''في سبيل الله، صدقة في سبيل الله'' بهذه العبارات قابلنا العشرات من الأفارقة الذين معظمهم شباب لايتجاوز سنهم الثلاثين سنة استوطنوا مدينة مغنية بنواحيها الأربعة، "الجمهورية" وخلال استطلاعها هذا الذي بدأته في حدود الساعة السادسة مساء، كانت أول وجهة لنا المساجد وهي الأماكن الأكثر إقبالا وارتدادا عليها من طرف هؤلاء الأفارقة القادمين من بلدان افريقية مختلفة سيراليون، نيجيريا، سينيغال، مالي...رفقة عائلاتهم المتكونة من نساء وأطفال، فأول ما ينتابك وأنت تهم بالدخول إلى أي مسجد بمدينة مغنية شباب وأطفال من هؤلاء الأفارقة المتسولين الذين يفترشون الأرض ب "الكارطون"، حيث أحصينا ما يفوق العشرين إفريقيا من مختلف الجنسيات في ثمانية مساجد فقط زارتها "الجمهورية" في ظرف ساعتين من بدء التحقيق، حيث اكتسحت مداخل أبواب وأرصفة المساجد بهؤلاء طالبين يد المعونة من أهل الحي والتسول، وذلك بعد اشتداد قساوة الجوع وهم يمدون أيديهم طالبين العون أو الصدقة من المصلين، باعتبارالمساجد الأماكن الأكثر الأماكن التي يضمنون فيها قوت يومهم وقد يصل إلى أربعة أيام، لأنهم يحضون بتعاطف شديد من المصلين، والشيء الذي لفت انتباهنا عند مدخل المصلّى وخاصة أثناء إقامة الصلاة هو تقربهم إلى الصلاة بجانب المصلين دون وضوء ومنهم من يمشي حافيا، تشم ما إن يقترب المصلي منهم حتى يشعر بجو كئيب يخنق الأنفاس فرائحة الدخان المتصاعدة تظهر من بعيد والروائح الكريهة تنتشر في كل أجسادهم، ومنهم من يستغل أوقات الذرة خارج المساجد خاصة بالشوارع الكبرى والأحياء الشعبية ذات الكثافة السكانية الكبيرة بالمنطقة لطلب المساعدة. ونحن نجول ونصول بقرى وأحياء وشوارع مدينة مغنية انتابتنا حالات تعكس مستوى البؤس والجوع الذي يحدق بهؤلاء الأفارقة في مغنية...معاناة أشدّ ألما عندما تجد نساء وهنّ يحملن أطفالا بأيديهن يبحثن عن الصدقة المالية أو العينية لكن هيهات أن تتمكن من الفوز بعمل الخير، فإذا فكرت في التصدق عليك أن تمعن النظر ألف مرة فلو سلّمت لأحد مبلغ 50 دينار فقط عليك أن تعلم أنه يجب عليك أن تسلم بعدها ألاف الدينارات على الأقل لأن الواحد منهم يجرّ ألف كما يقولون فعندما يعلم الآخرون يجرون وراءك بكل قوة للحصول على الصدقة بالتساوي. ومقارنة بالسنوات الفارطة منذ بداية نزوح الأفارقة إلى منطقة مغنية باعتبارها البوّابة الحدودية الجزائرية المغربية عرفت عملية تدفق الأفارقة انخفاضا محسوسا، على عكس ما تم تسجيله في أواخر التسعينات إلى غاية 2005، بعد أن غزوا معظم الأحياء والشوارع بالمناطق، كحي عمر، الحمري، المطمر، أولاد بن صابر، وبعض القرى والمداشر على غرار قرية البطيم، الشبيكية، أولاد قدّور، المصامدة...