فقدت الجزائر في الأيام القليلة الماضية عالما من أكبر علمائها الأجلاء القلائل هي هكذا الدنيا يا عبد الرحمان يولد الإنسان رضيعا ثم يكبر ويحى ثم ينقضي الأجل ويفنى فيموت مصداقا لقوله تعالى كل نفس ذائقة الموت، وفي مقام آخر كل من عليها فإن وهكذا دواليك الحياة فقد فاضت روح العلامة المغوار عبد الرحمان الجيلالي بأمر من ربها وخالقها لتضاف إلى أرواح من اختارهم رب العزة إلى جواره مع الموعودين بجنات النعيم والمرحومين برحمته الواسعة التي هي حق ويقين. ما هو مستغرب وغير مفهوم هو غياب الرسميين حضور جنازة المغفور له وتوديعه إلى مثواره الأخير، مما طرح أكثر من سؤال والحال أن الرجل ما قصر في خدمة البلاد والعباد من وعظ وإرشاد وافتاء ومحاضرات باليل والنهار وتدريس في المسجد والجامعات فكان شغله الشاغل عبادة الله والتمسك بحبل الله المتين وبما أوصى به الإسلام واضعا نصب عينيه الآخرة ودار الخلود. وجاعلا وراء ظهره الدنيا ومحاسنها وهي التي أغمضت عيون كبار العلماء من أمثاله وجعلتهم ينساقون ويجرون وراءها حتى النهاية من غير شعور. أن المرحوم الداعية عبد الرحمان كان يعيش للشعب الجزائري بما تحمله هذه الكلمة من معنى فمؤلفاته الكثيرة تغني عن السؤال فهي منتشرة في كل مكان من تاريخ وفقه وعلوم ولغة وأصول وبلاغة وتفسير حفرت للجزائر مكانة عظيمة ورفعت عنها الضبابية التي غزتها سنين وسنين وغيرت نظرة الدول التي كانت ترى في الجزائر كلما ذكر إسمها كدولة لغتها العربية ودينها الإسلام بمقتضى التاريخ والعقيدة الإسلامية منذ 14 قرنا والذي أكده الدستور في مادته الثانية وفي مقدمة ديباجته فالمرحوم عبد الرحمن كان غيوراً على شعبه المسلم، ولغته العربية ومبادئه الإسلامية كان ذلك واضحا في محاضراته ودروسه وتأليفه التي تعد بالمئات وفي مخاطبة مواطنيه في الإذاعة الوطنية وفي برنامجه الشهير المعنون برأ ي الدين وأجوبته على أسئلة المواطنين على الأثير وفي الصورة مباشرة على شاشة التلفزيون كان فيها رائعا ومقنعا في اجابته لكافة مريديه ومستمعيه وهذا العمل التطوعي الدائم لا يقوم لا من كان في درجة المرحوم، العلامة عبد الرحمان من اخلاص وحب وتواضع ونسيان الذات وحب الحياة الدنيا بما فيها من مغريات التي هي ظل زائل وهشيم تذوره الرياح مما جعلها تضغر في عين فقيدنا المرحوم الذي قضى حياته في خدمة العلم وتطويره وتفسيره لخدمة الشعب الجزائري الذي ضحى بمليون ونصف المليون من الشهداء والمخلصين الصادقين في السر والعلني مع الملاحظة المؤسفة بعد غياب الرسميين لوداع فقيدنا العلامة عبد الرحمان لمثواه الأخير الذي لم يحضره الرسميون ولا من يمثلهم وبالأخص وزارة الشؤون الدينية بإعتبار الفقيد رجل دين وعلم أصيل ومن العلماء المحسوبين على هذه الوزارة فكريا وبإمتياز أكثر من غيرها من بقية الوزارات ومختلف المؤسسات فتعجب الجميع لهذا الغياب الكلي الذي طرح أكثر من سؤال وصيغ التعجب وعلامة استفهام عن عدم حضور الرسميين أو من يمثلهم في حالة الضرورة القصوى لأنا أمام عالم عظيم ومجدد للفقه في الطريقة والأسلوب فقدته الجزائر فجأة وهو في حالة عطاء خدمة لبلاده وشعبه وأمته ودينه الإسلام على مدى حقبة من الزمن كان فيها رائدا وفارسا من فرسان اللغة العربية وأسرارها فاللفظ الواحد عنده في كتاباته أو حديثه له أكثر من معنى وأبلغ من دلالة قد يحتج بها المحتجون ويرى فيها كل واحد نفسه على أنه المصيب وغيره المخطئ أنه فارس