يتواجد ببلادنا عدد كبير من الأفارقة من مختلف البلدان المجاورة لنا وحتى البعيدة أغلبهم من طلبة الجامعات القادمين عبر بوابة رسمية ومن خلال البعثات التعليمية والتكوينية الرسمية وفئة أخرى فرت من الأوضاع الإجتماعية وجعلت من الجزائر معبرا لتحقيق أحلامهم في التنقل الى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط والوصول الى أوروبا الأمل والعمل حسبهم لكن واقع الحال يؤكد بقائهم بيننا لأشهر وحتى لسنوات ونكاد نراهم في كل مكان يتسولون ويمتهنون بعض الأعمال البسيطة كتصليح الأحذية وأشغال البناء وهؤلاء دخلوا بلادنا عبر بوابة الحدود البرية وجهتهم مدينة مغنية ومنها الى المملكة المغربية وصولا الى طنجة وجبل طارق، هؤلاء يشكلون قوافل الهجرة السرية المعضلة الحقيقية التي تعيشها حكومات الدول الإفريقية وحتى الأوروبية في غياب إستراتيجية مبنية على تعامل صادق وقرارات تراعي حقوق جميع الأطراف. * الطلبة بين الدراسة والمونديال تعيش الجالية الإفريقية المقيمة بوهران والمتمثلة أساسا في عدد من الطلبة الجامعيين المتواجدين بكثرة في معهد الإتصالات السلكية واللاسلكية الايتو سابقا، هم ينتمون الى جنسيات مختلفة لكن الإنتماء الى قارة إفريقيا التي تحتضن الحدث العالمي لأول مرة في تاريخها وإدراكهم بأن تشجيع المنتخبات الإفريقية المشاركة يعد ضرورة حتمية أملتها صلة التقارب والدم وحتى العرق وأن مناصرتهم للجزائر لم تكن وليدة الصدفة أو صدقة مقابل دراستهم بها ولكن لأنهم يشعرون بالفخر والاعتزاز لما يقدمه محاربو الصحراء في كل مبارياتهم رغم تعثرهم المفاجىء الأخير ضد سلوفينيا الجمهورية تنقلت الى الأحياء الجامعية وبحثت عن شبان أفارقة لمحاورتهم ونقل مشاعرهم وأحاسيسهم عن المونديال وعن يومياتهم كطلبة يعيشون الأمرّين بين الدراسة المكثفة وإمتحانات نهاية السنة وبين مونديال لا يقبل التأخر ولا تنتظر مقابلاته أحد، خاصة وأن مقابلتين على الأقل تلعبان في الفترة العملية أي بعد الظهيرة مما يصعب المأمورية للعديد منهم. في غرفة بالطابق الثالث للجناح يلتقي أكثر من عشرين طالبا إفريقيا رغم إختلاف عاداتهم وتقاليدهم ورغم تعدد جنسياتهم وبلدانهم وحتى ثقافاتهم ولغاتهم ولهجاتهم أحيانا إلا أن المونديال وحّد بين الجميع وحولت مبارياته هدوء المكان الى ضوضاء وأهازيج تلفت إنتباه الجيران والمارة، الشاب يوسوفو من البنين أكد لنا بأن المونديال نعمة ونقمة، أخرجه من الروتين اليومي الممل وخلق ولزملائه متعة خاصة لكنه بالمقابل يؤثر سلبيا على تحضيراته لإمتحانات نهاية السنة ولا يجد التوقيت المناسب للمراجعة وأنه يضطر الى التغيب عن بعض الدروس لكني يتمكن من متابعة المقابلات المقترحة ولكنه لا يغامر بمستقبلة حينما يتزامن ذلك مع إمتحان معين ولكن قلبه يبقى معلقا مع المونديال. أما الشاب ممادو من الكامرون فإنه وبكل برودة أعصاب أخبرنا بأنه غير مضطر للتفرج على المونديال وغير مهتم بالفرق الإفريقية وحتى الكامرون لا يجد نفسه مجبرا على ترك دراسته والتفرج على منتخبها وأن إهتماماته أكبر من كرة القدم وأن المونديال لا يعني له الشيء الكثير فهو حسبه جاء للجزائر في مهمة خاصة ومحددة وهي مواصلة تعليمه وحصوله على شهادة مهندس دولة في تقنيات الإتصال والعودة الى عائلته للعمل هناك وأنه واع بثقل المسؤولية وما يقدمه له أهله