أغلب المهاجرين الأفارقة هم من الرجال، لكن مع أواخر نهاية سنة 2012 عرفت نسبة الإناث تدفقا كبيرا، خاصة وأن الأرقام التي تحصّلنا عليها من مختلف الأجهزة الأمنية تبين أن معدل العمر لهؤلاء الأفارقة يتراوح ما بين 19 و40 سنة، إذ تشكل فئة الشباب منها 80 بالمائة. * البحث عن الأمن والأمان وخلال جولتنا التي كانت متواصلة إلى غاية منتصف الليل والتي كانت مصحوبة بتساقطات مطرية وبرودة قاسية لاحظنا في كل زاوية وبكل شارع مجموعة من الأفارقة مرفوقين بنساء وأطفال صغار ينامون على "الكارطون" ومنهم من كانت لهم أغطية تصدق بها عليهم بعض المحسنين، تقربنا من احد هؤلاء الأفارقة الذي كان في مناوبة ليلية في الأول رفض الحديث معنا والتصريح باسمه وجنسيته، حيث كان يحمل بيده عصى للدفاع على نفسه ورفاقه، لكن بعد تقديم أنفسنا على أننا من الصحافة ونحن بصدد توجيه رسالتهم إلى الجهات المعنية، ابتسم وقال بصريح العبارة : اسمي "أحمد" "ظننتكم من الأمن"، لأن مصالح الأمن تقتادهم إلى مقر الأمن من اجل سماعهم وبعد ذلك يتم ترحيلهم وهو الأمر الذي يرفضوه الجميع، لأنه لايريد إعادة الكرة للمرة الثانية، خاصة وانه حسب تصريحاته عانى الكثير وصعوبات كبيرة للوصول إلى هذه المنطقة الحدودية، على حدّ تعبيره انه قام بالاتصال بشبكات التهريب للمرور إلى وجدة المغربية بمبلغ قدره 300 أورو كمصاريف المرور، وعادة ما يتم تزوير جوازاتنا السفرية مقابل 6 إلى 8 آلاف دينار للواحد وهذا لأجل الوصول إلى الأراضي الفرنسية والإسبانية، لكن معظمهم حلمهم لم يتحقّق، بسبب توقيف عدد كبير منهم من طرف مصالح الأمن، هذا من جهة وتورطهم في عدة قضايا كالاعتداءات والسرقات وتبييض الأموال واستعمال خدع سحرية لإيهام العديد من المواطنين، وغالبا ما تنتهي الرحلة بالقبض عليهم أو طردهم. * فراشهم الكرطون ولحافهم السماء ست ساعات كانت كافية للاطلاع على الظروف المعيشية التي يتقاسمها هؤلاء الأفارقة مع إخوانهم المتشردين الذين لامأوى لهم غير الشارع الذي يحتضنهم..."الكارطون" فراشهم والحطب مدفأتهم، حيث اغتنمت "الجمهورية" الفرصة وتقربت منهم لتستفسر عن حالهم والظروف التي أوصلتهم إلى هذا المكان، لكن تفاجأت أن معظمهم من خارج ولاية تلمسان، البيض، تيارت، معسكر...وغيرها، هم من عمال الموقف يبدؤون عملهم في حدود الساعة الرابعة صباحا في الحقول والمزارع التي يزاحمها فيهم الأفارقة، تركناهم وأملهم فينا إيصال معاناتهم ووضعيتهم للجهات المعنية خاصة البلدية، قصد تخصيص لهم أماكن تقيهم شرّ البرد والاعتداءات التي يتلقونها من المنحرفين والمتسكعين ليلا، خاصة وان هذه الفئة من المتشردين تحمل في طياتها فئة النساء التي تتعرّضن للتحرشات الجنسية. اليوم الثاني من الاستطلاع أو التحقيق خصصناه لمرافقة هؤلاء الأفارقة في حياتهم اليومية وكيف يقضون يومهم كاملا، حيث كانت عقارب الساعة تشير إلى العاشرة صباحا من يوم الجمعة حين اتجهنا إلى المحتشدات أو الأكواخ التي كان يقطن بها هؤلاء الأفارقة بواد جورجي على بعد حوالي 4 كيلومتر من قرية المصامدة وقرية أولاد قدور وصولا إلى قرية البطيم الحدودية، لم نستطع أن نعدّهم لكن حسب العين المجرّدة يفوق عددهم 