وردت في المسرحيات الأربع لكاتب ياسين عدة إحالات إلى نصوص روائية كتبها من قبل، إضافة إلى خطابات شعرية مستمدة من الأغنية الجزائرية والمغربية، وهناك أغنية المهجر التي عرفت في الستينيات والسبعينيات، وقد استعان بها في مسرحيات " فلسطين المخدوعة " ، " محمد ارحل" ، ملك الغرب. تنتشر هذه الأغاني في مسرحيتين اثنتين لأنهما مرتبطان بظرف تاريخي مميز، " فلسطين المخدوعة"، و«محمد ارحل"، إضافة إلى كثرة الأغاني الواردة في المتون، هناك بعض الأناشيد الفرنسية التي تمت تجزئتها بناء على مقاصد تداولية ذات علاقة بالعرض، دون التلميح إلى المرجع، الشيء ذاته بالنسبة لحكايات جحا وبعض القصص المستمدة من الكتب المدرسية، كقصة " بهلول والباب " . ومع أنّ مسرحية ملك الغرب تعالج موضوعا معروفا" الصحراء الغربية" ، إلا أنها قللت من استدعاء المرجع، ما عدا في حالة واحدة يمكن ضبطها بصعوبة بالنظر إلى غياب العلامات الموجّهة، وتتمثل هذه الحالة في إدراج إحدى أغاني جيل جيلالة "العيون عينيا "، والساقية الحمراء ليا، والواد وادي يا سيدي، و« الواد وادي"، مع العلم أنّ هذه الأغنية جاءت مختلفة عن الأصل. سعى المؤلف إلى الاستعانة بالتناص كخيار يهدف إلى ترقية الدلالة بإشراك القصيدة ، لقد فعل ذلك بأشكال تعتمد على الجانب الحرفي تارة ، وتارة بنوع من التكييف والتحايل على المرجع الذي سافر إليه الخطاب بوضع مسافة معينة بين النص والإحالة. سيجد المترجم تركيما لهذه التناصات، على مستوى الاقتباس المباشر للشاهد، أو بتعديلات جزئية مست مقاطع شعرية ، أو استثمرتها في تركيب حواري عن طريق تقسيمها إلى وحدات نصية متسلسلة، وتجميعية، ثم التأليف بينها بسرد تنسيقي جامع للأجزاء المتشظية. سيواجه المترجم سؤال الأصل والفرع في تحويل هذه الأعمال التي تشبه ورشة مفتوحة على الممكنات التأليفية، عادة ما يلجأ الكاتب إلى ترجمة النصوص العامية إلى الفرنسية. ربما كان ذلك لسبب تداولي، أو لغاية تواصلية، ونقصد مجموع الأغاني والأمثال التي اتكأ عليها ، مع تفاوت بين في استغلال التناصات الداخلية والخارجية التي أصبحت امتدادا للبناء العام . يشكل انتقال الأغنية العامية إلى الفرنسية عقبة أمام المترجم الذي لا يعرف الحالة الثقافية ، خاصة إن لم يكن مُلمّا بالموروث الغنائي الجزائري والمغربي ، ذلك أنّ الكاتب يبعد هذه الأغاني عن الأصل الذي يكاد يمحي نهائيا، ليحلّ محله الفرع، أي النص الأجنبي الذي يصعب ضبطه، بالنظر إلى غياب مجموع العلامات التي تحدد نص الانطلاق الذي لا يحافظ سوى على النويات الدلالية، مع ضياع تام لخصوصياته المعجمية وبعض تفاصيله المميزة. أغلب النصوص الغنائية التي ضمّنها وردت في الأصل بالعامية الجزائرية. أمّا الأغنية المهجرية التي استعان بها فاتسمت بتلوّث لغوي كبير، كعادة الأغاني الموجهة لجمهور مخصوص، غير أنها انتقلت إلى الفرنسية، أثناء الترجمة، بصفاء معجمي، دون أن تحافظ على