إنّ طريق السلامة بيِّن و طريق الندامة أبين، من أراد حياة قوامها الهدوء والسكينة فليتخذ من القانون بوصلة تحدد مساراته و تضبط اختياراته وإلا فإن أبواب المحاكم ستفتح على مصراعيها لتقتص من كل آثم مجرم ناهك لحقوق الأشخاص و المجتمع فالأمن على النفس والمال هو جماع النعم و مقصد الحق والعدل وإذا زال حل محله الخوف و الروع و الفزع. ومن أبرز العوامل المنتجة لبذور الارتياع والشقاء والظلم، الجريمة بكل أشكالها وأنواعها التي حولت البيوت الجميلة إلى أقفاص من حديد يسكنها ناس يفتقدون الاحساس بالأمان وبدلت مواقيت السمر والسهر في مدن كبرى كوهران فأضحى الغروب ساعة الإيذان بالهروب إلى البيوت خوفا من خفافيش الظلام و قطاع الطرق و الدروب . هذا التوصيف ذو المسحة التشاؤمية ما كان ليكون لولا العدد المهول للقضايا المعروضة على أقسام الجنح و غرفها ومحكمة الجنايات بمعالجة يومية لملفات بين طياتها وبين أسطر أوراقها مآس ما لها آس، قتل وتنكيل، رشوة ومحسوبية، اختلاس للمال العام وسوء التسيير، مخدرات و سرقات و ضرب للأصول و الفروع و ذوي الأرحام ، جرعات من المرارة يتناولها المشتغلون بحقل العدالة بشكل دائم لكن فسحة الأمل و الرغبة الملحة في التطهر من درن الشوائب و المصائب يفتح طريقا آخرا و منهاجا جديدا في النظر إلى ما يقع و يحدث داخل بيت العدالة من حكايات و كواليس و أصداء في إطار غير المألوف و الاستثناء المتغلب في كثير من الأحيان على القاعدة . لذلك ارتأينا الإفلات من قبضة اللغة الرسمية بكلماتها العامة والمجردة واستبدالها بحروف الوصف لرسم لوحات من قلب غرف المحاكم دون الاخلال بهيبة المكان و سيادة القانون وجلال المبتغى .