300 إفريقي من أكثر من 14 جنسية افريقية يتقدمهم النيجريون والماليون والسنيغاليون، في البداية قدّمنا أنفسنا على أننا من الصحافة وجئنا لحمل انشغالاتهم وهمومهم إلى الجهات المختصة، فاطمئن الجميع إلينا، إذ استقبلنا ما يربو عن 100 إفريقي كانوا مقسمين فئات فئات على مستوى خيم مصنوعة من أغصان الأشجار والكارتون، تقدّم إلينا احدهم بصريح العبارة : "نحن نشعر بالأمان في هذه المنطقة التي يشفق علينا أهاليها ويمدوننا بالأكل والأفرشة والملابس والدواء...وغيرها، والبعض من سكانها يوفرون العمل بالحقول والمزارع وحتى في ورشات البناء، كما أن المواطنون يعاملوننا معاملة حسنة"، وأضاف زميله قائلا : "حقيقة في بداية الأمر عند وصولنا إلى منطقة مغنية كنا متخوفين كثيرا من عدم نجاح رحلتنا، ولكن بعد اندماجنا في المجتمع المغناوي والعمل معهم اندمجنا معهم شيئا فشيئا"، وعن قضاء يومهم يضيف ذات المتحدّث : "أن اليوم هو يوم الجمعة حيث السوق الأسبوعي الذي يقام بحي الشهداء، أين يتجه معظم هؤلاء الأفارقة لاقتناء جميع مستلزماتهم مقابل ما تم جمعه من دنانير خلال أسبوع والتي لاتكفي لسدّ جميع الحاجيات مقارنة بمستوى المعيشة بالمدينة، خاصة وأنه في بعض الأحيان يصعب علينا إيجاد عمل حيث يرفض المغناويون، تشغيلنا، خوفا من الإجراءات الأمنية المشدّدة علينا لأننا في إطار غير قانوني"، وما هي إلا دقائق حتى عاد مجموعة من الأفارقة إلى مقر إقامتهم الذي و هو عبارة عن كوخ مصنوع من القصب والخشب والكارطون بمنطقة أولاد قدور الذي يمر عبر واد جورجي محمّلين بمجموعة من الخضروات والخبز وما جاد به السوق هذا الأسبوع لتبدأ عملية طهي الطعام بتوزيع دقيق للأدوار بمساعدة زملائه بالكوخ يتحلق هؤلاء حول طنجرة كبيرة متبادلين أحاديث جانبية بلغات تبدو غير مفهومة. القوت بالحقول وورشات البناء غادرنا منطقة أولاد قدور وهي قرية حدودية على بعد حوالي 8 كيلومتر من مقر بلدية مغنية باتجاه قرية المصامدة الواقعة على مستوى الطريق الوطني رقم 99 الرابط بين مغنية وبني بوسعيد الحدودية، وفي طريقنا لفت انتباهنا العديد من الأفارقة في أماكن مختلفة يعملون بالحقول والمزارع بنزع مختلف الخضروات كالبطاطا، الخرشف، السلاطة، يذكر منها أحد العارفين بالمنطقة التي يجتمع فيها الأفارقة بمغنية للجمهورية أن قرية المصامدة رأس عصفور بمغنية تحول إلى مكتب شبه رسمي على الهواء لتشغيل الأفارقة، حيث يجتمع أمامه يوميا ومنذ الساعة الأولى من الفجر العشرات من الأفارقة ومن مختلف الجنسيات على جوانب الطريق المحاذي لمدخل القرية الفلاحية، حيث يتربصون بأصحاب الحقول والمزارع كي يوفروا لهم فرص العمل التي تضمن لهم قوت يومهم مقابل أجر زهيد، إذ وجدوا في هؤلاء الأفارقة المهاجرين غير الشرعيين مصدرا يدر عليهم أرباحا طائلة، دون الاضطرار إلى دفع المبالغ المالية التي كانوا يدفعونها للجزائريين العاملين عندهم، إذ يقومون باستغلال هؤلاء الأفارقة