وردت في مسرحيات كاتب ياسين عدة إحالات إلى نصوص روائية كتبها من قبل، إضافة إلى خطابات شعرية مستوحاة من الأغنية الجزائرية، ومن الأغنية المغربية ، وهناك أغنية المهجر التي عرفت في الستينيات والسبعينيات. لقد استعان بها في: فلسطين المخدوعة (أو قصابة الأمل)، محمد خذ حقيبتك، ملك الغرب(أو حرب الألفي سنة)، وشبح حديقة مونصو(أو البورجوازي ذو السروال المخطط). تنتشر الأغاني الشعبية في مسرحيتين اثنتين على الأقل لأنهما مرتبطان بظرف تاريخي : فلسطين المخدوعة ومحمد ارحل، وهما مسرحيتان متجاورتان موضوعاتيا لأنهما تنتقدان المنافقين الذين لا يولون أهمية للأمة، وليس الإسلام كما ذهبت إلى ذلك بعض التأويلات التي لا علاقة لها بالنصين. في حين أنّ محمد خذ حقيبتك هي انتصار للمهاجرين، ولا تمتلك أية علاقة بالقراءات المواترة. إضافة إلى كثرة الأغاني المستثمرة، هناك بعض الأناشيد الفرنسية التي تمت تجزئتها بناء على مقاصد تداولية ذات علاقة بالعرض، وبالحوار بالدرجة الأولى، دون التلميح إلى المرجع بوضع مزدوجتين أو عارضتين مثلا، الشيء ذاته بالنسبة لحكايات جحا، وهي مرويات استغلت بشكل واضح، إضافة إلى القصص المستمدة من الكتب المدرسية القديمة، كقصة بهلول والباب التي عرفت في الستينيات. ومع أنّ مسرحية ملك الغرب تعالج موضوعا سياسيا: الصحراء الغربية، إلا أنها قللت من استدعاء المرجع، ما عدا في حالة واحدة يمكن ضبطها بصعوبة بالنظر إلى غياب العلامات الموجّهة، وتتمثل في إدراج إحدى اغاني جيل جيلالة، مع أنّ هذه الأغنية جاءت مبتورة. أمّا مسرحية شبح حديقة مونصو فتناولت تاريخ الثورة الفرنسية بالتركيز على شخصيات معروفة، ومنها روبيسبيير، لذا خلا النص من الإحالات، كما اختفت التناصات، ما سهل فعل الترجمة. سعى المؤلف إلى الاستعانة بالتناص كخيار يهدف إلى تقوية الدلالة بإشراك القصيدة الشعبية، كما يفعل القوال.لقد قامبذلك بأشكال تعتمد على الجانب الحرفي تارة، وتارة بنوع من التكييف والتحايل على المرجع الذي سافر إليه الخطاب بوضع مسافة بين النص والإحالة، بصرف النظر عن الحاجة وكيفية خدمتها، وبعيدا عن أي استثمار نقدي. سيجد المترجم، كما القارئ والمشاهد، تركيما لهذه التناصات، الجلية منها و المضمرة، على مستوى الاقتباس المباشر للشاهد، أو بتعديلات مست مقاطع شعرية، أو استثمرتها في تركيب حواري عن طريق تقسيمها إلى وحدات متسلسلة، وتجميعية، تم التأليف بينها بسرد تنسيقي جامع للأجزاء المتشظية، على شاكلة ما يحصل في النثر. يواجه المترجم سؤال الأصل والفرع في تحويل هذه الأعمال التي تشبه ورشة مفتوحة على ممكناتتأليفية، شأنها شأن عناوين المسرحيات المتحولة. عادة ما يلجأ الكاتب إلى ترجمة النصوص العامية إلى الفرنسية لسبب تداولي، أو لغاية لسانية أو تواصلية، ونقصد الأغاني والأمثال التي اتكأ عليها في التضمين، مع تفاوت في استغلال التناصات الداخلية والخارجية، كتاباته الخاصة وكتابات الآخرين التي أصبحت امتدادا للبناء العام. الظاهر أنّ كاتب ياسين يتوجه، من خلال النص المكتوب والعرض، إلى مشاهد أجنبي لا يعرف العربية، فرنسي بالدرجة الأولى، أو جمهور من المهاجرين بحكم تردده على هذا البلد، وبالعودة إلى العروض التي قدمها في فرنسا في الثمانينيات، وبفعل إقامته هناك بعض الوقت، وأثناء العلاج بمدينة غرونوبل الذيلم تمنعه من مواصلة تنقيح منجزه، ومن ذلك محمد خذ حقيبتك التي أعاد أجزاء منها في المشفى، قبل رحيله في مطلع الثمانينيات. يشكل انتقال الأغنية العامية إلى الفرنسية عقبة أمام المترجم الذي لا يعرف الحالة الثقافية. ذلك أنّ الكاتب يبعد الأغاني عن الأصل ليحل محله الفرع، أيالنص الأجنبي الذي يصعب ضبطه بالنظر إلى غياب مجموع العلامات التي تحدد نص الانطلاق الذي لا يحافظ سوى على النويات الدلالية، أو جزء من المعنى، مع ضياع هويته،كالمعجم والايقاع. ما يتسبب في إرباك المترجم الذي لن ينتبه إلى المنقول لاندماجه في