يلقب صافي بوتلة بالفنان المتفرد بسندباد الأصوات وهو أيضا المايسترو المتمرّد والموسوعة الموسيقية الجامعة للعديد من التخصصات على غرار التأليف والغناء والتلحين والتوزيع والإخراج وقيادة الأوركسترا.. مهندس موسيقي محنك ومتمكن، مصمّم بارع للنوتات ومستثمر ناجح في التراث، الذي يوظفه ليستحضر من خلاله التقاليد والعادات الجميلة ، ليرسم أحلى الإيقاعات وأجمل النغمات، التي تخترق القلوب والأذان، وتجعل السامع يبحر في عالم ساحر مليئ بالأفراح والمتعة، فنان شامل ، موهبته الفذة اختصرت له الطريق للوصول إلى العالمية ونجح منذ التجربة الأولى في وضع موسيقى الراي على مسامع العالم، فهو »منبع« الأحاسيس والإنفعالات والرعشة المحفوفة بالحدة وبالشدة وبالقوة والمتانة، هو أيضا »مجنون« الموسيقى والرومانسية ، الذي صال وجال عبر »الكوتشي« العالم على مدار ثلاثة عقود من الزمن، من عمر مسيرة فنية قضاها صافي بوتلة بين الجزائروفرنسا والولايات المتحدةالأمريكية وعدد من الدول الأوروبية ، وكلها محطات مهمة ، ميزت رحلته الطويلة في عوالم الموسيقى، التي أبى إلا أن يستحضرها ويتقاسمها مع الجمهورية في الحوار التالي: الجمهورية : ركبت السفينة لتبحر في أعماق عوالم الموسيقى عبر المعمورة، كيف كانت هذه الرحلة، التي دامت لحد الآن ثلاثين سنة كاملة؟ صافي بوتلة: كانت رحلة ممتعة للغاية، ومليئة بالسحر والجمال والخيال، والإنفعال والتأثير والحركة، حققت من خلالها مبتغاي وذاتي وبعضا من طموحاتي الفنية، التي لا حدود لها، ولا أزال لحد الساعة مسافرا في بحر الموسيقى الذي اعتبره سرّ وجودي وملاذي الوحيد ومتنفسي الأخير، وفي الوقت نفسه كانت رحلة شاقة ومتعبة ذلك أن العمل الجيّد والجاد يتطلب مني بحثا طويلا وتفكيرا مركزا ومتسعا من الوقت من أجل تقديم عمل متميز وفي المستوى يرقى إلى ما هو عليه في الدول المتقدمة والمتطورة في مجال الموسيقى والفن، وما وصل إليه فنانون عالميون تأثرنا بهم وتمنينا أن نصل إلى مكانتهم ونحقق النجاح الذي أحرزوه ، خلال مسيرتهم الفنية فما كان لي إلا أن أسير على خطاهم في مسار مغاير لأبرز هويتي وتراثي وأصالتي. المتتبع لمسيرتك الفنية، يلاحظ ميولك الكبير إلى تأليف موسيقى الأفلام، هل يعني هذا أنك تنوي التفرغ لهذا التخصص دون سواه؟ بطبيعة الحال لا، التأليف الموسيقي الخاص بالأفلام يعتبر أحد التخصصات التي أمارسها وأحبذ الإشتغال عليها كثيرا، وكوني متعدد التخصصات الموسيقية، فأنا أعمل في هذا النوع كلما أتيحت لي الفرصة أو طلب مني ذلك ، مثلما اشتغل على أنواع موسيقية أخرى، لا سيما الخاصة بالحفلات الضخمة وموسيقى الجاز وكذا التلفزيون والمسرح ، وفي الآونة الأخيرة عملت مع ناس الغيوان بالمغرب في مهرجان موازين الذي شاركت في دورته المنظمة في ماي 2010، فكل هذا التنوع مهم بالنسبة لي ، طالما أنه يثري تجربتي ويغذي موهبتي، حقيقة ألفت خلال مسيرتي الفنية، موسيقى العديد من الأفلام السينمائية، أذكر منها على سبيل المثال فيلم »الخبز الحافي « لرشيد بن حاج و»غرفة للإيجار« لخالد الحقار و»بقايا الحياة« و»ليتل سينغال« للمخرج الكبير والمتميز رشيد بوشارب و»تحية يا بن العم« لمرزاق علواش وبن بولعيد لأحمد راشدي و»خريف أكتوبر بالجزائر وبالتالي يمكنني القول أنني حريض دوما على العمل في هذا التخصص، ربما هذا نابع من حبّي الكبير للسينما، لكن لا يمكنني على الإطلاق المفاضلة. أو الإنحصار في لون موسيقى معين أو في تخصص واحد، طالما أنني قادر على العطاء في كل أنواع الموسيقى التي درستها وتخصصت فيها وقدمت من خلالها كما هائلا من الأعمال الجيدة والمتميزة التي أعتز بها كثيرا.. تعاملك مع خالد في ألبوم "كوتشي" كلل بنجاح باهر على المستوى العالمي، لكن هذه التجربة توقفت عند هذا العمل ولم تتكرر لحد الآن، لماذا؟ - تعاملي مع خالد في ألبوم "كوتشي" الذي صدر سنة 1988 كان تجربة مهمة لي وله وناجحة على كافة المستويات بإعتبار أن هذا الألبوم صنف ضمن قائمة المائة ألبوم الأولى في العالم خلال القرن العشرين، »لكن هذا لا يعني أننا سنظل نعمل سويا طوال العمر..« فلكل واحد منا أفكاره ونظرته للأشياء مغايرة تماما للآخر وبالتالي رأينا بأنه من الأجدر أن ننشق ليواصل كل واحد منا العمل في الطريق الذي إختاره ورأى أنه الأنسب له من أجل تحقيق أهدافه وإثبات ذاته على الساحة الفنية، فأحيانا أحس بأشياء قوية تتصارع بداخلي تدفعني إلى الإنفراد بنفسي والعمل لوحدي لأفرغ فيض ما أشعر به والذي أترجمه وأعبر عنه من خلال الموسيقى. ما سر عشقك لموسيقى التراث لاسيما الموسقى التارڤية؟ - أنا من أشد المتشبتين بموسيقى التراث التي تعكس هويتنا وأصالتنا وفضلا عن هذا فهي مليئة بالطبوع والطقوس المتميزة، لكن لدي ميول غير عادي للموسيقى المشحونة بالطاقة والحركة النابعة من إنفعال الأحاسيس، كما هو الحال في الموسيقى التارڤية التي أحبها كثيرا وأجد راحة ومتعة لا توصف في الإشتغال عليها، والسر في ذلك يكمن في أنها بسيطة وطبيعية فهي بعيدة عن التكلف وخالية من التصنع، وهو ما يجعلني أميل لها بشكل كبير فأنا أعشق موسيقى "جذيب" لأنها تساعدني أكثر على التألق والتعبير وتسافر بي في عالم ساحر مليء بالأصوات والإيقاعات الجميلة. ماذا عن الموسيقى العربية، هل لا تزال تشغل حيزا من إهتماماتك؟ - أكيد، إذا كنت قدتأثرت بعمالقة الموسيقى عبر العالم ممن دخلوا التاريخ على غرار بيتهوفن وديدي منت آبا وجيف بيك، وغيرهم من الأسماء الفنية الثقيلة ممن رسموا وتفننوا في صنع الموسيقى العالمية، إلا أنني من أشد المتأثرين بما قدمه عمالقة الفن في الوطن العربي لاسيما العنقى وأم كلثوم وغيرهم من المطربين الكبار، فكل واحد من هؤلاء ساهم بشكل أو بآخر في صقل وصناعة موهبتي وتكوين شخصيتي الفنية، وبالتالي فالموسيقى العربية سواء كانت مغاربية أو شرقية تحتل مكانة مهمة في موسيقاي، بل وفي حياتي الفنية، وقد كلل هذا الحب بتعاملي مع العديد من الأسماء اللامعة سواء من ناحية التلحين والتوزيع أو الإخراج على غرار ألبوم "يا بنت" للفنانة أمل وهبي و"ڤوراية" لجمال علام، و"قلبي" للفنان المغربي عبدي وكذا ألبوم "الليالي" للفنانة اللبنانية نوال الزغبي من إنتاج شركة روتانا، فكل هذه الأعمال وغيرها أعتز بها، كونها حققت نجاحا كبيرا وحظيت بإعجاب الجمهور في الوطن العربي. ما هي قراءتك لواقع الفن في الجزائر؟ - بلدنا يتوفر على زخم ثقافي وفني يعادل ما هو موجود في قارة بأكملها وأكثر من ذلك، هناك طاقات شبانية هائلة تتمتع بمواهب خلاقة إلا أنها للأسف الشديد غير مستغلة بسبب إنعدام المدارس المتخصصة الكفيلة بضمان التكوين الحسن والأفضل والتأطير الجيد لهؤلاء الشباب، صحيح هناك معاهد موسيقية لكنها حسب رأيي غير كافية بالنظر إلى الأعداد الهائلة للمواهب الموجودة التي لم تجد من يأخذ بيدها وعليه لابد من توفير الإمكانيات المادية والبشرية اللازمتين من أجل إحتواء الوضع والنهوض بالفن وتقديمه للعالم بإحترافية عالية وفق المقاييس المعمول بها دوليا طالما أننا نتوفر على المادة الخام والمتمثلة في المواهب الشابة فمعظم الأسماء القليلة التي تنشط على الساحة إجتهدت لتفرض وجودها وموهبتها بنفسها بل يمكن إعتبارها أنها عصامية التكوين لقد سجلنا تأخرا كبيرا بما فيه الكفاية لا سيما من ناحية الوسائل والعتاد والهياكل ومستوى تنظيم الحفلات حتى الأشياء التي كان بإمكاننا أن ننجزها في سنة إستغرقنا عشرة سنوات من أجل تحقيقها وتجسيدها على أرض الواقع وهذا بطبيعة الحال لا يخدم الفن على الإطلاق صحيح أن التظاهرات الثقافية الكبرى التي إحتضنتها الجزائر في السابق لا سيما المهرجان الثقافي الإفريقي الثاني وتظاهرة الجزائر عاصمة الثقافة العربية ساهمت إلى حد ما في بعث الحركة الفنية نظرا للميزانية المعتبرة التي رصدت إليها لكن بمجرد إختتام هذه التظاهرة يتلاشى كل شيء وتتوقف الحركة الفنية إن العمل الفني أو الثقافي بشكل عام يتطلب الديمومة والإستمرارية وعلينا ألا نجعله مرتبطا بمناسبات معينة ومواعيد محددة حقيقة ليس من السهل إستدراك تأخر دام عشر سنوات أو أكثر المهمة ممكنة لكنها ليست بالصعبة أو المستحيلة لأن إصلاح الوضع يتطلب وقتا طويلا وإرادة من فلاذ من أجل التكفل بتكوين الشباب وفتح المدارس لصقل المواهب والإنفتاح على العالم على ذكر المدارس أين وصل مشروعك المتعلق بفتح مدرسة متخصصة في التكوين الموسيقى الذي أعلنت عنه منذ عدة سنوات؟ فعلا كان لدي مشروع طموح يتمثل في إنشاء مدرسة دولية للموسيقى تعمل وفق المقاييس المعتمدة عالميا تضمن التكوين العالي والمحترف للجزائريين والأجانب لا سيما الأفارقة على غرار تلك الموجودة بالولايات المتحدةالأمريكية التي تحتضن كل موسيقيي العالم المشروع أودعته لدى رئاسة الجمهورية لكن الملف تم تحويله إلى وزارة الثقافة ربما أخذت مني موقفا بإعتبار أنني لم أتلق منها أي رد حيال هذا المشروع المهم أني كنت أعول عليه كثيرا وتمنيت تجسيده ببلدي خدمة لأبناء وطني حتى يستفيدوا من التكوين النوعي والعالي والمحترف في مجال الموسيقى وإن إقتضى الأمر إحضار مكونين وأساتذة من الخارج المهم النتيجة التي سنصل إليها على المدى القريب ماذا عن المشاريع التي كنت تعتزم إنجازها مع قناة نسمة؟ قبل تردي الأوضاع بتونس كنت بصدد التحضير لبرنامج موسيقي أسبوعي لقناة نسمة الموجهة لجمهور المغرب العربي هذا المشروع سبقه آخر في 2009 ويتمثل في إعداد برنامج كبير خاص بستار أكاديمي المغرب العربي لكنه ألغي لأسباب ما. أين رست بك سفينة الموسيقى؟ في مدن ثلاث الجزائر ، فرنسا والولايات المتحدةالأمريكية حيث لا أزال دائم التنقل بينهم فحياة الموسيقى بالنسبة لي غير مستقرة وهي الميزة التي ينفرد بها دون غيره طالما أنه يقدم عملا يمكن أن يزاوله أينما حل ووجد لكن بالموازاة أنا أشتغل في العديد من البلدان الأوروبية لا سيما إيطاليا وبلجيكا وبريطانيا التي أحيي فيها حفلات كبيرة ماذا لوحدثتنا عن إبنتك صوفيا التي اختارت الرقص عوض الموسيقى؟ في الواقع لم يحصل لي أن تدخلت في عملها بل تركت لها الحرية لاختيار الطريق الفني الذي تراه الأنسب لها وفعلا تمكنت من تحقيق نجاح كبير في الرقص والكوريغرافيا بالولايات المتحدةالأمريكية أنا فخور بها لأنها فنانة مجتهدة ومثابرة .