اعتمادا على عضلاتهم المفتولة وقبولهم للعمل في كل الظروف مهما كانت خطيرة أولا ترعي أدنى شروط الأمن و الوقاية، يكلفونهم بأشغال تعتمد أساسا على القوة وبطرق يدوية اجتنابا لكراء المعدات اللازمة، كنزع البطاطا أو المطرقة التي تكلف هؤلاء الفلاحين والمقاولين أموالا باهضة، والغينيون مفضلين أكثر ومقبولين لدى ساكنة مغنية، خاصة فلاحو المناطق المجاورة الذين هم بحاجة إلى السواعد العاملة، فغالبا ما يستخدمونهم في أعمال الزراعة والفلاحة، إنهم عمال محترفون، ومجدّون...باعتراف العديد من الفلاحين، حيث لا يكرهون العمل، كما لديهم سلوك مثالي، إضافة إلى كل هذا فان المهاجرين غير الشرعيين يقبلون العمل من الفجر إلى المغرب أو أكثر بمعنى يتجاوزون الحجم المحدد قانونا للعمل، كما أنهم لا يتقاضون نفس الأجر الذي يدفع للجزائريين في غالب الأحوال، مع العلم أن هؤلاء المقاولين والبناءين و الفلاحين...وغيرهم لا يدفعون دينارا للضرائب مقابل تشغيل هؤلاء الأفارقة، ولا حتى تأمينهم بحكم أنهم لا يملكون أوراق تثبت هويتهم، ناهيك عن رخصة العمل، وبدون اتخاذ الإجراءات القانونية... وقبل مواصلة الرحلة وقفنا أنا وزميلي الذي كان برفقتي في السيارة بإحدى المستثمرات الفلاحية التي تضم 3 هكتارات من مادة البطاطا كان يشتغل بها ما لايقل عن 20 إفريقيا من مختلف الجنسيات، حيث تقدّمنا من أحدهم لنستفسره عن أجواء العمل بهذه المستثمرة الفلاحية الفردية التي هي ملك لأحد الفلاحين بقرية المصامدة، فصرّح لنا انه مرتاح مع صاحب المستثمرة بالرغم من المبلغ الزهيد الذي يتلقاه يوميا، إذ يشرع في العمل يوميا من السادسة صباحا إلى الثانية بعد الزوال، كما أن صاحب المستثمرة لايبخل عليهم بما يجود من الخيرات خاصة من ناحية الأكل والشرب، إلى جانب الملابس، كما أنه خصص لهم مستودعاً للمبيت يقيهم شر البرد القارس والأمطار، ويضيف ذات المتحدّث القادم من غامبيا أن الأمور جدّ صعبة أكثر مما توقعت ففضل البحث عن عمل شريف بدل التسوّل "هذا العمل يمكّنني من ضمان قوتي ولا أطلب المعونة من أحد"، وأضاف أنه لم يخطر بباله انه من الصعب عبور اسبانيا أو الضفة الأوربية التي يحلم بها وزملائه الذين سلكوا نفس المسلك، ليجدوا أنفسهم يجرون وراء لقمة العيش بين العمل في المزارع وطلب المعونة بمجرّد وصولهم إلى مغنية، بعيدين كل البعد عن المجتمع الأوربي الذي كانوا يحلمون به، كما أن هذه الموجة التي تحمل مختلف الجنسيات التي حاصرت شوارع المدينة والأحياء لا تتوقف عند حد الاستقرار على التراب الوطني، بل هي مفتوحة على احتمالات وعواقب وخيمة، و ... صوف من الملاريا والحمى الصفراء يكفي معرفة أن هؤلاء الأفارقة ملزمين قبل الدخول إلى مغنية عبر الحدود إثبات حيازتهم على دفتر تلقيح إلى جانب التأشيرة، لأن الأفارقة بإمكانهم نقل أمراض خطيرة ومعدية، كالملايا، والحمى الصفراء والتيفوئيد والجرب وداء السيدا، دون أن تتدخل الجهات المسؤولة و بخاصة مديرية