ملف شائك وحساس ومثير للجدل غاصت فيه جريدة الجمهورية ، حيث اكتشفت ولمست الكثير من المعاناة تساير حياة كل من ولد تحت " إسم إيكس أي مجهول النسب " فمنهم من ولد نتيجة زنا المحارم في حين أن البعض الآخر ولد نتيجة اغتصاب والدته من قبل شخص أو أكثر، في كلتا الحالتين لا يرحم المجتمع المولودين بهذه الطرق ، وهذا بالرغم من براءة هؤلاء الأطفال من اقتراف أية جريمة تحسب عليهم ، من خلال هذا الملف سنطلع القارئ على قصص لمن يطلق عليهم بالمولودين تحت مسمى " إكس " ، لنسميهم مريم و جلول ، أما الأمهات العازبات فالتقت الجريدة باثنتين منهن ، واحتراما لهن تم تغيير أسمائهن كخديجة التي احتضنتها أسرة ثرية وحليمة التي رفضت التخلي عن طفلها المولود بطريقة غير شرعية . *مريم وجلول المولودان تحت اسم " فاقد النسب "* الشابة مريم التي تطرق باب عقدها الثاني (18 سنة) ، لا زالت تطرح على نفسها أسئلة مثيرة دون أن تجد لها أجوبة شافية ، منها مثلا " من أين أتيت ؟ من هما والداي ؟ من أكون أنا ؟ " كل هذه الأسئلة و غيرها لم تكن لتطرحها لو لم تسمع أصدقاءها في القسم تارة أو العائلة التي احتضنتها تارة أخرى تحسسها بأنها لقيطة و "بنت حرام" ، أما جلول الذي بلغ المستوى الجامعي فيرفض جملة وتفصيلا هذه التسمية القاصية ، حيث يواجه المجتمع بمنطقه الخاص والحازم " أنا لم أفعل شيئا سيئا ، إذا أنا لست لقيطا لسبب واحد لي والدان لكنهما رفضا الاعتراف بالخطأ الذي ارتكباه في يوم ما ، وبدلا من الخوف من الله يخافان من أقوال الناس ، للأسف لم يتمكن والداي من مواجهة المجتمع ، الآن لا أخفي عليك أنني أحلم فقط باليوم الذي ألتقي فيه والداي أو أحدهما ، خاصة والدتي ، ولو كان هذا ليوم واحدا فسوف أكون أسعد الناس المهم أعرف من هما والداي ولماذا تخليا عني " . ***خديجة كفلتها عائلة ثرية ثم تخلت عنها بسبب الميراث* عملية التكفل بهذه الفئة موجودة بمستغانم ، منها عائلات ثرية لم تحظ بالإنجاب كفلت أطفالا مجهولي الهوية ، بالطبع كانت هذه الأخيرة محظوظة جدا فمثلا خديجة التي احتضنتها إحدى هذه العائلات كانت تعيش وسط هذه العائلة حياة طبيعية إلى غاية وفاة والدها بالتبنى الذي ترك لها جزءا من الميراث تنازل لها عن جزء من ميراثه لم تقبله الوالدة المحتضنة ولا العائلة حيث رفض الكل إقحامها في الإرث ، كانت هذه هي الخطوة الأولى لبداية معاناتها مع عائلتها التي تبنتها ذات يوم ، حيث بات الكل ينهال عليها وبكل أنواع السب والشتم وحتى الضرب ، استمرت خديجة على هذه الحالة إلى أن صارحتها والدتها بالتبني بالحقيقة على أنها ليست بنت الأسرة الحقيقية وأنها لقيطة ولدت من علاقة غير شرعية وتم تبنيها وجلبها من مراكز الطفولة المسعفة ، هذه الأخبار وقعت عليها كالصاعقة فقررت مغادرة هذه العائلة التي تبنتها لما كانت بحاجة إلى حنان والتخلي عنها بسبب الميراث الأقدار قذفت بها وفي وقت وجيز في عالم الشغل ، حيث توفرت لديها فرصة عمل بأحد "المحلات لبيع الحلويات بمدينة مستغانم ، لكن علاقتها مع الزبائن بدأت تأخذ منحى سلبيا ، إلى أن تقدم لها في أحد الأيام شخص طلب منها الزواج وهكذا أنقذت مرة ثانية من حالة التشرد ، هذا ما سمح لخديجة بتكوين أسرة وإنجابها عدد من الأولاد . ***أم الخير أنجبت طفلا من علاقة غير شرعية لكنها رفضت التخلي عنه* أم الخير كانت تعيش وسط عائلة ثرية بإحدى دوائر مستغانم ، في سن مبكر (16 سنة) دخلت الحياة الزوجية وأنجبت ثلاثة أولاد بنتين وولد من رجل كان ينظر إليها على أنها أداة للهو لا غير كما لم يمنحها خلال