رغم أن الدراما الجزائرية لازالت في مؤخرة السباق الرمضاني العربي ، إلا أن هناك بعض الأعمال التي استطاعت فرض نفسها وحفظ ماء وجه الانتاج الدرامي الجزائري خلال هذا الشهر الكريم ، على غرار مسلسل " أسرار الماضي " الذي حقق شعبية واسعة ونسبة مشاهدة عالية لا يستهان بها ، حيث أن المخرج بشير سلامي اختار شخوص عمله بعناية ، و أتقن لعبة التنسيق بين الأدوار التي ترجمت بجلاء المشاكل الاجتماعية المتفشية في مجتمعنا ، والعلاقات الانسانية المختلفة بين العائلات الجزائرية ، حيث أعطى هذا الأخير دور البطولة للنجمة " رانيا سيروتي " ، التي تعامل معها للمرة الثانية بعد مسلسل "دموع القلب "، واختار أن تكون إلى جانبها كوكبة من نجوم الدراما الجزائرية مثل الفنانة القديرة آمال حيمر ، و الممثلة ريم تاكوشت ، وطبعا سيدة الشاشة الجزائرية " بهية راشدي " ، إضافة إلى رضا لغواطي ، عماد بن شني ، والوجه الجديد سارة لعلامة ، وغيرهم من المواهب الفنية الشابة التي قدمها المخرج لأول مرة على الشاشة .. المخرج بشير سلامي الذي غالبا ما يترك بصمة مميزة على خارطة مسلسلات شهر رمضان بقناة " اليتيمة " ، اختزل هذه المرة عدد ا من المشاكل التي يعيشها المجتمع الجزائري وبلورها في عدد من الشخصيات والأحداث التي تتناول في 30 حلقة ، قصصا اجتماعية مختلفة لها الكثير من الأبعاد الانسانية الهامة ،ومعظمها قصصا تتحدث عن "الأمهات " ، مثل قصة الأم التي تعيش الأمرين مع أبنائها ، لاسيما ولدها الكسول الذي يرفض العمل في أرض والده مستغلا شقيقه الذي يتعب ويشقى لأجل كسب لقمة العيش ، وقصة الأم التي تعاني من معاملة زوجة ابنها السيئة ، وتتحمل يوميا اهاناتها وشتائمها لها ولابنتها المقعدة ...الخ . سيناريو الفيلم الذي كتبته " زهرة لعجايمي " بدا متناسقا ومقنعا كونه يحاكي الحياة العادية للمواطن الجزائري ويرصد جانبا اجتماعيا كبيرا ، غير أن غياب همزة الوصل بين بعض اللقطات شتت انتباه المشاهد الجزائري و جعله يتوه بين القصص الدرامية المعروضة والتي بدت متشابهة من حيث المعنى إلى أبعد الحدود ، لكن ما نمق أكثر في جمالية المسلسل وجعله أكثر تأثيرا ، مشاهد الحزن التي تعكس معاناة كل أم ، فمنهن من فقدت ابنتها ، ومنهن من تعاني الحرمان من لدن أبنائها ، ومنهن من تعاني مع زوجة ابنها ... وغيرها من القصص المؤلمة المثيرة للشفقة ، التي لعبت دورا كبيرا في البناء الدرامي للمسلسل ، مما جعل المتلقي يتعاطف معها بشكل كبير ، كونها مستوحاة من واقعه وبيئته الحقيقية ، فالمخرج نجح في إقناع المشاهد بأن الحياة مدرسة تحمل في لبها الكثير من التجارب المؤلمة ، و النتائج الوخيمة التي ربما يغفل عنها الانسان ، واستطاع بعدسات كاميراته أن يلمس أوتار العائلات البسيطة من خلال تصويره مظاهر الفقر والاضطهاد الانساني الذي تتعرض له هذه الأخيرة من لدن الطبقات الثرية ، كما رصد في هذه الدراما الاجتماعية حالات كثيرة من الحرمان العاطفي التي كان لها وقع كبير على نفسية المشاهد .. وتجدر الإشارة إلى أن هناك مسلسلات جزائرية أخرى حجزت أماكن لها في هذا الماراتون الرمضاني ، من خلال المواضيع الدرامية والاجتماعية المتعددة التي تناولتها ، على غرار مسلسل "غدا تشرق الشمس " ، " يا الماشي في الليل " ، " أسرار الماضي " ، " نور الفجر" ، " مواقف القضاة " ، ومسلسل " أسرار الليل " ...الخ