يواصل رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبون , تجسيد برنامجه السياسي الذي التزم به أمام الشعب الجزائري خلال رئاسيات 12/12/2019 , و في مقدمة هذا البرنامج, تجديد المؤسسات الدستورية برمتها , بدءا بتعديل الدستور و القانون العضوي لنظام الانتخابات , و انتهاء بالانتخابات المحلية, مرورا بالتشريعيات و الجهاز التنفيذي. و رغم أن هذه الالتزامات السياسية , القانونية و الانتخابية ,تندرج ضمن مطالب الشعب التي عبّر عنها خلال الحراك الأصيل , و تشكل فرصا غير مسبوقة للأحزاب كي تتموقع في الخريطة السياسية بما يناسب وزنها الانتخابي, غير أنه لا الشعب "كهيئة ناخبة" و لا الأحزاب "كمؤسسات سياسية" استغلت هذه الاستحقاقات السياسية المتاحة ,بما يعيد للسلطة الشعبية , أو الحزبية دورهما المحوري في الورشات التأسيسية للنظام السياسي الجديد. إذ أهم ما يلفت الانتباه في نتائج الاستحقاقات الانتخابية التي جرت إلى حد الآن هو استمرار عجز الأحزاب السياسية عن تجنيد و تعبئة الناخبين , و تجلى ذلك من خلال نسبة المشاركة التي تدنت إلى مستوى 23% خلال التشريعيات المسبقة التي جرت يوم 12 جوان الفارط , حتى و إن حاولت الأحزاب في كل مرة تحميل مسؤولية ظاهرة العزوف للسلطة ,و هو ما يرفضه المنطق السليم و التحليل الموضوعي , لأن من صالح السلطة ارتفاع عدد المصوتين لا تناقصهم , فضلا عن أن السلطة وفرت كل ما كان في استطاعتها ماليا, بشريا, ماديا , تشريعيا و تنظيميا , لتمكين كل ناخب مسجل على القوائم الانتخابية من أداء واجبه الانتخابي و في أحسن الظروف الممكنة و بالضمانات التي نص عليها القانون الانتخابات المعدل. و هذا القصور لا يحتاج إلى دليل , ما دامت الهيئات المشرفة على تنظيم الانتخابات , تسجل دائما ضمن تقاريرها النهائية حول سير العمليات الانتخابية نفس الملاحظات بخصوص العجز المزمن لمعظم الأحزاب في توفير العدد الكافي من المراقبين على مستوى مكاتب التصويت , و هو عجز مزمن تحاول الأحزاب في كل مرة إخفاءه برفع بطاقات الاتهام للغير . و لن يتم تجاوز هذا الوضع , إلا بأحزاب تملك من الشجاعة ما يدفعها إلى تقييم مشوارها السياسي سنويا, بالقياس إلى نتائجها في استمالة الناخبين , ببرامج قابلة للتجسيد , لا بالخطب الجوفاء و تحميل مسؤولية الفشل للغير, أي بترك الفاشلين مناصبهم لقياديين جدد, يقدمون حلولا مبتكرة, توسع الوعاء الانتخابي لحزبهم من "الأغلبية الصامتة" , لأن الرهان على الفيسبوك غير مضمون العواقب "الأقلية الناطقة المصوتة "المعتادة على أداء واجبها الانتخابي , أصبحت وفية لخياراتها في كل المواعيد الانتخابية تقريبا , إذ كرست الهيمنة لأحزاب الموالاة سواء على مستوى البلديات , أو المجالس الولائية رغم ما بين تشكيلاتها من تنافس شرس في مثل هذه الاستحقاقات المحلية , التي تمثل الأرضية التي تبنى عليها التحضيرات للرئاسيات المقبلة . أما أحزاب المعارضة فعليها مراجعة أوضاعها جذريا إن أرادت مواجهة هذه الهيمنة التي تفرضها الموالاة من خلال انتشارها في جميع بلديات الوطن بشريا و هيكليا . و لعل العامل الأبرز في اعتقادنا الذي يفسر هذا الأداء السلبي لأحزاب المعارضة في مختلف الاستحقاقات هو اعتمادها على مناضلين تقليديين و على متعاطفين أوفياء لها , دون الاستثمار في استقطاب أنصار جدد من ضمن الأغلبية الصامتة التي ألفت العزوف و هجر صناديق الاقتراع . و هو عامل ينسحب أيضا على بقية التيارات السياسية المعارضة أو الموالية , فضلا عن أن قرار المشاركة في أي استحقاق انتخابي غالبا ما يتأخر لدى معظم الأحزاب , و أحزاب المعارضة على وجه الخصوص , إلى حين استدعاء الهيئة الناخبة بالنسبة لاستحقاق يتطلب التحضير له باكرا. و في جميع الأحوال ,فإن للهيئة الناخبة كل المسؤولية في اختيار من يمثلها في المجالس المحلية و عدم إسناد هذه المهمة إلا لمن يتوسمون فيه المواصفات التي ترقى بأداء المجالس المنتخبة إلى المستوى الذي يحقق تطلعاتهم إلى حياة أفضل, و هو في متناولهم إن هم تخلوا عن سلبيتهم في اختيار منتخبيهم و عن عزوفهم عن أداء واجبهم وحقهم في الترشح و في التصويت لقطع الطريق أمام السياساويين و الحيلولة دون وصولهم إلى المجالس الشعبية الولائية و البلدية عبر انتخابات تم تحصينها قانونيا لتكون "خالية من المال الفاسد وغير الفاسد , وتفتح أبوابها للشباب" المدعو إلى اقتحام المؤسسات المنتخبة بدعم الدولة التي ستتكفل بتمويل جزء كبير من تكلفة حملتهم الانتخابية , و بذلك سيتم التغيير المنشود شعبيا "من خلال ضخ دم جديد في أجهزة الدولة عبر ما تفرزه صناديق الاقتراع . فهل ستكون الأحزاب في مستوى هذه المرحلة ؟ أم ستواصل انشغالها بوضع العقبات في طريق المسار الانتخابي , و اختلاق المبررات لاستمرار تواجدها عبر منتخبيها في المجالس المحلية التي أضحى حلها حتميا ,عقب استدعاء الهيئة الانتخابية لتجديدها قبل الأوان يوم 27 نوفمبر المقبل , و هو الموعد الحاسم بالنسبة للكثير من التشكيلات السياسية التي قاطعت الرئاسيات ثم التشريعيات , و التي إن هي قاطعت المحليات أيضا ستحكم على نفسها بالغياب المتعمد من خريطة الأحزاب الممثلة في المؤسسات الدستورية , وذلك هو الخسران السياسي المشين. و لمن يحاول الاعتماد على منصات التواصل الاجتماعي و خاصة "الفيسبوك" للترشح أو خلال الحملة الانتخابية عليه الاستفادة من دروس التشريعيات و خيباتها و التي كشفت أن جعجعة حزب الفيسبوك أكثر من طحينه , إذ يقتصر رواده على الفئات التي تقول ما لا تفعل , و يعِدون مرشحيهم بملايين التوقيعات و الأصوات و يعجزون عن منحهم العشرات , كونهم أصلا من الفئة التي لا عهد لها بالواجب الانتخابي ,بل يتهاون و يتعمد معظم أفرادها عدم سحب بطاقات الانتخاب , و منهم من يعتبر ذلك من خصائص و مميزات "الناشط السياسي", و هناك من يفتخر بهذا السلوك و يعتبره نضالا سياسيا ؟, و لذا من يتكل على هذه الفئة لا يحصد سوى الخيبة في سباق الترشح أو في أي سباق آخر.