عيشه معها أدنى حقوقها ، فساءت العلاقة الزوجية بينهما وطلبت الطلاق ، كان لها ذلك مقابل أن يبقى الأبناء تحت رعايته ، بعد فترة وجيزة تعرفت على شاب موظف في إحدى الإدارات بمستغانم ، دون رتبة كبيرة توطدت العلاقة بينهما إلى أن أصبحت حاملا ، رفض والدها الغني تزويجها لهذا الشاب المتواضع ماديا ، حيث كان مبرره الخوف عن سمعته وما الذي سيقوله الناس ، أمام إصرارها على الزواج بهذا الشاب طردها والدها من البيت العائلي ، فلم تجد إلا الشارع وبعض المحسنين لإيوائها كما تخلى عنها كذلك الشاب الذي رفض الزواج منها دون موافقة والدها و ظلت على هذه الحال إلى غاية إنجابها الطفل " وسام " ، حيث قررت ألا تضعه في مركز رعاية الطفولة المسعفة ومنذ تلك اللحظة دخلت نفقا مظلما ، حيث فتحت أمامها أبواب الدعارة على مصراعيها ، كما كانت عرضة لمختلف الانتهاكات في سبيل أن تلبي الحاجيات الأساسية لابنها " وسام " كالحليب والحفاظات ومصاريف العلاج إلخ .. استمر الوضع على هذه الحال إلى غاية بلوغ ابنها " وسام " سن التمدرس ، عندها وجدت أم الخير نفسها أمام جدال كبير حيث عجزت عن منحه اسمها ولا اسم والده الذي تخلى عنها بعد رفض والدها الثري تزويجها له ، هكذا بقي " وسام " على هذه الحالة إلى أن دخل وفي سن مبكر هو الآخر عالم الانحراف والإجرام وهو اليوم محكوم عليه بخمس سنوات سجنا بسبب عملية إجرامية . ****لعريبي العربي / المدير الولائي لمديرية النشاط الاجتماعي ** 125 ملف لعائلات ترغب في التكفل هذه الطفولة في الحقيقة ، هي الشريحة التي يستوجب على الدولة التدخل لإنقاذها ومساعدتها ، لذا أسرعت في تطبيق إجراءات قانونية ترمي كلها إلى التكفل بهذه الشريحة التي باتت تسمى ب " الطفولة المسعفة " ، بدليل يوجد بولاية مستغانم دار للطفولة تسع إلى 40 سريرا، حاليا يوجد بها 16 طفلا من بينهم 4 معاقين تسيرهم إدارة مؤطرة ب 20 مختصا وهم من صنف المربين والمربين المختصين في العلم العيادي ، فضلا عن تسخير طاقم إداري خاص بها ، وقد توافد على هذه المؤسسة التي تعد ذات طابع عمومي تضامني أكثر من 95 طفلا ، كما نسجل متابعة دائمة لهؤلاء الأطفال من خلال مستخدمين موضوع فيهم الثقة في تربية الطفولة الأولى التي يتراوح سنها من 0 إلى 3 أشهر ، كما أن مصلحة الطفولة بمديرة النشاط الاجتماعي هي التي تتولى عملية وضع هؤلاء الأطفال في العائلات الراغبة في التكفل ، في هذا الإطار نسجل حوالي 80 صبيا وضعوا كلهم في حضن عائلات جزائرية بأرض الوطن وحوالي 10 أطفال وضعوا في عائلات تعيش بدار الهجرة وبالتحديد في فرنسا ، إن الطفولة محل الوضع تخضع إلى فحوصات طبية ودراسات موضوعية من قبل الطاقم الطبي واللجنة المكلفة بالرضع قبل وضعهم في العائلات ، للعلم يوجد بين أيدينا اليوم أكثر من 125 ملفا من مختلف الأسر الراغبة في التكفل ، بخصوص الصبيان الذين يوضعون بولاية مستغانم فتقام لهم زيارات فجائية من قبل الطاقم التربوي التابع للمديرية للإطلاع على حالتهم في ما يخص اللباس ، المأكل وإن كانوا في سن التمدرس كذلك ، للعلم تم تسجيل مؤسسة ثانية ببلدية مزغران ستخص الطفولة التي يتراوح عمرها من 6 إلى 16 سنة ، مبلغ المشروع يقدر ب 12 مليار سنتيم وهو حاليا تحت الدراسة ، حيث أسندت العملية لمكتب الدراسات والإنجاز سينطلق عن قريب ، جاء تسجيل هذه العملية جراء تكاثر هذا النوع من الأطفال الذين هم عرضة للنسيان والإهمال العائلي والتسكع في الشوارع وآخرين ممن لم يسعفهم الحظ في التكفل العائلي ، أضف إلى ذلك أن المديرية تقدم كل ما دعت إليه الضرورة