الجانب الهجين الذي يميزها، ومن ثمّ تحوّلها إلى نصوص ذات ضوابط نحوية وصرفية وإملائية، بعيدا عن حقيقتها الفعلية كنصوص شعبية لها مقوّماتها. جاءت هذه الأغنية المهجرية مزيجا من الألسن المتباينة التي شكلت مادة مخصوصة، لأنها كانت تعبر عن المبعدين والمنفيين، وأولئك الذين لا يتسمون بصفاء لساني لأسباب تاريخية. إضافة إلى ذلك فإن هذه الأغاني الملوثة كانت موجهة إلى فئات شعبية ذات مستوى تعليمي متواضع. لكنها غدت، لحظة انتقالها إلى الفرنسية، قصيدة نقية، على الأقل من الناحية اللغوية. الشيء ذاته بالنسبة للأغنية السياسية المغربية، كما وردت في مسرحية ملك الغرب. لقد نقلها الكاتب إلى الفرنسية، دون الحفاظ على مقوماتها. يحدث أيضا ألاّ يستعين الكاتب بالأقواس والمزدوجات، أي أنه يدمج النص المنقول في الخطاب المسرحي، ليصبح جزء من البنية العامة، أو تتمة للتأليف، دون إحالات، أو هكذا يبدو الأمر عندما يحدث إدماج كلّي للمقاطع المنقولة في نص الكاتب، بلا أية إشارة دالة على الاقتباس، أو على التناصات الخارجية. سنكون لحظتها أمام نوع من التناغم الكلي بين النصوص المتعددة المصادر والألسن، المختلفة بنائيا ومعجميا من حيث الجذر المغيب، ومن حيث الخصوصية اللسانية التي ستذوب كلية في الترجمة الفرنسية، ولن تحافظ على أي أثر لها في لغة الوصول، باستثناء ما تعلق بالموضوعات التي نادرا ما تدلل على التحول لحظة انتقالها إلى لغة أخرى، أو على بعض الأجزاء من المعنى المساوق للغة التي كتبت بها القصائد. هناك إشكالية حقيقية وجب التوقف عندها مليّا. كان على الكاتب، لو أراد ذلك فعلا، الحفاظ على النصوص المضمنة كما وردت في الأصل، دون ترجمتها لأنها كذلك، مصدر ثابت يستدعي التعامل معه كما هو. غير أنّ المتلقي الافتراضي، حسب تفسيرنا، كان ضاغطا على المؤلف، لذا ترجمت الخطابات المنقولة إلى الفرنسية حتى تفهم من المتلقي الآخر، مع أنها ستفقد كثيرا من خصوصياتها الدالة، بما في ذلك الجانبين الدلالي والإيقاعي ، وربما القوة التأثيرية كذلك. لجأنا إلى التنقيب في التراث الغنائي الجزائري والمغربي بحثا عن النصوص، بدل ترجمتها من الفرنسية إلى العربية، أو إلى العامية، لأنها قائمة ومتداولة، ومن ثمّ عدم حاجتها للترجمة. لقد استدعى ذلك العودة إلى منجز قرابة ستين سنة من الغناء، أو أزيد بقليل. كنّا، نقابل، تأسيسا على بعض الشك في الصور والكلمات والجمل والأنساق، بين الأغنية المترجمة، وما بقي في الذاكرة من آثارها. كان الشك في صفاء خطاب الكاتب هو الذي يدفعنا إلى هذه المقارنة بغية الوصول إلى الحقيقة اللسانية البدئية ، كما أنّ بعض العلامات الخافتة كانت كافية لذلك. لقد شاهدنا، من باب دعم ما ذهبنا إليه، العرضين الأوليين، بحضور كاتب ياسين نفسه، ولاحظنا الفرق بين العرض المسرحي والمخطوط.