ليس من قبيل الصدفة أن يتزامن إحتفال الجزائر بالذكرى الخمسين لإستقلالها مع إحياء جريدة الجمهورية ذكرى ميلادها في 28 مارس 1963 لأنه ببساطة كان صدور جريدة الجمهورية الناطقة بإسم حزب جبهة التحرير آنذاك، يعد بلا أدنى شك من ثمار إستقلال الجزائر، وإستعادتها لسيادتها ...وإن كان لنا أن نقف في الذكريين، نستنطق التاريخ ونستقرىء تلك الأحداث، فإننا ندرك فإن صدور الجمهورية كان تحديا كبيرا، وجاء ليملأ فراغا إعلاميا حيث أنه في تلك الفترة لم تكن هناك سوى جريدتي المجاهد والشعب للتعبير عن الجزائرالجديدة، وعن طموحات وتطلعات شعبها، والحديث عن الجمهورية كتجربة إعلامية رائدة، وكمدرسة خرجت رجالا ونساء هم أعمدة في صرح الإعلام، وهي المدرسة الإعلامية التي إكتملت لها كل ظروف وشروط النجاح والتألق في سنواتها الذهبية حيث كانت تواكب مسار التنمية وجهود التطور في الجزائر الحديثة الإستقلال... ويرجع الفضل دون أدنى شك الى تفاني من وهبوا حياتهم لمهنة المتاعب وحولوها بحبهم للصحافة الى أروع مجال للإبداع والعطاء دون إنتظار المقابل. والصحافة من خلال جريدة الجمهورية قد تعاقب على ممارستها أجيال من الصحفيين أصحاب الأقلام الجريئة والشجاعة وإن كانوا يكتبون بلغة فرنساالمحتلة فإنهم قد عبروا عن تطلعات الجزائريين وتجاوبهم مع متطلباتهم، وجاء التعريب ليفتح آفاقا أوسع وليوصل تجربة الجمهورية الى قراء اللغة العربية، وفي تلك الرحلة بين التأسيس وسنوات التألق وبين لغة فولتير ولغة الضاد، ظلت الجمهورية محطة نهائية لكل إنطلاقة إعلامية صحيحة ذات أسس صلبة، من خلال عطاء كل من عملوا فيها بما في ذلك الصحفيين الذين برعوا في آدائهم، وطرقوا مواضيع كثيرة بكل جرأة وشجاعة ضمن هامش حرية تعبير فتق فيهم مواهب الإبداع جميعها. وإن كان لنا أن نقف اليوم لنشعل خمسين شمعة في ذكرى الجمهورية، فإننا نشيد بجهود من سبقونا الى حرم صاحبة الجلالة المبجل وفضاء جريدة أراد لها من عملوا فيها أن تظل مشعلا يضيء بقوة مسار الإعلام ويؤسس ركائز حرية التعبير والخدمة الإعلامية، ولن نقول هذا من باب الترويج للغة الخشب، والمبالغة في المدح والثناء على الجمهورية. وتبقى هذه الذكرى مناسبة لكل منا نحن الذين تشرفنا كثيرا بالعمل في الجريدة، والنهل من تجربة من سبقونا الى ساحة الكتابة الصحفية، من أجل أن نؤكد على الملأ بأن الجمهورية هي إحدى ثمار الإستقلال اليانعة، ولها إسهامات وبصمة خاصة مميزة في خارطة الإعلام والصحافة المكتوبة بالجزائر، وتبقى مدرسة لمن عملوا فيها، ولمن يعملون ولأجيال قادمة. ولعل ما يجهله كثير من الناس هو أن الصحافة قبل أن تكون مهنة نكتسب منها لقمة العيش ونسترزق بها تظل مجالا للإبداع والعطاء وقبل هذا فرصة ذهبية للتعلم من الذين سبقونا الى هذه المهنة، ولا يمكننا والحال هذه سوى أن نتذكر صحفيين وتقنيين وإداريين قد جادوا بوقتهم وجهدهم لجريدتنا الجمهورية، واعطوها بكل حب وتفان كل ما يملكون من جهد، وظلوا يفتخرون كل الفخر بإنتمائهم لهذه الجريدة، ويعتزون كل الاعتزاز بكل ما قدموه لها بكل محبة وإخلاص، هي أسماء كثيرة لا يتسع المقام لذكرها جميعا، لكن نكتفي بأن نتذكر الأحياء منهم، ونترحم على من ماتوا، ونتحدث عن الذين سمعنا عنهم ولم نرهم لأنهم سبقونا الى محراب هذه الجريدة وأحبوها ومنحوها سنوات بل عقود من أعمارهم لأجل أن يتواصل إشعاع الجمهورية المتألق دائما.