يلاحظ راصد واقع حقل النقد الأدبي بمؤسساتنا الجامعية على مستوى ابتكار المفاهيم وعلى صعيد الممارسة الخلاقة عدم تطور هذا الحقل، إلى جانب ضعف وازع الابتكار النقدي لدى الطلاب، إن ساحتنا النقدية الأدبية تفتقر إلى سند نظري يساهم فعليا في تحقيق هدفين؛ ويتمثل أولهما في تطوير الأجناس الأدبية وخلق المناخ للتجديد في الأشكال والمضامين، ويتمثل ثانيهما في بناء وتشكيل الذوق الفني الذي هو شرط جوهري للتوجيه الأخلاقي لدى شرائح القراء، والأدهى والأمر هو أن الساحة الأدبية ببلداننا تتميز بكثرة الأسماء التي أدركتها حرفة النقد عن طريق القفز بالمظلات، بدلا من الحفر عميقا لخلق حركة نقدية مكرسة لدراسة التجارب الشعرية والروائية والمسرحية والقصصية التي تعاني من الإهمال والنسيان. لا يمكن أن ينكر عاقل وجود أزمة عميقة مستشرية في مشهد النقد النظري والتطبيقي الأكثر جدة وحداثة في حياتنا الأدبية على المستوى العربي ككل ما عدا بعض الاستثناءات القليلة التي لم تجد لنفسها البيئة الثقافية والفكرية لتزدهر في فضائها وجراء ذلك ظلت فاعليتها محدودة، الأمر الذي حال دونها ودون تشكيل الثقافة الجديدة والوعي الجديد ، إن هذا الوضع السلبي قد أفرز ما يشبه موت الممارسة النقدية الأدبية المؤسسة على ركائز الفلسفة وغيرها من حقول العلوم الإنسانية، فضلا عن المصادر الأخرى التي لا يمكن أن يقوم النقد الأدبي المتطور دونها، بل إن الغالب عندنا هو ما يدعى بالتغطية الصحفية التي لا تتجاوز حدود تقديم الإنتاج الأدبي الإبداعي من خلال عمليات التلخيص والعرض الانطباعي المتسرع الذي يقوم به صحفيون غير مختصين. أعتقد أن هذا الوضع المتردّي يعود بالدرجة الأولى إلى عدة عوامل منها اكتفاء النقد الأكاديمي في مؤسساتنا الجامعية باستعراض وإسقاط المناهج والنظريات النقدية المستوردة من التجارب النقدية الأجنبية على النصوص التي ينتجها أدباؤنا إلى حدّ قد حوّل هذه المناهج والنظريات على أيدي هؤلاء الأكاديميين إلى قوالب معيارية جامدة وإلى ما يشبه سرير بروكوست ، صحيح أن جامعاتنا تدرس شذرات من المناهج والنظريات الغربية مثل البنيوية، وما بعد البنيوية، والتفكيكية والسيميائية، والشكلانية، والتحليل النفسي التقليدي وغيرها، ولكن هذا النمط من التدريس لمثل هذه المناهج والنظريات كثيرا ما يكون فريسة للميكانيكية جرّاء عدم ربط ظاهرة هذا المنهج أو تلك النظرية بالتجربة الحضارية التي أنتجتها وتحليل ودراسة البنيات الذهنية العميقة والشروط الاجتماعية التي كانت وراء ميلادها، إن هذا النوع من التدريس لا نجده أيضا مصحوبا بخلق فضاء الاجتهاد الذاتي الذي يمكّن من بلورة آفاق الإضافات والتعديلات والإثراء.