الحمد لله و الصلاة و السلام على رسول الله .. أما بعد: فإنّ الذين يفهمون معنى رمضان هم الذين يستقبلون شهرهم ليجددوا فيه صلتهم مع ربهم ،ويعيشون نهارهم عيشة الأبطال في المعارك، ويقطعون ليلهم بلذيذ المناجاة وصادق الابتهالات، فهم بين إيثار جميل، وصبر كريم، وتهذيب في الخلق نبيل. لا يقابلون الإساءة بالإساءة، ولا يردون البذاءة بالبذاءة، ولكنهم يحتسبون و يكتمون غيظهم وشعارهم في رمضان قول الرسول الأكرم (صلى الله عليه و سلم): و إن سابه أحد أو قاتله قال: إني صائم. أما الذين لا يفهمون معنى الصيام، فأولئك الذين يغضبون لأتفه الأسباب و يثورون لأسخف المواقف، أصحاب السلوكيات السلبية و ما أكثرهم، تراهم في كل مكان ينتشرون هنا و هناك، يمشون على وجوههم قترة الجوع و العطش، لا يعرفون من رمضان سوى وقت الإمساك و الإفطار، يسعون سعيا حثيثا في تضييع أوقات رمضان ما بين لعب و لهو وتتبع للمسلسلات الرمضانية ليلا نهارا، فإن فاتته حلقة أو حصة انشغل فكره و قويت عزيمته على استدارك الإعادة، فلا يفوّت شاردة و لا واردة من اللهو إلاّ و تراه أول الحاضرين، له في الأسواق كرات و فرات، همه و همته جمع ما استطاع من أكل و شرب، يتفنن في اقتناء أنواع المأكولات و المشروبات و الحلويات، حتى إذا ما أتى وقت الإفطار أشبعته اللقمة واللقمتين و أصيب بالتخمة التي تحول بينه و بين القيام. أصحاب السلوكيات السلبية هم أولئك الذين لا يتحملون المزحة و لا يحبون الابتسامة، تستشعر في أحدهم غبنا مع الصيام كأنما يحمل حملا تنوء الجبال عن حمله، لسان حاله يقول: لماذا تعذبونني بترك الأكل و الشرب، أمثال هؤلاء تجدهم في الأسواق يتعاركون، و في الشوارع يصرخون، وفي الدوائر الإدارية يتكاسلون، لا يخرجون من بيوتهم إلاّ للأسواق أو المحلات التجارية من أجل إشباع بطونهم، مكتوب على وجوههم: ممنوع الإقتراب .. ممنوع الكلام .. ممنوع الضحك ... ممنوع المخالطة حتى أفطر. أصحاب السلوكيات السلبية في رمضان في النهار عابسون و خاملون، كأنما جاء رمضان ليعذبهم بالجوع و العطش، وأمثال هؤلاء كان آباؤنا و أجدادنا يسمونهم بوسم بليغ، فيقولون: فلان غلبه رمضان. و معنى غلبه رمضان لا يقصد به المعنى المنتشر، بل كانوا يقصدون عدم قدرة الشخص على استغلال رمضان فيما ينفعه، وعدم فهمه لمعنى الصيام فجعله موسما للأكل و الشرب و النوم، وكم هم اليوم معنا ممن يغلبه رمضان فلم يدرك منه سوى تنويع الموائد و النوم الزائد.يتبع/...