النشاط الاجتماعي في إيجاد حل لهذه الظاهرة التي بات تهدّد حياة المواطن الصحية، بانتشار الأمراض الخطيرة (السيدا)، إذ سجل في هذا الشأن حالتين أو ثلاثة مما صرّحت بهم ذات المصالح وما اخفي يكون أعظم، وقد دعت عدّة جمعيات من فعاليات المجتمع المدني بمغنية انه يجب اخضاعهم على للفحوصات الطبية، لضمان سلامة المارّة من إصابتهم بالعدوى و هم يتعرضون للمسهم، إذ زاد خوف سكان مدينة مغنية بعد أن عادوا في المدة الأخيرة إلى شوارع المدينة وتمركزوا بقوة فيها وازداد عددهم، محتلين بذلك الساحات العمومية وشوارعها الرئيسية وحولوا منها مأوى لهم وصنعوا فوضى كبيرة، وبالطبع هذه الظاهرة لا تنعكس على هؤلاء الأفارقة وحدهم وإنما نتائجها سيتكبدها المغناويون أيضا خاصة وأنهم على احتكاك دائم بهم، ولا يستبعد أن تعبر هذه الأمراض حدود المدينة والولاية لتتعداها إلى ولايات أخرى، خاصة وأن مدينة مغنية تعتبر من أكثر المدن استقطابا للزوار، ولخير دليل المعاينة التي قامت بها فرقة من القناة الفرنسية الثانية للاطلاع على ظروف معيشة المهاجرين السريين بملاجئ واد جورجي، هذا فضلا عن تنظيم ملتقى دراسي حول وضعية المهاجرين السريين، وكيفية معالجة ظاهرة الهجرة السرية، الذي أشرف عليه خبراء فرنسيين. يتزعمون شبكات دولية لتزوير الأوراق النقدية ليبقى الخطر في أولئك الذين يعتدون على أبناء المنطقة أو المدينة من الجزائريين تواجدهم بكثرة ما أضحى يشكل أهم منابع الخطر للمغناويين من خلال احتراف كل أشكال الجريمة والجريمة المنظمة من تهريب وتزوير للأوراق النقدية التي احترفوها للاسترزاق وللحصول على المبالغ المالية الكافية للمرور نحو الضفة الأخرى للمتوسط، حيث تقوم جماعات محترفة في الجريمة المنظمة بتزوير الأوراق النقدية وتوزيعها عبر مختلف الولايات، مستعملين في ذلك أحدث الوسائل التكنولوجية وفي مقدمتها الهواتف النقالة، وهو الشيء الذي أقره لنا سكان المنطقة الذين يؤكدون بدورهم وجود هذه الشبكات التي ينشطها جحافل المهاجرين غير الشرعيين، ذلك أن هؤلاء بعدما اندمجوا نسبيا في المجتمع المغناوي وسئموا من الأعمال المتعبة التي لا توفر لهم الأموال اللازمة لمواصلة رحلتهم إلى أوربا، وتحقيق الحلم الذي من أجله ركبوا المخاطر وتحدوا الغربة والصعاب وذلك بالمرور عبر المغرب أو الجزائر العاصمة وهي الخطوة التي تتطلب الحيازة على الوثائق اللازمة لاجتناب خطر الوقوع في قبضة رجال الأمن، حيث أدى بهؤلاء النازحين إلى تكوين شبكات مختصة في تزوير الوثائق التي يحتاج إليها هؤلاء الأفارقة أثناء تنقلاتهم ويزوّرون حتى العملات والتأشيرات، ومؤخرا تمكنت كل من مصالح الأمن والفرقة الإقليمية للدرك الوطني بدائرة مغنية من تفكيك عدّة شبكات مختصة في تهريب الأشخاص وفي التزوير، من بينها شبكات لها علاقات وامتدادات مع عناصر أخرى بكل من تونس وانجلترا وكوت ديفوار ونيجريا، والتي تتكون من أفارقة من جنسيات مختلف معظمها من مالي والنتيجر، إلى جانب تسجيل عدّة قضايا على مستوى العدالة تتعلق بالنصب والاحتيال مصحوبة بعملية التزوير، استعمل فيها المسحوق العجيب المعروف باسم "لاهام" حسب ما أفادتنا به أجهزة الأمن بدائرة مغنية. 