ماأقدم عليه نظام الرئيس الأمريكي أوباما في بحر هذه الأسابيع الماضية في إستخدامه الفيتو ومعارضته لإدانة إسرائيل لدى التدخل الفلسطيني أمام مجلس الأمن وشرح وجهة نظر الشعب الفلسطيني المنسجمة مع مضمون القوانين الدولية وحقوق الإنسان والشعوب كشعب فلسطين الذي طال أمد حلها بتلاعب بعض الدول الكبرى وعلى رأسها أمريكا، من كلينتون إلى بوش إلى أوباما في الوقت الذي تشتدق فيه هذه الدول بالديمقراطية والحرية، وحقوق الإنسان، وحتى أنها تهدد المخالفين بعدم احترامها وخرق بنودها وعدم الإلتزام بها، وهو الشيء المغيب عندما يتعلق الأمر بإسرائيل وتطاولها على كل القوانين. ومع القضية الفلسطينية بالذات، فكل شيء مباح ومسموح به، لا إدانة ولا عقوبة، لا تهديد ولا تنديد، فازدواجية المعايير أصبحت مألوفة ومتخذة في القضايا العربية والإسلامية بشكل ملحوظ، ما هو غير مفهوم أن هذه الدول مازالت تنظر إلى أمريكا نظرة مخلص. إن الرجل الذي كان محل تقدير وإعجاب وعلقت عليه الدول العربية والإسلامية كل آمالها في أول وهلة من تنصيبه، ومن منطلق خطابه الشهير الذي خصص فيه أوباما جزءا مهما للقضايا العربية والإسلامية داعيا إياها إلي تغيير وجهة نظرها والتعاون مع أمريكا بقلب مفتوح وصدر مشروح في بناء الجسور، تلتقي فيها مصالح الشعوب العربية مع المصالح الأمريكية في شفافية ووضوح، كان كل ذلك كلاما مضللا وفارغا، وبمثابة ذر الرماد في العيون، ولا أثر لما تحدّث به أوباما ووعد به في خطابه الذي ألقاه بالقرب من مقر الأزهر الشريف بالقاهرة، كما أعقبه مباشرة فشله الذريع مع نتنياهو في وقف الإستيطان الذي لم يتوقف حتى الآن، فإسرائيل ماضية في احتلالها للأراضي الفلسطينية وبنآء المستوطنات وإحاطتها بأسوار شاهقة وأسلاك مكهربة قاتلة، وكل شيء يتم بانتظام وسرعة فائقة وعلى مرأى ومسمع من دوائر الغرب والأمريكان، حتى إذا ما حان وقت الحساب ودقت ساعة الرحيل لشذاذ الآفاق اليهود من الأراضي الفلسطينية المغتصبة عن طريق التآمر الدولي والإحتلال غير المشروع مع اليقين بأن هذا الرحيل غير وارد اليوم أو غدا، لكن فقدان التوازن الدولي وارد ودوام الحال من المحال وإرجاع المياه إلى مجاريها، وستقرر فيه الشعوب حقوقها بأيديها، وطبقا لمجريات التاريخ المليء بالمفاجآت التي لم تخطر على بال أحد، فالمتغيرات أبوابها مفتوحة وبدون أقفال. إن إن تغيير طبيعة الأراضي الفلسطينية من مزارع وأجنة خضراء إلى عمارات عالية تناطح السماء، ومدن حضرية متطورة غير قابلة لتنفيذ ما حكمت به المحاكم الإسرائيلية بإنصاف الفلسطينيين في تلك الأراضي التي سعت إسرائيل إلى تغيير طبيعتها في فترة وجيزة بسوء نية مع سبق الإصرار والترصد حتى لا يبقى في تلك الأراضي ما ينفذ عليه ما قضت به تلك الأحكام، وفي إطالة المفاوضات من مباشرة وغير مباشرة خديعة مدبرة لا تخدم القضية الفلسطينية بقدر ما تجعلها فاقدة لحق الفلسطينيين الثابت تاريخيا وواقعيا منذ الأزل. إن أمريكا لم ترض ولن ترضى بمساءلة إسرائيل ولا بإحراجها من قبل العرب ومن أي كان، والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة منها على سبيل المثال لا الحصر ما و قع الأمر بمعارضتها لحق النقض »الفيتو« ضد الطلب الفلسطيني المشروع الذي أشهره الفلسطينيون في وجه إسرائيل لمطالبة مجلس الأمن بإنصافهم وإدانة إسرائيل، لكن أمريكا عارضت الطلب، واتخذت ما كان متوقعا منها أن تقوم به بالرغم من موافقة أعضاء مجلس الأمن بالحق الفلسطيني بإجماع دولي باستثناء إسرائيل، فأين الجامعة العربية التي أكل عليها الدهر وشرب برئاسة عمرو موسى، وأين القوانين الضابطة لحقوق الإنسان والشعوب؟ وما إلى ذلك من القوانين والتشريعات التي تتبول عليها إسرائيل أمام المجتمع الدولي الذي لايستحق هذه التسمية، فأين الديمقراطية التي يطالب بها الغرب والأمريكان؟ وأين الدول العربية الصديقة لأمريكا في السراء والضراء؟ والتي تمدها بالنفط وأسرار الجيران، فكل هذا الكرم الحاتمي وأكثر من هذا في أعين حكام البيت الأبيض لا يساوي جناح بعوضة إذا ما تعلق الأمر بقضية إسرائيل مع دول العالم الثالث المغضوب عليها غربيا وأمريكا دون استفاقة رشيدة أو مواقف عربية سيادية أصيلة تطفئ الغليل وغضب شعوب هذه الدول المنتفضة أصلا هنا وهناك، فالعداء الدفين في الفكر الغربي يتحرك دوما ضد كل تحرك عربي وإسلامي ومراقبته بدقة متناهية في رؤى حاقدة وقذارة لعينة بما يملأ سماء الغربيين بالكراهية والنفاق الذي استخدمه أوباما وقبله بوش مع الفلسطينيين ويقوم بتنفيذه أوباما بعدما أخذ ثقة المغفلين من العرب والمسلمين منذ توليه منصب حاكم واشنطن، وهو يواصل سرقة ثقة هذه الشعوب مواصلا تنفيذ ما اخترنه قادة أمريكا السابقون من إنكار لحق الشعوب المضطهدة والمظلومين من كراهية وعداء قديم وحديث، أفلا يكون ما حدث في بحر الأسابيع الماضية من قرار جائز في حق قضية الشعوب العربية الأم، قضية الشعب الفلسطيني المطحون داخليا، وعربيا، إقليميا، ودوليا في معاناته منذ ثمانية وأربعين وتسعمائة وألف في عالم يتميز بالنفاق وإزدواجية المعايير بشكل مفضوح ترفضه وتتقيأه كل الشعوب العربية من غير استثناء، والسلام.