ظاهرة.. إلى وقت قريب كنّا نعتقد أنّها تَوهّم لا أساس له من الصحّة لواقع السياسة في الجزائر ، و مفاد شرح الظاهرة يتجلى من خلال الحملات الانتخابية التي كان كثير من الأحزاب يتمّها و يستكملها بشقّ الأنفس و يتنفّس الصعداء بدخول الصمت الانتخابي ، فالقاعات فارغة ، تُرى أين المناضلون أو المنتمون أو الأعضاء ؟ سمّهم كما تشاء - و لا نتحدّث عن القادمين إلى هذه الحملات من باب الغيرة و حب الاطلاع الذين كنّا في ما مضى نراهم قد عجّت بهم المهرجانات – إلّا أنّ الظاهرة ليست توهما فقد عرّت الاستحقاقات التي خاضتها الجزائر الجديدة الممارسة السياسية داخل الأحزاب و كشفت عن كنه النضال و العضوية و الانتماء في أحزاب الجزائر .. و أكّد واقع الحال أنّ علاقة الحزب بأعضائه و العكس هي علاقة تلازمية و كلّ منهما يجد مآربه في الآخر ، بمعنى أنّ الهدف الأسمى في تحقيق مصالح الشعب مجرّد إيقاع على طبل .. و هذا أكثر ما ميّع المشهد السياسي ، فإن كان القانون العضوي للانتخابات الذي اجتهدت الدولة في صنعه من خلال الاستعانة بخيرة القانونيين و المتخصصين و تقديمه غداة الانتخابات التشريعية وجد له المتمردون على أحزابهم الحلّ ، فبدل أنّ يطلقوا أحزابهم بعد انتخابهم في أيّ مجلس من المجالس الشعبية و درءا للتجوال السياسي الذي يعاقب عليه ذات القانون ، صار المتمردون يستقيلون قبيل الوصول ، أي عند تعرفهم على القوائم التي سمحت قيادة أحزابهم لأصحابها بولوج عالم الصندوق دون آخرين ، حيث هنا تبدأ معركة « إثبات النفس « و إشباع الأنا من خلال التخلّص من عديد سنوات العضوية و ليس الانتماء لأنّ الانتماء الراسخ لا يغيّر صاحبه الذي اختار النضال و ليس المناصب و المصالح الآنية . الولاء قبل الكفاءة كما أنّ النضال هو نشاط خلفي يدفع الحزب إلى مبتغاه ، رغم أنّ بعض المتمردين يوجد لهم أعذار في الانفصال عن أحزابهم ، لأنّ ثمّة قيادات لا تؤمن بالكفاءات بل بالولاءات و تصنّف الجديرين بالترشح على أسس تعلمها هي وحدها و تصل في أحيان كثيرة إلى « البَزرة « و إغداق العطايا ، و الأمثلة موجودة و تحاربها الدولة من خلال استئصال المال الفاسد من السياسة ، و كل يعلم ما الذي كان يحدث في الأحزاب التي كانت قياداتها و مناضلوها يتصارعون من أجل من يتصدّر القوائم الانتخابية عندما كانت الاستحقاقات تتمّ بالقوائم المغلقة . و إن تعدّدت أوجه النضال حسب متطلبات القطاعات من اقتصاد و مجتمع و بيئة و صحّة و تعليم فإنّ خصوصية النضال الحزبي تكمن في إحاطة المشهد السياسي بالخبرة و الكفاءة و النضال لبلوغ أهداف الأمّة ، و إلّا ما فائدة التعددية ؟ و أمام معضلة « تصحير « النضال و « تبحير « الانتماء ليقتصر على مجرد عضوية هشّة داخل الأحزاب تنتهي بانتهاء المصالح أو بدايتها في تشكيلات حزبية أخرى فهل النضال يصبو إلى مناضل أم المناضل من يصنعه بذكائه و إصراره على التغيّر داخل الحزب ، الذي وجب عليه أن يصول و يجول في أروقة السياسة و يخرج المشهد من الرتابة ؟ بدل مجالس التأديب و ملاحقة هذا و ذاك لأنّهم كانوا مخادعين .