اللغة وعالم الأصول الشيخ عبد الرحمان الجيلالي الذي اختطفه المنون وهو في أوج عطائه وخدمة بلاده ووطنه حتى النخاع دون كسل أو ملل طيلةمشوارحياته المليئة وبالتربية والإرشاد كما لوحظ غياب التركيز في الصحافة العربية التي كتبت عن المرحوم بإحتشام بإستثناء جريدة الجمهورية التي كتبت عنه بإطناب وقدمت تفصيلات طبعتها الدقة والإحترافية المهنية والموضوعية العالية عن حياة العلامة الفقيد وما لعبه من أدوار أساسية كان لها فضل كبير في الشكل والمضمون قيمة وأخلاقا وإضاءة شفافة وتصورا للقارئ المتبصر الذي يرى الأمور بمنظار يخترق الحجب ويغص في المجهول ويصحح المسارات للراغبين في القراءة ما بين السطور إن جريدة الجمهورية وما قدمته من تحليل وتفسير عن الشيخ العلامة الوقور الذي لا يشق له غبار في المعرفة والدراية في كل الفنون ليس هذا مدحا ولكنه حق وواجب يقدم لمن أفنى حياته وأمضى شبابه من أجل الجزائر خدمة لله والوطن فشكرا لجريدة الجمهورية والقائمين عليها من مديريها العام إلى أبسط عامل من عمالها الكرام الذين تفهموا مكانة العلم والعلماء وما يحظون به عند الله وعند عباده الأخيار وهم الذين قال الله في حقهم إنما يخشى الله من عباده العلماء فقدناه وإلى الأبد وفي فقدانه خسارة وزر كبير بما لا يعوض أصلا فليس هكذا ما يبدو واضحا في التعامل للفضلاء بعد حلبهم من كل طاقاتهم وقدراتهم الفكرية إلى حد بعيد وهذا ما يبدو واضحا في التعامل مع قطب من أقطاب سادة المذاهب الأربعة وعلم من أعلامها الغيورين الذين تركوا بصماتهم في التحقيقات والتخريجات والتعقيبات الصائبة والمتعمدة في مجال التنظير والتطبيق من طرف مؤلفين ومراجعين لمؤلفات جادت بها قرائح المفكرين في ظروف ومجتمعات تغيرت فيها المفاهيم وتعددت الطروحات والإستنتاجات وفي المحصلة بإختصار يجب أن نتعلم ثقافة الإعتراف بالغير وبما قدمه ،ويقدمه الفرد والجماعة لخير البلاد وصالح العباد وأن نتر؛ الخلافات الشخصي جابنا التي هي في أغلبها سطحية وضارة للشعوب ونبتعد ما أمكن عن آفات النسيان وطي الصفحة عما قدمه الرجال دون إعتراف لا بالقليل ولا بالكثير لهؤلاء في ظروف قاسية ورياح عاتية وشكوك تبث هنا وهناك لعرقلة مسيرة النضال فجزء العاملين والمخلصين لأوطانهم يجب أن لا يكون جزاء سنمار قديما وهو المهندس العارف بأسرار هندسة العمران الذي أمره الملك الجبار ببناء أقصر له وتشييده على أن يكون فريدا من نوعه يفرغ فيه عبقريته ونبوغه المفرط فكان له ما أراد ولما أكمله ساوره الشيطان وأملى عليه قتل مهندس الديار وأقر في أذن خادمه المطواع الغدر، به ورميه من أعلى شرفة القصر ليموت في الحين كي يستريح الملك الخائن والخائر النية من بناء قصر آخر يماثله في الدقة والإحكام فقد أتيت بهذا المثل الذي لا ينطبق تمام الإنطباق على صورة الحالة كلها وإنما على جزء بسيط منها الغياب والنسيان الذي هو آفات الآفات قديما وحديثا. فالمرحوم العلامة عبد الرحمان كان مثالا للقدوة والصالح العام في بلاده وخارج بلاده على أمواج الإذاعة والأثير وفي كامل الأسبوع في التلفزيون ولم يبخل على شعبه بما أعطاه الله من علم وثقافة في الدين، بلغ ذلك بشتى الوسائل وكما هو مفهوم ومألوف كان بارزا في حب الوطن والإعتراف بشمائله وأخلاقه، ولما مات وإلتحق بالرفيق الأعلى، نسيه عظماء شعبه وسادة بلاده وهو ينقل إلى مثواه الأخير، من عالم الماديات إلى عالم الروحيات وهو مصير كل المخلوقات والسلام.