النص. كمايحدث أن يستعمل الكاتب مزدوجات للإشارة إلى الخطاب المنقول، ومن ثمّ إمكانية الانتباه إلى الاستثمار، أو إلى الترجمة التي قام بها. هكذا تغدو المزدوجات معينا موجها للمترجم، ومساعدا له على البحث عن الأصل، بدل التعامل مع لغة الوصول التي تبدو مضللة من حيث إنها تخفي الحقيقة اللسانية والمعنوية المؤسسةكجوهر لا يمكن القفز عليه. أغلب الأغاني جاءت بالعامية الجزائرية، على تباينها ومستوياتها المعرفية وحمولاتها الدلالية. أمّا الأغنية المهجرية فاتسمت بتلوّث لغوي، كعادة الأغاني الموجهة لجمهور مخصوص.غير أنها انتقلت إلى الفرنسية بصفاء، دون أن تحافظ على الجانب الهجين، ومن ثمّ تحوّلها إلى نصوص ذات ضوابط، بعيدا عن حقيقتها الفعلية كنصوص شعبية لها معجمها ومقوّماتها، ومثال ذلك أغنية "يا المنفي" للمطرب آكلي يحياتن. جاءت هذه الأغنية مزيجا من الألسن لأنها كانت تعبر عن المهاجرين والمنفيين، وأولئك الذين لا يتسمون بصفاء لساني لأسباب تاريخية. كانت هذه الأغاني موجهة إلى فئات شعبية ذات مستوى تعليمي محدود. لكنهاغدت، لحظة انتقالها إلى الفرنسية، قصائد رسمية فقدت طابعها الأولي. الشيء ذاته بالنسبة للأغنية السياسية المغربية، كما وردت في مسرحية ملك الغرب. لقد نقلها الكاتب إلى الفرنسيةدون أي إحالة على المصدر. يحدث أيضا ألاّ يستعين الكاتب بالأقواس والمزدوجات، أي أنه يدمج النص المنقول في الخطاب ليصبح جزء من البنية العامة، أو تتمة للتأليف المكتفي بذاته، دون إحالات، أو هكذا يبدو الأمر عندما يحدث إدماج كلّي للمقاطع المنقولة في نص الكاتب، بلا أية إشارة دالة على الاقتباس، أو على التناصات الخارجية التي وظفها لأغراض معينة ترتبط أساسا بفعل الكتابة والعلامات الضاغطة. كيف سيتعامل المترجم مع هذه الحالات المتواترة في المسرحيات، باستثناء شبح حديقة مونصو؟ هناك إشكالية وجب التوقف عندها: كان على الكاتب، نظريا، الحفاظعلى النصوص الأصلية، دون ترجمتها لأنها مصدر ثابت يستدعي التعامل معه كما هو. غير أنّ المتلقي، حسب تأويلنا، كان ضاغطا على المؤلف، لذا ترجمت الخطابات المنقولة حتى يفهمها الآخر، مع أنها ستفقد كثيرا من خصوصياتها، ومن القوة التأثيرية أيضا. لجأنا إلى التنقيب في التراث الغنائي بحثا عن المنجز الأصلي، بدل ترجمته من الفرنسية. كنّا نقابل، تأسيسا على بعض الشك في الصور والكلمات والجمل، بين الأغنية المترجمة، وما بقي في الذاكرة من آثار الأغاني. كان الشك في صفاء الخطاب يدفعنا إلى المقارنةبغية الوصول إلى النصوص المؤسسة. كما أنّ بعض العلامات الخافتة كانت كافية لذلك: الاسم أو الفعل أو الصورة أو المعنى. واجهت العملية تعقيدات لأنّ الكاتب لم يشر إلى أسماء المؤلفين الذين استفاد منهم. كما أنه كان يتفادى استعمال المزدوجات التي تدلل على التناص الخارجي، أي على التضمينات. ثمّ إن أغلب الأغاني الموظفة في النص الفرنسي لم يرد ذكرها، لا في النص العامي المدوّن، ولا في مختلف العروض التي قدمت هنا وهناك، داخل البلد وخارجه. لقد حدث أن شاهدنا العرضين الأوليين، بحضور كاتب ياسين، ولاحظنا الفرق بين العرض المسرحي والمخطوط.أشير إلى عرض فلسطين المخدوعة الذي كان مختلفا عن النص الفرنسي، وهو أمر لا يعنينا في هذه المقاربة، لكنه ضروري لعدم الوقوع في شرك ترجمة ما لا يحتاج إلى ترجمة، بقدر ما يحتاج إلى الحفاظ عليه في الأصل الذي ميزه عن الفرع. تشير المعاينة إلى أن أغلب نصوص كاتب ياسين غير مستقرة، كما يمكن أن نتصور عندما نتعامل معها كمتفرجين حياديين، وهي متفاوتة ما بين التدوين والعرض، إضافة إلى المسافة الفاصلة بينها وبين النصوص الفرنسية. بعض المسرحيات المكتوبة بلغة أجنبية تحمل زادا لا يتوفر في النصوص العامية، كما أن بعض ما ورد في النص العامي غير موجود في النص الفرنسي. ما يعني أنه من المتعذر الحصول على مصدر ثابت يمكن الاحتكام إليه كسند يوجه النقل من لغة إلى لغة، ما يجعل الترجمة أكثر تعقيدا.