من مساعدات مادية إنهم يجوعون من أجل توفير بعض الأموال وإرسالها لي وعليّ كما قال أن أكون عند حسن ظنهم وقبل مغادرته سألناه إن كان سيتفرج على المقابلة الأولى لفريقه فأكد لنا بأنه قد يكتفي بمشاهدة ملخص لها في إحدى الفضائيات ليلا. * المهاجرون السريون... حرڤة وإنتماء رغم ظروفهم الصعبة وحالتهم المادية المزرية إلا أن قلوبهم تخفق على وقع المونديال في البداية رفض العديد منهم التحدث إلينا ظنا منهم بأننا من عناصر الأمن أو أننا سنقوم بالإخبار عن أماكن تواجدهم لكن وبعد حديث مطول وإقناعهم بأننا نبحث عن علاقتهم بالمونديال وبمناصرة فرقهم الوطنية حتى في مثل هذه الظروف وبالطحطاحة إلتف حولنا أكثر من عشرة شبان أفارقة بعدما أعطاهم كبيرهم ريني بازيل من الكونغو الديمقراطية إشارة التجمع وكانت تدخلاتهم تجمع على أن رغبتهم كبيرة في رؤية فريق إفريقي يتوج بالكأس العالمية وأن المونديال جاء في وقته لأنهم سئموا حياة التشرد وأن يومياته قد تغير أمور كثيرة منها مثلا تعاطف الجزائريين معهم حتى أن البشير من السنيغال البالغ من العمر 25 سنة والقاطن بإحدى مزارع حاسي بونيف حيث يعمل هناك عند أحد الخواص وجد كل الترحيب لدى صديقه على المزارع والذي أشفق عليه وأدخله بيته من أجل التفرج معا على بعض المقابلات وأن كل ما يراه في الشارع يظنه إيفواري ويقول له نحن مع دروڤبا أو يعتبره من الكامرون ويسأله عن إيطو والجزائريين حسبه لا يهمهم الإنتماء الى بلد ولا يبحثون عن جنسية كل واحد منا والمهم بالنسبة إليهم بأن بشرتنا السمراء دليل على إفريقيتنا وهذه ليست عنصرية منهم بقدر ماهو دليل على التعاطف والشعور بالتقارب، أما باتريك من أنغولا فإنه أبهرنا بمعرفته بكل التفاصيل عن الخضر وعن آخر أخبارهم وحدثنا مطولا عن مقابلة الخضر ضد سلوفينيا وأبدى غضبه من عدم إدخال بودبوز وكأنه مناصر جزائري بأتم معنى الكلمة وهذا ليس بغريب، كما أكد لنا ذلك والسر يكمن في تواجده منذ عشر سنوات قضاها بين مختلف مدن الوطن وفي وضعية غير قانونية وأعجب ببلادنا وخاصة بطيبة أهلها. * الفتاة الإفريقية... مناصرة ورقصات خلال تواجدنا بمدينة بشار لإجراء تحقيقات ميدانية عن المنطقة تواصلنا مع العديد من الطالبات الإفريقيات المقيمات بالحي الجامعي للبنات وتحدثنا معهن عن المونديال وعن مناصرتهن للفرق الإفريقية وأخبرتنا رحيماتو طالبة من بوركينا فاسو بأنها تحفظ الأغاني الرياضية الجزائرية وأنها قامت مع زميلاتها الجزائريات بالرقص والغناء ليلة التأهل في أم درمان وأن كرة القدم جمعت الطالبات بالحي وأن المونديال فرصة للتعارف والمناصرة والكرة جعلت لتوحد الشعوب لا أن تكون عنصر للتفرقة والعنف مثلما حصل للجزائريين بأم الدنيا، أما شامي نورا من المالي فهي معجبة بالمناصرين الجزائريين وبطريقة إحتفالهم ورغم كونها لا تمارس الرياضة إلا أنها تحب مشاهدة المباريات وهي مناصرة وفية للخضر ومن المعجبات بالمدافع بوڤرة ماجيك، ثم إنتقلنا ومبرافقة أحد مسؤولي الحي الى أحد غرف الطالبات الإفريقيات هناك لاحظنا تواجد أعلام عدد من الدول الإفريقية وصور كبيرة للاعبين دروڤبا، إيطو، زياني وإسيان وأخبرتنا صاحبة الغرفة الطالبة مانويلا من الطوغو بأنها تتمنى التألق لكل المنتخبات الإفريقية وأنها تشعر بإحساس غريب وجميل والمتعلق بصعود فريق إفريقي الى المربع الذهبي.