مساعدات لهذه الفئة من ملابس وحليب الطفولة وحتى التكفل الطبي ، أما فيما يتعلق بالمعاقين الموجودين بالمؤسسات فبالرغم من العمل الجواري والتدخل السريع لدى العائلات لم نعثر إلى يومنا هذا عن عائلات تريد التكفل بهم مما يضطر نقلهم إلى مؤسسات مجاورة في انتظار إتمام إنجاز المؤسسة المذكورة سابقا وفيما يخص تسمية الأطفال تبقى تسميتهم الأولى عند الولادة وهذا إلى حين إيجاد عائلة تتكفل بهم وقتها يسمح للعائلة بحكم المرسوم الصادر في جانفيي 1992 منح الاسم العائلي للصبي المتكفل به ويخضع بالتالي لها بالاسم فقط ، ومما يلاحظ حسب المديرالولائي فإن ظاهرة الأمهات العازبات على مستوى ولاية مستغانم تراجعت مقارنة بالسنوات الأخيرة ، كما أحاطنا علم بأن طلبات التكفل العائلي تزداد يوميا مما جعل المديرية تلجأ إلى الولايات المجاورة للمساعدة في الوضع العائلي . ***محمد الأمين بحطيطا / أستاذ علوم الشريعة الإسلامية ** الكفالة المطبقة في الجزائر تطرح إشكالية في الجانب الشرعي مهما كانت ولادة الطفل فالحياة مكفولة له ، و له الحق في الحياة ، الله سبحانه وتعالي قال " أدعوهم لآبائهم وهو أقسط عند الله " و الجزائر كما يعلم الجميع لا تطبق التبني وإنما تطبق الكفالة إلا أن الكفالة المطبقة في الجزائر تطرح إشكالية في الجانب الشرعي ، حيث لا نلمس تطبيقا ميدانيا و إسلاميا إلا ما رحم ربك ، حيث أن ما يطبق للأسف لا يتماشى مع الشريعة ، وما يجب أن تعلمه الأسر الكافلة عليها أن تحافظ على الطفل المتكفل به كأنه أحد أبنائها ، عندنا للأسف أمثلة كثيرة ، حيث لا نجد بين العائلات الكافلة ضمانات الكفالة للطفل يجب أن تعلم الأسر أن الشريعة تحول الكفالة من التطوع إلى الالتزام فمثلا الأستاذة في علم النفس والباحثة في الكراسك (crasc) " بدرة معتصم ميموني صاحبة كتاب " ولادة والتخلي في الجزائر " ، كشفت من خلال بحثها الطويل والعريض أن الأطفال المكفلين عاشوا حالات سوء المعاملة من قبل العائلة الكافلة وذلك من خلال الناحية الاجتماعية ، الثقافية ، الدينية ، الصحية وغيرها ، هذا ما أردت الوصول إليه خاصة وأن الدولة تضخ في كل سنة أموالا ضخمة في سبيل الحفاظ على هؤلاء الأطفال ، لذا أطالب من جانب آخر بوضع الكفالة في جميع جوانبها الشرعية ، حيث تطبق الضروريات الخمسة التي يستوجب على كل إنسان الحفاظ عليها بما فيها المكفل وهي : الدين ، النفس ، العقل ، النسل ( العرق ) والمال ، أما بخصوص الأسباب التي أدت إلى تراجع وبشكل ملفت للانتباه الأطفال الفاقدين للهوية ، أرجعها إلى بروز ظواهر خطيرة وجديدة في المجتمع الجزائري منها بيع الأطفال ، سرقتهم ، التجارة بأعضائهم ..... وهذا راجع أساسا إلى غياب الوازع الديني ، الفقر ، الجهل بحقيقة الحياة ، الرسول عليه الصلاة والسلام قال " الكافل ضامن "و الضمان واجب عليه من جميع الجوانب حتى نحافظ على النقاط الخمسة ، خاصة كفالة البنت ، حيث أن شروط التكفل بها أصعب نظرا لحساسية الجنس الأنثوي ، الظاهرة في الواقع ليست في تناقص وإنما هي في تطور مستمر و معالجتها اليوم صعبة في ظل تنامي العوامل المذكورة سالفا ، لكن رغم هذا يستوجب وضع سياج قانوني يضع حدا لها و على الجميع لعب دوره في التكفل بدءا بالدولة ثم المجتمع والأسرة والشريعة الإسلامية جاءت للوقاية قبل العلاج لأن العلاج حالة استثنائية ، لذا يجب تربية الطفل على القيم ، الحفاظ على الجانب النفسي لمجهول النسب وهذا واجب اجتماعي وعلى كل قنوات النشاط الاجتماعي لعب دورها بدءابالأسرة ، المدرسة ، المسجد ، و الإعلام