عرف القطاع السمعي البصري في السنوات القليلة الماضية بالعالم العربي انفجارا مذهلا إذ وصل عدد القنوات التلفزيونية العمومية والخاصة إلى ما يزيد عن 1400 قناة، منها أكثر من 135 قناة تلفزيونية دينية وهي قنوات متعددة المذاهب والمشارب والتوجهات. إلا أن هذه القنوات وإن كانت تبدو مظهريا دينية في موضوعها وفي تعريفها إلا أنها ليست بالانسجام المنشود حيث تتبنى معظمها خطابا دينيا مشحونا بالكراهية ومعاداة الآخر والمعارضة بدون سبب مشروع. كما هناك فئة أخرى من القنوات لم تتمكن من الخروج من قوقعتها وظلت تقدم مادة تقليدية تبقى دون طموحات الجمهور المتلقي. وهكذا أصبح المشاهد المسلم بين ناري أو مشهدين لا يصبوان غلى فكره التواق إلى اكتشاف خبايا وأسرار هذا الدين القيم. وقد بينت الدراسات أن 75 بالمئة من حجم المحتويات المبرمجة لا يخدم رغبات المواطن العربي، وقد أنجزت 30 دكتوراه خلصت إلى اعتبار القنوات المعتدلة مصدرا لمعرفة أحوال المسلمين في كافة بلدان العالم، وساهمت في تغيير المفاهيم الخاطئة عن الإسلام، وعززت القيم الدينية والثقافية والاجتماعية، لكنها معا ذلك لم تتمكن من التفوق والسيطرة على الإعلام بصفة عامة لأن هناك قنوات أقوى منها تعنى بالخصوص بالترفيه والرياضة والأفلام والمنوعات... هذا الأمر مجسد ميدانيا وهو ناتج عن غياب استراتيجية، و وجود صراعات مذهبية وعقدية داخل المجتمعات العربية، فنجد مثلا قنوات شيعية وأخرى سنية تحارب بعضها ولا تقوم بواجبها تجاه العدو الحقيقي الذي ينبذ تعاليم الإسلام، وتحيد عن مهمتها في توعية المواطن المسلم والنتيجة أن المشروع الإعلامي الديني مآله الفشل والاندثار. ولذا فإن المؤتمرين الحاضرين بجامعة مستغانم أمس حذروا من هذه الظاهرة، وأدرجوا ضمن توصياتهم إشراك وزارة الاتصال في هذا الموضوع ومطالبتها عدم منح الاعتماد لأية قناة مذهبية لأن ذلك سيشهد بروز عشرات القنوات ومعها عشرات الفتن والحزازات. وكدليل قاطع على نقص فعالية القنوات الدينية حاليا أن اليهود كانوا في حدود الستة ملايين نسمة بأمريكا لكنهم أسسوا لوبيات وإذاعات وقنوات تلفزيونية وأضحوا قوة نافذة،فيما بقي العرب -وهم عشرات الملايين بأمريكا- يمرحون ويأكلون ويشربون ببذخ ولم يشكلوا أية قوة ضغط حتى أنهم أصبحوا محل سخرية في كافة وسائل الإعلام العالمية. ففي 1946 لم يكن لليهود أي تأثير على المجتمع الأمريكي، فقامت مجموعة من الصهاينة بمحاولة لمّ شملهم، فقصدت المفكرين منهم وطالبت منهم كتابة مواضيع اجتماعية بالصحف آنذاك، ومع مرور الزمن تنوعت الكتابات واهتمت بها أعداد كبيرة من اليهود فتشكلت مع مرور الزمن المجموعات الصهيونية التي زاوجت بين المال والفكر للترويج لتوجهاتها المعروفة على مر السنين. ومن هذا المنظور واستغلالا لما سبق ذكره يتعين على الإعلام الديني في الجزائر السقوط في السلبيات التي تجعله قاصرا عن الوصول إلى فئات واسعة من جمهوره والتأثير فيه لأداء رسالته الثقافية والدعوية والحضارية خاصة وأن لدينا مواطنين مغتربين كثّر في الدول الغربية المعروفة بعدائها المتنامي للإسلام والمسلمين، هؤلاء يجب وقايتهم من التأثيرات السلبية لمضامين الإعلام الغربي الاستهلاكي والدعائي على نطاق واسع. وفي شق ذي صلة نقر مبدئيا أن بلادنا تفتقر إلى كوادر دينية ذات صيت عالمي بسبب قلة التكوين والتأطير وهو ما يحتم الاعتناء بهذا الجانب لتكوين إطارات كفأة في المجال الديني قادرة على تغيير وإعادة تشكيل الرأي العام ومجابهة الهجمات الإعلامية الشرسة ضد الإسلام. وبهذه الطريقة يتسنى فرض شريعتنا وسنة نبينا "صلى الله عليه وسلم" خارج بلادنا رغم أنف العولمة الجارفة والمطبّات التي يتوقع أن تعترض طريق هذا المسعى المبارك.