عادت ظاهرة تنامي الهجرة السرية باتجاه أوروبا بقوة في الشهرين الأخيرين على مستوى بعض شواطئ ولاية مستغانم، لاسيما منها الشرقية لتصنع الحدث مجددا بهذه المنطقة، خاصة بعد سلسلة العمليات أحبطها قوات خفر السواحل، مؤخرا أين تم اعتراض عشرات القوارب في عرض البحر، على متنها مهاجرون بصدد بلوغ الضفة الجنوبية للقارة العجوز. وحسب المختصين فإن الهجرة السرية إلى إسبانيا وصلت ذروتها في شهر سبتمبر الماضي، و هو ما دفع السلطات الأمنية إلى تكثيف عملياتها على طول الشريط الساحلي للولاية، لإحباط "الحرقة" نحو الضفة الشمالية، منها إحباط مصالح الدرك ببلدية بن عبد المالك رمضان شرق مستغانم، محاولة بها 13 شخصا ينحدرون من ثلاث ولايات وهي الشلف، غليزان وعين الدفلى، كانوا بصدد تحين فرصة الإقلاع ليلا انطلاقا من شاطئ "ويليس" على متن قارب سريع قوته 215 حصانا، بعدما دفعوا 700 ألف دينار جزائري أي 70 مليون سنتيم في هذه الرحلة. والأمر المفاجئ هو أنه بعدما كانت ظاهرة الهجرة غير الشرعية حكرا على الشباب فقط، ها هي اليوم عائلات برمتها تركبة "قوارب الموت"، حيث أثار انتشار فيديوهات وصور على مواقع التواصل الاجتماعي لعائلات على متن "البوطي" منها صورة أم وابنتها الرضيعة جدلا واسعا في المنطقة، وتفاعل معه عامة السكان حيث ندد الجميع بتنامي هذه الظاهرة بشكل ملفت للإنتباه. وكثيرا ما تم تناقل أخبار عن إنقلاب قوارب في عرض البحر وهلاك كل من كان على متنها، بدليل وصول جثث الحراقة فرادى إلى الشواطئ، بعدما رمت بهم الأمواج، على غرار خبر انقلاب قارب في الأشهر الأخيرة كان يحمل 15 حراقا من بينهم عائلة متكونة من 5 أشخاص، تم العثور على جثث الأب و2 من أبنائه، بينما بقيت جثتا زوجته وابنته مفقودتان، وحسب الحيثيات المستقاة من مصالح الحماية المدنية قام أعوانها في تلك الفترة بانتشال جثث أربعة أطفال تتراوح أعمارهم ما بين 3 و7 سنوات بشاطئ مرسى الشيخ ببلدية أولاد بوغالم. هذه العينة المذكورة هي على سبيل المثال لا الحصر، مما يعكس أن ظاهرة الحرقة صارت متفشية بشكل ملفت للانتباه في المجتمع واقتحمت المغامرة مختلف الشرائح العمرية والفئات الاجتماعية، مما يوجب دق ناقوس الخطر لمعالجة الظاهرة والوقوف على مسبباتها قصد التخفيف من الإحصائيات الرهيبة وعدد "الحراقة" الهالكين في البحر. وكانت الأجهزة الأمنية الجزائرية في الأشهر الأخيرة قد فككت عدة شبكات تعمل على تنظيم رحلات الهجرة السرية البحرية باتجاه أوروبا، والتي تركز في نشاطها على مواقع التواصل الاجتماعي للترويج لتجارتها غير الشرعية و كانت آخر عملية، توقيفها لعناصر مدبرة للهجرة السرية خلال مطلع الشهر الجاري، أين تمكن عناصر الشرطة القضائية بأمن ولاية مستغانم، من الإطاحة بشبكة إجرامية مختصة في تنظيم عمليات الهجرة غير الشرعية عن طريق البحر، وهذا بعد عملية مراقبة وتفتيش نفذها عناصر فرع مكافحة تهريب المهاجرين على مستوى الواجهة البحرية "صلامندر"، أين تم العثور على سترة نجدة داخل سيارة كان على متنها خمسة أشخاص، وقام المشتبه فيهما بتأجير مسكن بأحد أحياء مدينة مستغانم لإيواء ستة مرشحين للهجرة غير الشرعية، ينحدرون من ولايات الجزائر وقسنطينة وتيبازة، في انتظار تحسن الأحوال الجوية ليتم نقلهم على متن قارب من أحد الشواطئ غير المحروسة، وبيّنت التحقيقات أن هذه المجموعة غادرت سواحل مستغانم بمسافة 50 كيلومترا في عرض البحر وعادت إلى اليابسة بسبب سوء الأحوال الجوية. وبتهمة تهريب المهاجرين في إطار جماعة إجرامية منظمة عابرة للحدود مع تعريض حياتهم وسلامتهم للخطر للحصول على منفعة مالية، والخروج من التراب الوطني بطريقة غير شرعية عبر منفذ غير حدودي، أنجز ملف إجراء قضائي ضد الموقوفين التسعة، قدموا بموجبه إلى وكيل الجمهورية لدى محكمة مستغانم، الذي أمر بإيداع أعضاء الشبكة الإجرامية الحبس المؤقت. ويرجع عدد من الأخصائيين في العلوم الاجتماعية أن المشاكل الاجتماعية على غرار تقلًّص فرص العمل وأزمة السّكن التي يتخبط فيها كثير من الشباب الجزائري، هي السبب وراء لجوء بعضهم إلى خوض مغامرة بحرية لبلوغ أوروبا، بينما أشار آخرون إلى نقطة التسهيلات التي وضعتها دول أوروبية عندما فتحت حدودها أمام اللاجئين كألمانيا، بتوفير مناصب عمل لهم، وهو ما "أغرى" الكثير من الشباب الجزائري، الذين أقلعوا عبر القوارب لتحقيق أحلامهم في الضفة الأخرى على حد قولهم، رغم سن عام 2009 قانونا يجرّم الهجرة بطريقة غير شرعية من البلاد نحو الخارج، وأقرّ عقوبة 6 أشهر حبساً، ضد كل من يغادر بهذه الطريقة. كما يرى هؤلاء أيضا أن حالة الطقس ساهمت أيضا في تحفيز المهاجرين على التنقل إلى أوروبا بطرق غير شرعية، كون أن المناخ العام في الضفتين الشمالية والجنوبية للمتوسط شبه ربيعي، وهو يساعد هؤلاء على الهجرة السرية بإمكانيات ضعيفة جدا بحثاً "عن الجنة الموعودة" على الرغم من الظروف الوبائية التي تمر بها أوروبا.