احتمالات تطور أزمة سوق النفط عبر العالم ، بعد خلط جائحة كورونا لأوراق كل اقتصاديات العالم ، باختلاف مستوياتها وعدم نجاة حتّى عملاقة من تبعاتها السلبية قد تمتد لسنوات ؛ تضع الاقتصاد الجزائري على محك صعب للغاية ، باعتباره اقتصاد ريعي يتنفس مما تذرّه أسعار الذهب الأسود. وطأة المحروقات على الاقتصاد الجزائري و التي تجعل الرؤية ضبابية لِما يجب أن يكون عليه الاقتصاد الجزائري ، لزام لها أن تتوقف و قد أثبت استشراء وباء كورونا للمرة ... أنّ تطليق متابعة ثمن النفط و حساب الميزانيات وفقا لما تطلقه البورصات من أسعار يومية تتحكم فيها سمسرة الكبار بات تطليقا لا رجعة فيه و التوجه فورا نحو إرساء قاعدة صناعية ، صناعة الفلاحة و صناعة السياحة و صناعة المناولة و الاستثمار في الكفاءة الوطنية من خلال إعادة تأهيل الخبرة المهنية في عديد القطاعات الحيوية. تبني استراتيجية طويلة المدى يقتضي توفر كل الإمكانيات و شحذ إرادة سياسية فولاذية ، لأنّ نمط التسيير الحالي قد درجت عليه الدولة و الشعب معا ، و صرنا نشهّر لهذا الحديث فقط عندما تحل الأزمات ، ليبقى النظر و التطلع طيلة السنة مشدودين إلى بورصات البرميل ، الذي توارثت الحكومات المتعاقبة طبقا لصعود و نزول سعره حسابَ كل قوانينها المالية منذ 1962 . اليوم المطلوب و بشكل جاد إرساء قاعدة صناعية صلبة و لا يوجد في البلاد أيّ مؤشر يقول باستحالة تنفيذ هذا المشروع ، الذي يخضع دوما لتوجهات الحكومات المتتالية و رؤيتها لشكل الاقتصاد الذي تريد ، وأبانت أزمة فيروس كورونا عن سلبيات النمط الاقتصادي المتبنى منذ عهد الاستقلال . المورد الطبيعي موجود ، الكفاءة المهنية متوفرة ، الخبرة تنتظر من يخرجها من عتمة التهميش لتقول كلمتها في مجال الصناعة و التصنيع ، سواء الصناعة التحويلية أو الغذائية أو ما شابهها، باعتبار الموارد الطبيعية في البلاد تجعل الاقتصاد أمام خيارات متنوعة. إنّ بوادر الأزمة الخانقة لسوق النفط منذ 2014 و ما تلاها من ضربات عنيفة ، ظلت مسيطرة على تدهور السوق و عدم استقراره و وصوله إلى أسوء حالاته اليوم بفعل الارتدادات التي خلقها وباء كورونا ؛ ساوت بين جميع الدول النفطية داخل أوبيك و خارجها ، لكن كل هذه الدول لا تتشابه في معطياتها الاقتصادية و لا في اتّكالها على النفط كمورد رئيسي للعملة الصعبة و تعبأة الخزينة العمومية ، في حين أنّ الجزائر تظل تحت رحمة البترول و تتأثر مباشرة بأوّل التحولات . اليوم ليس مطلوبا من البلاد أن تتحوّل بين ليلة وضحاها إلى دولة صناعية و لكن أن تسير في هذا الطريق فهو أمر لا تعطله أيّ عائقة بالنظر إلى زخم الإمكانيات المتوفرة . حكومات كثيرة توالت و راهنت على قطاعات أخرى "مجتمعة " للخروج من عنق الزجاجة ، و لكن لحد اليوم المردود ضعيف و الأداء في مجال التنمية يكاد ينعدم و هذا معناه أن الإستراتيجية لابد من إعادة النظر فيها رغم أنّ القطاع وُضع له مخطط توجيهي يمتد إلى آفاق 2025 فبكم يساهم هذا القطاع اليوم في مؤشر النمو ؟ الدولة اليوم أمام تحدي إعادة إحياء الإنتاج الصناعي الذي كانت قد بدأته في السبعينات قبل إخضاعه إلى إعادة الهيكلة ، التي أتت على عديد المصانع و المنشآت الهامة و قضت على النسيج الصناعي الذي كان قاعدة صلبة في مجال التنمية ، و من غير المعقول أن تتوقف مساهمة القطاع الصناعي عند 35 بالمائة ولابد من إطلاق ورشة صناعية في كل القطاعات من خلال إعادة تأهيل المؤسسات و الأنشطة التي حكمت عليها إعادة الهيكلة بالزوال ، أضف إلى ذلك ترقية الاستثمار الخاص بعيدا عن مجال المحروقات ، و هو المجال الذي تفضله الشركات الأجنبية لأنّه مضمون الأهداف و مذر للمال و توجيه الاستثمار الخاص ، الوطني و أجنبي نحو تمويل الأنشطة و المشاريع المرتبطة بالاستثمارات التي ترسمها الدولة كمجال استراتيجي لإعادة هيكلة اقتصادية جديدة و جادة تغض النظر عن مداخيل البترول . و التنمية بعيدا عن رحمة المحروقات ليست مالا و معادن فحسب بل محرك التنمية تصنعه الكفاءة الوطنية الخالقة للأفكار و الابتكار، كما أنه يجب الارتباط الوثيق بديناميكية سوق الصناعة الإقليمي و القاري و التدرج نحو العالمي ، لأن الجزائر ليس لها مبرر لعدم التساوي مع اقتصاديات ناشئة.