أثار قرار ثلاث دول إفريقية الانسحاب من ميثاق روما المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية , ردود فعل على أكثر من صعيد .و في مقدمتها موقف الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة المنتهية عهدته السيد بان كيمون , الذي استغل جلسة نقاش عام لمجلس الأمن الدولي ليوم 28 أكتوبر حول التعاون مع المنظمات الجهوية و الإقليمية ,ليسجل انشغاله بمشاعر القلق التى تعترى الدول الافريقية بالنظر إلى الإدانة التي صدرت عن المحكمة الدولية حتى الآن, و خصت الأفارقة وحدهم , على الرغم من وجود أدلة على ارتكاب جرائم في مناطق أخرى من العالم . و أشار بان كيمون أنه في الأيام الأخيرة أبدت ثلاث دول أفريقية نيتها بالانسحاب من المحكمة. معبرا عن أسفه إزاء هذه الخطوات، التي قد توجه رسالة خاطئة بشأن التزام هذه الدول تجاه العدالة. و أكد كيمون أن معالجة مشاكل سير المحكمة الجنائية الدولية من الداخل، ستكون أنجع من الكف عن دعمها . وأضاف الأمين العام أن الحيلولة دون وقوع الفظائع مستقبلا ، وضمان العدالة للضحايا، وفرض احترام قانون الحرب في أنحاء العالم بأسره هي كلها مهام يتعين عدم المخاطرة بالتراجع عنها في عصر المحاسبة و المسؤولية الذي عمل العالم بجد من أجل بنائه وتقويته. و كان الأمين العام لمنظمة الأممالمتحدة قد دعا في تصريحات سابقة الدول الإفريقية المنسحبة من المحكمة الجنائية الدولية إلى التراجع عن قرارها دون اتخاذ أي إجراء عملي للتكفل بالانشغالات التي عبرت عنها هذه الدول و لاسيما منها أخذ مجلس الأمن الدولي مقترحات و مطالب الاتحاد الإفريقي بعين الاعتبار بخصوص القضايا المحالة على المحكمة الجنائية الدولية . و كان الأمين العام السابق لمنظمة الأممالمتحدة السيد كوفي أنان ,قد وصف الانسحاب من المحكمة الجنائية التي تأسست في عهده , بالعار. و نقلت عنه الصحافة العالمية قوله :" إن بعض القادة (الأفارقة) يقاومون المحكمة الجنائية الدولية ويحاربونها"، محذرًا من إمكانية تصويتهم للخروج منها جماعيا , مؤكدا أنه إذا حدث ذلك "فسيكون بمثابة وصمة عار لكل منهم ولكل بلادهم"و رد على اتهاماتهم للمحكمة بالانحياز ضدهم بالتركيز على إفريقيا موضحا :" أن ثقافة الإفلات من العقاب والأفراد هم من تحاكمهم المحكمة الجنائية الدولية، ولا تحاكم إفريقيا". و نفس المواقف الرافضة للانسحاب صدرت عن السيد صديقي كابا رئيس مجلس الدول الأطراف في المحكمة الجنائية الدولية الذي دعا الدول المنسحبة إلى مراجعة قرارها مؤكدا في نفس الوقت ضرورة فتح حوار لمعالجة المشاكل التي تواجهها الدول الأعضاء مع المحكمة الدولية،و مشددا على الحاجة إلى محكمة جنائية دولية، وضرورة أن تعمل الدول سويا لمكافحة الحصانة والإفلات من العقوبة حول العالم. وقال صديقي إن المجتمع الدولي "سيتخذ مبادرات قوية" لجعل بورونديوجنوب أفريقيا تعيدان النظر في خطوتهما، وأكد أن "هناك حاجة كبيرة لقضاء عالمي اليوم أكثر من أي وقت مضى". من جهتها اعتبرت المدعية العامة لدى المحكمة الجنائية الدولية السيدة ، فاتو بن سودا، انسحاب ثلاث دول أفريقية من المحكمة يشكل "تراجعاً"، معبرة عن أملها في أن تواصل المحكمة عملها في هذه القارة، وذلك في أوّل تعليق لها بعد أن أعلنت بورونديوجنوب أفريقيا وغامبيا انسحابها من المحكمة. و نقلت الصحافة عن ذات المتحدثة قولها أن "التراجع كان متوقعاً، لأن المحكمة الجنائية الدولية حققت تقدماً"، بالتالي, لا تعتبر ذلك هزيمة للمحكمة بحيث تكون على وشك الإغلاق وأضافت في نفس السياق: "لا أعتقد أنه على الاتحاد الأفريقي أن يغلق أبوابه (في وجه المحكمة). في النهاية، نتقاسم القيم نفسها: السلام والأمن والاستقرار والعدالة.و أن نواصل تحقيقاتنا في أفريقيا وخارج أفريقيا هو أمر أساسي". كمادعت فرنساجنوب إفريقيا على الخصوص إلى إعادة النظر في قرارها بالانسحاب من المحكمة الجنائية الدولية.وقال المتحدث باسم الخارجية الفرنسية رومان نادال، في تصريح للصحافة في هذا الخصوص :" إن فرنسا مع شركائها الأوروبيين تعرب عن انشغالها وأسفها إزاء هذا القرار وتؤكد أهمية مكافحة الإفلات من العقاب لتحقيق المصالحة وإحلال سلام دائم". و ناشد نادال جنوب إفريقيا كإحدى الدول المؤسسة للمحكمة الجنائية الدولية، وتلعب دورا نموذجيا في الدفاع عن حقوق الإنسان إلى مراجعة قرارها". مؤكدا :" أن بلاده تدعم إطلاق حوار بناء حول آلية عمل المحكمة ونظام العدالة الجنائية الدولية لبحث سبل أخذ انشغالات جنوب أفريقيا بعين الاعتبار". موقف بريتوريا كان محل تنديد مدافعين عن حقوق الإنسان.مثل منظمة هيومن رايتس ووتش التي اعتبرت الانسحاب " ازدراء مفاجئا للعدالة من جانب دولة كثيرا ما عدت رائدة على المستوى العالمي في مجال العدالة لضحايا الجرائم الفظيعة". أما منظمة العفو الدولية فقالت :إنه يشكل "خيانة لآلاف الضحايا" ومن شأنه أن "يضر النظام القضائي الدولي".وحذر مدير معهد الدراسات الأمنية، أنتون دو بليسيس، من أن القرار قد يكون له "تأثير الدومينو" ويدفع دولا أفريقية أخرى إلى الخروج من المحكمة الجنائية الدولية. و في الجانب الآخر رحبت عدة دول إفريقية بقرار الانسحاب في مقدمتها السودان و إثيوبيا و كينيا, علما أن 53 دولة من أصل 54 عضو في الاتحاد الإفريقي سبق و أن صادقت على مقترح يقضي بالانسحاب الجماعي من المحكمة الجنائية الدولية . و من خارج إفريقيا سارعت الصين إلى تأييد الدول المنسحبة، وحثّت الخارجية الصينية في بيان لها الجنائية على احترام سيادة واستقلالية الأفارقة. و تعتبر الصين إحدى الدول الدائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي إلى جانب روسيا و الولاياتالمتحدةالأمريكية , لم توقع على ميثاق روما الخاص بالمحكمة الجنائية الدولية , و مع ذلك يمكنها التأثير على نشاط هذه المحكمة من خلال مجلس الأمن الدولي .