " أرض البرتقال الحزين" ...فالأبطال مختلفون لكن انتماءهم واحد .. فلسطين ، وموضوع القصص واحد البؤس والنكبة التي حلت بالفلسطينيين بعد أن اغتصبت أرضهم وطُردوا منها ... غسان أديب كبير، فهو يكتب في شتى المواضيع ولا يستطيع أن ينعزل عن قضايا الأدب الأخرى وحتى وإن جعل من الكفاح الوطني قضيته الأولى والمركزية ،فالأديب يحتاج إلى ثقافة متنوعة ، حتى لو تخصص في إبداع نوع واحد من الفنون، والفيلسوف يقرأ في التاريخ حتى إن لم يكن مؤرخا ، والمؤرخ يطالع في أدب الرحلات وكذلك الصحفي والشاعر والروائي وعالم الاجتماع... وقد قرأت أيضا روايته البوليسية الرومانسية ذات الحبكة المشوقة واللغة الممتعة التي عنونها بالشيء الأخر ، من قتل الحايك ؟.. أما في الخيال العلمي فلم يكن له عمل روائي أو قصصي ، وإنما مسرحيتان قرأتهما مؤخرا احتوت شخوصها وأحداثها على خصائص أدب الخيال العلمي! ، الأولى هي" النبي والقبعة " التي تدور حول صداقة قوية نشأت بين مخلوق فضائي والبطل الذي كان يُحاكم بعدة تهم بسبب ديون متراكمة ومشاكل شخصية مع حبيبة مشفقة وأمها العصبية! ، ويقدم الكاتب من خلال الحوار بين المخلوق الفضائي و البطل رؤيته الفنية والفكرية حول الفضيلة والحب والموت والوجود والصداقة!، وتنتهي المسرحية بأن تُعلن براءة البطل لكن يرفضها إذ كانت مقابل أن يبيع صديقه الفضائي مقابل الملايين التي يمكنها أن تسدد ديونه وتخرجه من السجن وتعيد له حبيبته! ..فهو اختار الصداقة عن كل ذلك! أما المسرحية الثانية فعنوانها " جسر إلى الأبد " حول شاب يريد أن ينتحر بسبب لعنة شبح تلاحقه ، إذ أخبره بموعد وفاته، فالبطل رجل لا يموت حتى وإن دهسته سيارة وسال دمه وتمزق لحمه ..، وتقرر الفتاة أن تساعده بدل أن ينتظر الموت ! ، والسبب أن البطل كان يتوهم بأنه قتل أمه لما سافر الى بلاد بعيدة للعمل وتركها وحيدة فأراد الشبح أن ينتقم منه ، بأن حدد له يوما محددا للموت ، لكن رجاء تقنعه بالعكس فوفاة أمه كانت طبيعية، وعليه أن لا يخاف الشبح ويعزم على مواصلة الحياة وأن لا ينتظر يوم الثلاثاء المقرر أن يموت فيه!!...