يعرف عن ولاية البيض اشتهارها بأنواع شتى من الصناعات التقليدية التي أبانت عن عراقة ضاربة في التاريخ لم ينل منها الزمن هو إبداع يعتمد فيه على ما توفره طبيعتها من مواد متعددة شجعت إنسانها على استخدام ما جادت به من موارد أولية لتلبية حاجاته الحياتية و اليومية فسارع إلى الاستثمار فيه مبرزا قدراته على التفنن و الإبداع تشهد على ذلك الآثار والمخلفات في مختلف مناحي الحياة فصنع من الطين آنية ومن الحلفاء أواني ومن الجلد قربة ومن الشعر والصوف والوبر وان ندر لباسا وأثاثا وفراشا وغطاء وحتى مسكنا الخيمة يقيه قر الشتاء و حر الصيف أنها العصامية بعينها أدرك ساكنها منذ القدم متعة التعامل مع هذا المحيط واستأنس بطبيعتها الغنية و سخرها لصالحه فظلت جزءا لا يتجزأ من شخصيته و موروثه لتحقيق الأفضل وتحسين ظروف عيشه رغم التطور التكنولوجي الذي يزحف بسرعة خارقة و الذي لم يعد يقيم للموروث المحلي وزنا فغير أحيانا وأزال طورا. ولعل من بين الحرف التي مازا لت تقاوم هذا الاجتياح وان باحتشام النسيج التقليدي الذي يعد نشاطا مهما في حياة المرآة الصحراوية فإذا كان الرجل يتجه خارجا الى مكان عمله فربة البيت لها ورشتها الصغيرة التي تتصدر اهتمامها في أجندتها ا ليومية و التي لن تكون إلا المنول والذي يعرف لغة على انه خشبة الحائك أو آلته ويعرف بالعامية بالمنسج و طبعا تحرص هذه الأخيرة على تخصيص مكان له في البيت فلا يحلو المقام الا اذا كان موجودا لاستعماله وقت الحاجة في إبراز مختلف مطبوع اللباس والغطاء والفراش وما إلى ذلك من الحاجيات الضرورية لبيتها وأسرتها وطبعا يتم ذلك من طرف صاحبات البيت و المتطوعات بعد تهيئة جميع المستلزمات التي يحضر لها سابقا بعدة مراحل تبدأ بغسل الصوف وبشمه و تنقيته من الشوائب و تحويله الى ليقة ثم الغزل ليصير خيوطا صوفية ليدك باستعمال الة الخلالة وكل هذا يتم بإشراف صاحبة المشروع ربة البيت التي تكون لها اليد الطولي في العملية بدءا بالتفكير في الحاجيات والمستلزمات لتخرج وتجسد المشروع منذ ان يكون صوفا وانتهاء باستعماله ذلك ان المنسوجات التقليدية وطرق نسجها يتطلب وقتا طويلا تبدع فيه المراة بهذه المنطقة و كنموذج يشتهر نسج مايسمى الفراش الذي كان مدعاة للتباهي والافتخار بين العائلات الغنية اذيتراوح طوله 10 م وعرضه 5 م وهو مكلف جدا وليس في متناول جميع الناس اذ يصل ثمنه الى 7ملاين سنتيم كما يتطلب إعداده مختصة فنانة في الطرز والحساب والدقة تشرف على العملية وتتابعها وفي هذا العصر صار من النادر ان تجد هذا النوع من المشرفات بسهولة اما الأم فعليها فقط توفير المتطلبات و توجيه طلب بذلك وانتظار الموعد كما ان نسجه يكلف كثيرا من الصوف الذي يصل الى أكثر من 2ق النموذج الثاني هو الفراشة عكس الأولي يمكن للمرأة في بيتها تجنيد من يقمن بذلك مع اختلاف بسيط هو كثرة ألوانها وتختلف من حيث الحجم نفس الخطوات تقال عن الجلابة والبرنوس والوسادة وغيرها. إنكسار في المسار غير ان أهم ما يلاحظ في السنوات الأخيرة ان ممارسة النسيج التقليدي في تراجع مستمر عند العنصر النسوي وقد كان وسيلة للكسب وسد حاجة البيت لعدة عوامل منها أن الأم التي كانت تحرص على تعليم ابنتها هذه الحرفة منذ الصغر لم تعد متحمسة لذلك بسبب عدم حماسة الأخيرة و استعدادها للقبول بهذه الحرفة بل وإصرارهاعلي التكيف مع مستجدات الحياة من طلب للعمل والتعلم وهذا حسب إفادة بعض النساء اللائي عبرن عن استياء من الوضعية التي ألت إليها هذه الصناعة لقد صار تعلمها مدعاة للتخلف وهن يخجلن من دخول المنسج فقد انصرفن الى أعمال أخرى حسب ذات المتحدثات وإذا اعتبرن هذا المبرر مقبولا لفئة المتعلمات فماذا نقول عن محدودات المستوى التعليمي اللائي يعزفن عنه و يجدن في خدمة الصوف تعبا لا طائل منه فكثيرات يفضلن طلب العمل لدى الإدارات والمؤسسات على ان يبقين في البيت للنسج مع ما يدره عليهن من عوائد مادية معتبرة بررت هذا الإحجام والتردد بغلاء المواد الأولية وبالأخص الصوف والوبر ثمنه لا يقل عن 3000 دج للكغ بالإضافة الي الصبغ والمواد الكثيرة التي تدخل في صناعته والذي يتطلب جهدا بدنيا وتعبا فلا تتقبل الفتيات ويتوجهن الي السوق لتوفير متطلباتهن '' الطابية'' والجلابة كما استفسرنا الكثير ممن لهم علاقة بهذا النوع من الحرف مثل الخياطين التقليديين الذين امتهنوا خياطة البرانيس والجلابيب لأكثر من 25 سنة وقد دقوا ناقوس الخطر خوفا علي هذه الحرف و المقياس هو تراجع من يطلب خدماتهم قياسا بالسنوات الماضية بعد ان كان لا يجدون متسعا من الوقت لاستقبال الزبائن و هو مؤشر على خطورة المآل الذي وصل إليه النسيج التقليدي الذي يتطلب إنعاشه جملة من التدابير حسب العديد من الأطراف التي هي على علاقة بهذا القطاع من أهمها تدعيم الجمعيات المتخصصة و تشجيع المتمهنين و توفير المادة الأولية بأسعار مناسبة وتسهيل تسويقه ودعمه واستحداث جوائز سنوية من اجل تحفيز الإقبال عليه ومهما يكن فان هذا النشاط المهم الذي يعد واحدا من التراث المحلي يجب صيانته والحفاظ عليه وتشجيع المقبلين عليه لان الأمر يتعلق بحفظ التراث في جانبه المادي والذي لن يعوضه المستورد مهما كان لمعانه والدليل على ذلك إقبال السواح الأجانب عليه نظرا لقيمته الفنية وإزالته من الذاكرة أمر صعب على اعتبار انه امتداد للثقافة الوطنية التي تأبى النسيان.