أشير إلى عرض فلسطين المخدوعة الذي كان مختلفا عن النص الفرنسي، على الأقل من جانب الاقتباسات، أي من جانب الأغاني المستعملة في النص الدارج، وفي النص الفرنسي. سيلاحظ المتلقي أنّ هناك مسافة بين العرض وبين النص المكتوب بالفرنسية. تشير المعاينة الأولية إلى أن أغلب نصوص كاتب ياسين غير قارة، كما يمكن أن نتصور عندما نتعامل معها كمتفرجين حياديين، وهي متفاوتة ما بين التدوين والعرض، إضافة إلى المسافة الفاصلة بينها وبين النصوص الواردة بالفرنسية. بعض المسرحيات المكتوبة بلغة أجنبية تحمل زادا لا يتوفر في النصوص العامية، كما أن بعض ما ورد بالعامية غير متوفر في النص الفرنسي. ما يعني أنه من المتعذر الحصول على مصدر ثابت يمكن الاحتكام إليه كسند ثابت، هناك قلق وتردد واضحان في مسرحيتي فلسطين المخدوعة ومحمد ارحل. أما قمنا به أثناء الترجمة، فيكمن في العودة إلى الأصول من أجل عدم ترجمة ما تمّت ترجمته إلى الفرنسية، أي تثبيت الاقتباسات كما وجدت في لغة الانطلاق. ذلك لأنّ الترجمة من الفرنسية إلى العربية لهذه الاقتباسات ليست سوى تجاوز للمرجعيات الفعلية. لذلك ثبتنا الأغاني بالعامية، كما وردت في الأصل، مع شرح الألفاظ الغريبة عن المتلقي، كما فعلنا مع الألفاظ الفرنسية، في مجموع الإحالات التي رأينا انها ضرورية من أجل تقريب الخطاب من القارئ الذي لا يعرف الدارجة الجزائرية، ولا يعرف الكلمات الفرنسية التي تخللتها. في حين تصرفنا في إحالات أخرى، في تناصات ذات علاقة بمسائل سردية وفنية يمكن التعامل معها بشكل مختلف. لقد أدرج كاتب ياسين في مسرحيتي محمد ارحل وفلسطين المخدوعة أناشيد فرنسية، أو مقاطع منها، إضافة إلى مقطوعات من دائرة الانتقام، دون الإشارة إليها. كما يمكننا العثور على تجليات نجمة والجثة المطوقة. ذلك أن الكاتب، كما أشار في أحد حواراته، يشتغل على ورشة مفتوحة، ومن ثمّ هذه التداخلات المربكة. إن ترجمة مقاطع روائية مضمنة في المسرحية، من الفرنسية إلى العربية، دون الرجوع إلى أية ترجمة سابقة، أمر ممكن في التعامل مع النصوص التي قد تشهد عدة ترجمات، بعكس التعامل مع الأغاني التي للآخرين، ومن ثمّ فكرة الحفاظ عليها في مصادرها. علينا التنبيه إلى أنّ المقاطع السردية ذات الصبغة الشاعرية لا يمكن التصرف فيها نثريا بتجاوز جانبها الشاعري لأنه كذلك، هدف من الأهداف القاعدية. لقد رأينا أنّ المساس بهذا الجانب المميز يجعل الترجمة غير أمينة للأصل، لهذا الجانب الراقي الذي أراده الكاتب، معجميا وتصويريا، مع ما يمكن أن يطرحه هذا المستوى من متاعب للمخرج، للممثلين، والمترجم.ّ هناك حالة من الإبهام في هذه المقطوعات، وهي شبيهة بكثير من المقاطع الواردة في نجمة.يمكننا، بالتأكيد، ترجمتها بشكل دقيق، لكننا لا يمكن أن نفهمها لأننا سنقوم بنوع من الرسم على الرسم، أو ما يشبه الأطراس الأدبية.تمثل هذه النصوص مقاطع تهويمية مفتوحة على كل القراءات،وليست ذات معنى محدد يمكننا ضبطه بأدواتنا المتاحة. ثمة سرد سديمي يمكن أن يدخل في باب الترف الذهني.