5 آلاف مهاجر من 27 جنسية فالإحصائيات المتداولة بين مصالح الدرك الوطني ومصالح الأمن تشير إلى تزايد عدد النازحين والمهاجرين غير الشرعيين خلال السنوات الأخيرة، فمن 200 موقوفا عام 2000 إلى أكثر من ألفين مهاجر سري عام 2006 ، وقد كشفت الأرقام المعلنة من طرف جهاز الشرطة القضائية لأمن دائرة مغنية ومصالح الفرقة الجهوية للتحرّي حول الهجرة غير الشرعية، بشأن ظاهرة الهجرة غير الشرعية خلال الفترة ما بين 2001 و2013 عن إحصاء ما يزيد عن 5000 مهاجرا غير شرعي قدموا من 27 جنسية افريقية، أغلبهم من المالي تليهم الكامرون، غامبيا، والسينغال والكونغو الديمقراطية، بوركينافسوا والنيجر، كما أوقفت ذات المصالح 200 شخصا من جنسية هندية وحوالي 40 شخصا من جنسية باكيستانية، و20 مهاجرا من بنغلاداش وشخصا واحدا من جنسية أفغانستانية، وقد تكفلت الشرطة القضائية بإعادة ترحيلهم إلى مواطنهم الأصلية، من بينهم أيضا ما يفوق 600 مغربيا تسلّلوا إلى التراب الوطني بطريقة غير شرعية. وعلى عكس السنوات الفارطة انخفض أعدادهم على مستوى إقليم ولاية تلمسان، وهنا أكدت المصالح المعنية أنها قامت بالعديد من عمليات ترحيل هؤلاء النازحين والمهاجرين الذين كانوا يقيمون بطريقة غير شرعية على التراب الجزائري بطرق مقبولة إنسانيا وذلك وفقا للإتفاقية الدولية المتعلقة بالهجرة غير الشرعية، وذلك تزامنا مع تدشين مقر الفرقة الجهوية للأمن الوطني للبحث ومكافحة الهجرة غير الشرعية بمغنية سنة 2008 والذي يغطّي نشاطات خمسة ولايات وهي تلمسان، عين تموشنت، سيدي بلعباس، النعامة، وسعيدة لتشمل 440 كلم من الحدود الإقليمية و150 كلم من الحدود البحرية أي ما يعادل مساحة إجمالية تقدّر ب 47.656 كلم وتبلغ مساحته 990 متر مربع ويعتبر ثالث فرقة من نوعها على المستوى الوطني بعد تلك المنشأة سنة 2007 بجانت. لتبقى ظاهرة الهجرة السرية كارثة خطيرة تهدّد سكان المدينة الحدودية، رغم أن الدولة الجزائرية قامت في السنوات الأخيرة بعمليتي ترحيل آلاف الأفارقة نحو بلدانهم الأصلية، وهو ما كلف خزينة العمومية مبالغ مالية كبيرة. أخيرا أعتقد جازما أن المسألة لن يتم حلها حلا شاملا إلا عبر القنوات الدبلوماسية والأمنية، لكن من باب دقّ ناقوس الخطر لا بأس من الإشارة إلى ضرورة استشراف المستقبل، فالظاهرة تستفحل يوما بعد يوم، وبالتالي يجب على صنّاع القرار وضع المشكل ضمن أولويات الحوار بين الشمال والجنوب، وتطوير التعاون الاقتصادي بين أوروبا ومستعمراتها السابقة، لأن الوقت قد حان لخلق بدائل تضمن حل المشاكل التي تمس كرامة الإنسان الإفريقي، وتسمح باحترام المواثيق الدولية لحقوق الإنسان مع الحفاظ على حقوقهم في الصحة العمومية والأمن والاستقرار.