تتفرّد بيروت الجمال والسّحر عن مدن الشّرق برمّتها، وتتفوّق بخصوصيّة المكان والزّمان وبما حباها الله من جمال، فهي تحتضن البحر والجبل في آن واحد، وكلّما أصابها مكروه اغتسلت بماء بحرها ، مسحت دموعها، ودفنت حزنها كبذرة تخرج من غير ميعاد. لا تنام بيروت ليلا في شهر أغسطس كما يذكر العارفون، وتبقى الحركة باحتشام قبل أن يبعث الفجر خيوطه الأولى الواشية بفرح جديد. لكنّ ليلتها(ليلة الانفجار) اِلتحفت كآبة عادلت في مقدار الحزن دهرا، فقد اخترق ليلها الهادئ الموسوم بالسّكينة وهو يهدهد العشّاق تحت سماء بيروت الورديّة ضجيج دويّ هزّ أرجاء المدينة وأتى على كثير من مبانيها. لا أحدّثكم عن الخسائر، ولا عن الأرواح التي زُهقت حينها، ولا عن المآسي التي خلّفها الانفجار وعن تداعياته في شتى المجالات على مستوى الدّولة والشّعب اللبناني خاصّة، ذلك أنّ هذا الأمر متاح في وسائل الإعلام لما لقي من اهتمام ومواساة من العالم أجمع من جهة، ولأنّ الأمر مؤلم حقّا بالحديث عن تلك الصّور لمعاناة اللبنانيين وهم يكابدون الخسائر ويقفون على عتبة الكارثة من جهة ثانيّة، وهذا حقّا آلمني كغيري ممّن تابعوا الحدث.أثبت التّاريخ أنّ مدينة الجمال والحياة لا تعرف الهزيمة، ولا تعيش على بكاء الأطلال، بيروت وأهاليها تعلّموا من المآسي التي خصّتهم دون غيرهم كيف ينهضون بعد انكسار، وينفطمون عن كلّ همّ أو حزن قد تقاسموا مذاقه عنوةَ، إنّهم من أكثر الشّعوب تمسّكا بالحياة وتعطّرا بالفرح كلّ سانحة. ستقوم بيروت كعروس قاومت ألما عارضا ليلة زفافها، فأخفته لولا وشاية جسدها العليل، وابتسمت ليفرح الغير، كيف لا وهي محجّ السوّاح يأتونها من كلّ فجّ، فتعلّمهم كيف يحيون وسط ألم ويبتسمون حين يُغرقهم الحزن دون سابق إنذار. بيروت الجمال، بيروت الحُب والأمل والحياة، كم تمنيت لو أنّ قلمي يستطيع محاكاة من سبقونا بوصفك والتغزّل بجمالك والحزن لحزنك شعرا ونثرا، أمّا الحقيقة فإنّي أحبّك وأنتِ قاب قوسين من فرح آت. بيروت ولأنّ العالم على اختلاف الأديان والأعراق يلتقون على حبّك، ستقاومين وجعا عارضا كغيره، و سنغنّي جميعا مع فيروز..... لبيروت من قلبي سلامُ.