سيظل التاريخ يتذكر، أمرا واحدا من كأس العالم بافريقيا الجنوبية يطغى بدون شك عن الفائز باللقب وهو ماحدث للمنتخب الفرنسي، والفضائح التي لاحقته في سابقة خطيرة من نوعها، وهذا ابتداء من مباريات التصفيات الى غاية منافسات المونديال. فالفريق الفرنسي الذي نال شرف لقب المونديال عام 1998 تحت إشراف الأنيق واللاعب الجزائري الأصل المتميز زين الدين زيدان، ونال لقب الوصيف في الدورة السابقة للمونديال، لم يكن تأهله لهذا المونديال بمستوى سمعة البلد، بل كان فضيحة مابعدها فضيحة، شاهدها كل العالم وتأسف لها. إن التأهل الفرنسي انتزع عن طريق الغش، بواسطة لقطة اللاعب تييري هنري، حين مرر الكرة بيده وليس بقدمه، أمام الإيرلنديين الذين كانوا متقدمين بهدف وهو مايعني وقتا اضافيا وركلات ترجيح للتأهل لنهائيات كأس العالم، إلا أن استخدام تيري يده في تهدئة الكرة قبل أن يمررها لزميله ويليام غالاس، الذي سجل هدف التعادل وأهل فرنسا وأخرج إيرلندا من التصفيات. اللاعب الفرنسي اعترف بالغش الذي عمد إليه لاحقا، ولم تستطع الفيفا تغيير النتيجة، رغم الإلتماس الذي تقدمت به إيرلندا لإعادة مباراة منتخبها مع فرنسا. هكذا إذن تأهل المنتخب الفرنسي وانتزع حقا ليس ملكا له، مما جعل الايرلنديين يحسون بمرارة كبرى، ويبدو أن لعنتهم ظلت تطارد الفرنسيين، وأطاحت بهم خلال الدور الأول بجنوب افريقيا، فخرجوا مطأطئي الرأس، خائبين، ليس بسبب الهزائم المتوالية، إنما نتيجة الفضائح التي قوضت أركان الفريق وجعلت منه مهزلة هذا المونديال. أول بوادر هذه الفضيحة، لاحت بتمرد لاعبي المنتخب ورفضهم التدريب احتجاجا على قرار طرد زميلهم المهاجم نيكولا أنيلكا الذي استبعده الاتحاد الفرنسي لكرة القدم وأعاده على متن طائرة إلى انجلترا وهذا بعد سب وشتم المدرب ريمون دومينيك، بين شوطي مباراة المكسيك التي خسرها الفريق بهدفين لصفر. هذا الطرد أعقبته تطورات أخرى غريبة، بدأت ببيان أصدره الفريق وقرأه دومينيك، يشرح فيه أسباب قراره بالاحجام عن التدريب، جاء فيه أن كل اللاعبين يعارضون قرار الاتحاد الفرنسي باستبعاد نيكولا أنيلكا، وهكذا أحجموا عن التدريب وأضربوا عنه، ومع ذلك عزموا على بذل قصارى جهدهم بشكل فردي وبروح الجماعة لتستعيد فرنسا شرفها ضد جنوب افريقيا. لكن هيهات أن يأتي هذا العزم بشيء، وتأتي الهزيمة الثانية على يد فريق جنوب افريقيا بعد الهزيمة الأولى في المباراة الثانية أمام المكسيك، وتعادل سلبي أمام الأورغواي لا يغني ولا يسمن من جوع. وبالاضافة الى فضيحة إحجام اللاعبين عن التدريب استقال المدير الفني، واشتبك إيفرا في نقاش حاد مع مدرب اللياقة البدنية للفريق روبير دوفيرن الذي رد غاضبا بإلقاء شارة الاعتماد الرسمي في الأرض، مما اضطر المدرب دومنيك للتدخل والفصل بينهما. وإلى جانب هذه الفضائح، اضاف دومينيك فضيحة أكبر حين رفض مصافحة مدرب فريق جنوب افريقيا البرازيلي كارلوس أليبرتو بعد نهاية المباراة، ما أثار غضبه وبالتالي رد الأخير بأن المدرب الفرنسي قليل الأدب، وعندما سئل بيريرا عن عدم مصافحة دومنيك له، أجاب بقهقهة حقيقة لا أعرف لماذا؟، لكن مهما كان السبب فذلك لا يبرر تصرفه الذي ينقصه الأدب. وأضاف بيريرا »اتجهت الى مساعد المدرب،وسألته عن السبب فأجابني لأنه أكثر أدبا وقال: أعتقد أنه كان يحاول أن يقول لك كيف لك أن تصافحني بعد التصريحات التي قلتها بعد مباراتنا أمام ايرلندا وأننا لم نستحق التأهل وأن تأهلنا كان لحظة عار على كرة القدم. هذه الاحداث كلها والفضائح أثلجت صدور الايرلنديين لاسيما لحظات إقصاء فرنسا من الدور الأول فجعلتهم يقيمون الاحتفالات حتى الصباح ويرتدون قبعات »السومبريرو« المكسيكية ويشربون حتى الثمالة، لاسيما وأن المكسيك انتقمت لهم أولا من هزيمتهم غير المستحقة في التصفيات الاوربية. وزادهم الفوز الثاني والاقصاء فرحا على فرح، فأقاموا الافراح والاعياد، شماتة في هذا المنافس الذي حرمهم من حقهم في التأهل الى هذا العرس الكروي العالمي الكبير. وبعيدا عن اجواء المونديال فإن ما حدث للفريق الفرنسي، من »ثورة« وتمرد واهتزارات، ماهو إلا انعكاس صارخ لما يعيشه المجتمع الفرنسي ككل من أزمات على جميع الاصعدة لاسيما الاجتماعية وكذا السياسية، والاستخفاف بمكونات هذا المجتمع الذي بات خليطا واختلطت عليه المصطلحات والمفاهيم لدرجة أنه أضحى يعيش أزمة هوية، بعد فتح باب النقاش من طرف الرئيس الفرنسي حول الهوية الوطنية. فهذه النقاشات العقيمة زادت من تعميق الهوة بين مختلف فئات المجتمع، وجعلته يدخل في متاهات لا يدري نهايتها مثلها مثل قضية الاسلام والبرقع فكلها قضايا ثانوية لا تؤثر في المجتمع، ومع ذلك جعلت منها السياسة الفرنسية الحالية قضايا الساعة، بدلا من الالتفات الى أمهات المشاكل، والشروخ التي أحدثتها في مختلف الطبقات والنتيجة أن فرنسا تعيش اسوأ أيامها على مختلف الاصعدة، لأنها غرقت وأغرقت نفسها في تفاهات ومتاهات لا فائدة منها.