بين سندان الرّتابة ومطرقة الفزع، رحت أقلّب صفحات طفولتي ،لأهصر أنباء الشّاشات .. التي تنزل نزول الصّاعقات.. على أبناء جلدتي بأقطار المعمورة ، فتراءى لي يوم قائظ من عنفواني.. خصّصته للنّزهة بين المفاوز ،حيث السّراب وطقطقة الأعشاب ..و بلابل تعزف وصلتها العذبة ..ليسمعها الصّادي والغادي ،..أبحث عن خلوتي في صمت البوادي ،أتوق إلى فراشة بشريّة باهيّة الألوان والتنسيق ..تسبح في دمي، ونسيت بأنّني آسير البراري،والطّفل الذي كنته يعربد في الفلوات،.. إلى أن أفقت على مشهد أسطوري ،فرس بلا فارس،تطارد أرنبا بريّة ،فارتعت فرائصي ،وراحت عيناي تقصّ ومضة البرق فيها .. خطوة بخطوة، حتى توارت الطّريدة في عجّاجة .. أحدثتها حوافرها ،وما هيّ إلاّ هنيهات،حتّى أبصرته يدنو من البطمة الوارفة التي أوتنا بظلّها.. غير مكترث بسخال ترسل مأمأتها على بساط الشّيح المخضرّ ،تنفّست الصعداء مستشرفا.. بأنّه سيقتل تساؤلي ،ودن سؤال راح يروي بسلاسة الأعرابي، : -لا تخف ولدي . . أنا صاحب الفرس التي راعتك،ما في الأمر أنّني كنت أطارد الأرانب على ظهرها ، ومن التّكرار تعوّدت المطاردة بمفردها،فهي عربيّة أصيلة،ولدتها أمّها مهرة ،اجتمع لمولدها شيوخ من خيّالة العرب، قالوا بأنّها من سلالة عربيّة.. ركبها صاحب البراق ،وكتبوا شهادة عن أصلها ،وضعها والدي في جيدها بقلادة من مسد. بعد أن خرّزها في جلد بكرة فتيّة. على عادة الأوّلين، واستطرد : -فرسي جبلت على الشمائل .. مطيعة وفية لصاحبها، تطعمني لحما برّيا. أشهى من لحم الغزلان.أحيانا حين أمتطيها وأخرى بمفردها ،حين يماشيها « السلوڨي» الذي أيضا له خلال ،يحتفظ بالطّريدة لصاحبه ..ويأبى أن يلعق حتّى دمها ..وأنا اسمي طلحة وخيمتي هنالك ب « المرڨب العالي»، كما ترى ، أرعى السّخال إبّان فطامها ،وأروّض الجياد العربية الأصيلة وأغرس فيهم عادة الصّيد،تكبر وستعرف أسرار العرب .. ثم طلبني أن أقصّ عليه بعض مغامراتي ،أردت أن أبوح له بمها الرّحل التي غرست بداخلي عادة الذهاب إلى البيدر مع كلّ قيلولة، لكنّني احترمت رجلا في مقام والدي، وخلاف القصة الشائقة أدخل يده في جرابه وأعطاني حفنة « دڨلة نور»،وحثّني على الرّماية وركوب الخيل ..ففعلت