أقف بالقرب من الأولاد، أراهم وكأن ضوء الفرح يكاد ينبع من صدورهم الفتية، فتضيء من السعادة. أتأمل هزار وأصدقاءه وصديقاته من مشارب ثقافية واجتماعية مختلفة، يزهو الفضاء بأصواتهم السعيدة وهم يتهيأون للذهاب لقضاء يوم في ( ديزني لاند باريس ) واحدة من أكبر مدن الملاعب في العالم، مكان بحجم مدينة يقصد جغرافيته بلهفة الجميع، من أطفال صغار وأطفال كبار. ولأن في داخل كل إنسان طفلا، فالجميع يملك رغبة البحث عن الفرح من نبعه قصد إيقاظ خيول الخيال النائمة في كل واحد منهم، خيول تركض في خيال كل واحد على حدة، تسابق الريح، مجنونةً، فتنعش الحياة في غرف الذاكرة المنسية بكل تلك المشاهد الحية المثيرة، وبممثلين بارعين داخل الدمى الضخمة، تجسد في الواقع الحي كل ما قرأه الزائر، أو ما شاهده، أو ما سمعه من حكايات عالمية في حسها الرومانسي فيشاهد بأم عينيه شخوص حكاية ساندريلا تتحرك أمامه ويخاطبها وتحادثه، وشخصيات قصة الأقزام السبعة وبياض الثلج، وأحدب نوتردام وازميرالدا، وشهرزاد و علي باباو الأربعين حرامي وغيرها من الحكايات التي وُشِمتْ بشغفٍ وحبرٍ سحري في ذاكرة أجيال عديدة متتالية وبلغات مختلفة. إنها أمامهم وبين أيديهم بطريقة مدهشة . وبينما أنا أقف بالقرب من الأطفال الذين كبروا، وهم يتهيأون لزيارة (ديزني لاند) وهم في ضجيجهم الجميل المحبب، أراهم وصدورهم تكاد تضيء من الفرح، فجأة حملتني غيمةُ الذاكرة فوق بساطها المطرز، لأتذكر حديدوان وحميميش البهلوان و ميمون كواكي، أتذكر زارعي الفرح الرائعين بوهران، و الذين مازال الأولاد يعلقون صورهم على محافظهم، وعلى أغلفة دفاترهم، أو يلصقونها على جدران غرفهم . هؤلاء ملأوا صدورنا وصدور أبنائنا وبناتنا باللحظات المكثفة من السعادة العميقة. حديدوان واحميميش البهلوان أجدهما موشومين في قلوبنا وذاكرتنا،ولأنهما صديقان حميمان لأبنائنا، أصبحا أفرادا من عائلاتنا، نتعرف على ملامحهما وابتساماتهما فينا، من خلال الواقع أو الشاشة، بألوانهما المنتقاة بذكاء، المثيرة الزاهية التي تشد الانتباه، وتنثر السعادة . ومن خلال اختيار ماكياج وجوهيهما اللذين يبدوان طيبين وقريبين من قلوب ونفوس وروح من يتفرج عليهما، سواء كان كبيرا أو وصغيرا. مسنا بطيئا، أو قادما بنبضه المتسارع إلى الحياة. حديدوان وحميميش البهلوان وكواكي وهواري محمد جديد، وثلاثي الأمجاد وغيرهم بألبستهم المتميزة، المختلفة، والمختارة بذكاء ودقة ، و التي لا تجعلنا نخطئ في التفريق بين أسلوب الواحد وأسلوب الآخر، وحركاتهم المحببة المضحكة والمسلية، وأصواتهم التي تسكن أعمق تلافيف الذاكرة، أتذكر للتوّ خشبات وهران المختلفة التي كانت تبث الفرح فينا وفي أبنائنا، نعم .. حديدوان واحميميش البهلوان وكواكي و ثلاثي الأمجاد يُغالون كثيرا في حركاتهم ويبالغون في كل شيء مثير، في الصوت، والحركة، واللون، كل ذلك من أجل رسم الفرح بامتياز على وجوه الحضور وفي قلوب الصغار والكبار في وهران وفي الجزائر! على الرغم من بعض الخلافات البسيطة التي كانت تعكر جو التنافس بينهم، ويمكن أن نعتبر هذا أمرا يدخل ضمن طبيعة التنافس بين المبدعين، إلا أنهم كانوا جميعهم خلاّقين للفرح رائعين، ومازالت أصواتهم المرحة تسكن زوايا المسرح الجهوي لوهران، وبعضها في مدن أخرى من الوطن. زهت قاعة قصر الثقافة بوهران وقاعات أخرى وبحضوركم ، ومازلت أسمع التصفيق لهم في الساحات التي مروا بها، بل مازلت عند كل عودة لي إلى وهران، وما أن أدخل قاعة من تلك القاعات و أجلس على أحد مقاعدها، حتى أكاد أرى المرحوم حديدوان البديع بفمه الضاحك، أو حميميش البهلوان بقامته العريضة يتحرك على الخشبة بينما عيون الأطفال تتابعه بفضول ودهشة ، بين صمت تارة وضجيج تارة أخرى، فتزهو القاعة المليئة على آخرها بزينة الدنيا. الأطفال، وكأنهم في عالم موازٍ جميل، مسالم،مريح،ينتصر الخير فيه دائما فلا يشبه ذاك العالم الذي جعله الكبار ثقيلا، ومرعبا، ومتعبا، وخطرا ومكروها بعد خلقوا فيه حروبا طاحنة، وظلما، وقتلا، وكراهية. الأطفال وهم في حالة ابتهاج أمام حديدوان ورفقائه، يرنون إلى حركاتهم، وحكاياتهم، ويتفاعلون مع شخصياتهم الوهمية ،فإما هم في حالة صراخ استجابة لسؤال حديدوان وهو يبحث عن رفيقه المختبئ خلف ظله، أوهم يصفقون منتصرين للعبة نجحت تحت أعينهم المندهشة . أو يغنون بجوانية وقوة روح نشيدا أو أغنية..إنهم الأطفال السعداء على الرغم من كل شيء . شكرًا لك حديدوان، شكرًا لك حميميش البهلوان، رحمة الرحمن عليكما، كم اشتقنا إلى حضوركما الجميل، حضور لا يستطيع شيء أن يشبهه، سوى ضحكة طفل سعيد ! شكرًا لجميع شبيهيكم في مهنتكم النبيلة. شكرًا لأنكما زرعتما شجرة الفرح في قلوب الأطفال وتركتماها تنمو بجمال وعلى مهل.