145 غارة صهيونية على لبنان خلال ال24 ساعة الماضية    غزة: استشهاد 50 فلسطينيا في قصف للاحتلال الصهيوني على شمال القطاع    غزة: ارتفاع حصيلة العدوان الصهيوني إلى 43846 شهيدا و 103740 جريحا    إقبال واسع على جناح جامع الجزائر    طلبة في ضيافة البرلمان    احتجاجات عارمة بالمغرب    صايفي يرافق الخضر    بن عراب تتوّج بجائزة في الإمارات    السيد مراد يشرف على تنصيب والي عين تموشنت الجديد    مخزون فوسفات بلاد الحدبة قابل للاستغلال ل80 سنة    "عدل 3".. أقطاب سكنية بمخططات مبتكرة    المرصد "الأورو متوسطي" يكشف جرائم صهيونية جديدة    مظاهرات حاشدة بمدريد للمطالبة بحقّ الشعب الصحراوي في تقرير مصيره    المغرب مازال مستعمرة فرنسية.. وأوضاعه تنذر بانفجار شعبي    الأمن الغذائي والمائي أولوية للرئيس تبون    الجزائر المنتصرة تدخل مرحلة جديدة من الإنجازات    سيدات اليد الجزائرية يرفعن الرهانات بحجم الدعم والمرافقة    نخبة الكانوي كياك في مهمة التأكيد بتونس    أواسط "المحاربين" لتحقيق انطلاقة قوية    الوالي الجديد يحدد الأولويات التنموية    124 أستاذ جديد بوهران استلموا القررارات النهائية    شعراء يلتقون بقرائهم في "سيلا 2024"    الرابطة الأولى موبيليس/الجولة التاسعة: اتحاد الجزائر يلتحق بجاره مولودية الجزائر في صدارة الترتيب    الاجتماع البرلماني حول المناخ بأذربيجان: التأكيد على التزام الجزائر بمواجهة التحديات البيئية    لطفي حمدان أول جزائري يترجم "1984" إلى العربية    "ميناء بجاية" لمشهد ب"داليمان"    اختتام الطبعة ال 27 لصالون الجزائر الدولي للكتاب    الرابطة الثانية لكرة القدم هواة: شبيبة تيارت و اتحاد الحراش يشددان الخناق على المتصدرين وأول فوز للمشرية    وزير الطاقة والمناجم يعطي إشارة انطلاق أشغال فتح منجم الفوسفات بمنطقة بلاد الحدبة بتبسة    قانون المالية 2025: الوزير الأول يخطر المحكمة الدستورية بالنظر في دستورية بعض التعديلات    افتتاح الصالون الوطني للعسل بعنابة    سيلا 2024 : ندوة بالجزائر العاصمة حول كتابة التاريخ ونقله للأجيال    الجزائر العاصمة: 13 جريحا في حادث انحراف حافلة لنقل العمال    غرداية: 9 مخططات توجيهية للتهيئة والتعمير لفائدة الولاية    الجزائر- بريطانيا: لقاء بمجلس اللوردات حول الشراكة الثنائية    أعضاء مجلس الأمة يصادقون على نص قانون المالية ل2025    تصفيات كأس إفريقيا للأمم 2025/الجزائر- ليبيريا: تصريحات اللاعبين الجزائريين في المنطقة المختلطة    الصالون الدولي للكتاب: ندوة تاريخية حول الثورة الجزائرية في الكتابات العربية والعالمية    كريكو تستقبل وزيرة صحراوية    هذه استراتيجية الحكومة لكبح جنون الأسعار    الخضر يُواصلون مسيرة اللاهزيمة    حيداوي في قمّة الشباب الإفريقي بأديس أبابا    الاسْتِخارة.. سُنَّة نبَوية    حملات مُكثّفة للحد من انتشار السكّري    13 حافلة للتكفل بتلاميذ كل الأحياء    توقيف 12 مطلوبا لدى الجهات القضائية    الصيدلي يلعب دورا محوريا في اليقظة الاستراتيجية للدواء    عرقاب يستقبل أوزسليك    وزارة الخارجية تكذّب    الرئيس يعزّي الشيخ سيدي علي بلعرابي    حوادث المرور: وفاة 5 أشخاص واصابة 264 آخرين بجروح خلال ال24 ساعة الماضية    انطلاق أشغال المؤتمر الوطني ال8 للفدرالية الجزائرية للصيدلة    اليوم العالمي للسكري: تنظيم أنشطة تحسيسية وفحوصات طبية طوعية بأدرار    إطلاق حملات تحسيسية حول الكشف المبكر لمرض السكري    الأمل في الله.. إيمان وحياة    الجهاد في سبيل الله    المخدرات وراء ضياع الدين والأعمار والجرائم    نوفمبر زلزال ضرب فرنسا..!؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أصالتنا المهانة... في مصر الكنانة
بسم الله الرحمن الرحيم
نشر في الشروق اليومي يوم 09 - 02 - 2010

ما كنت أريد يعلم الله أن أعود إلى تحريك السكين في الجرح النازف، في تأزم علاقات الجزائر ومصر الكروية. فقد حسبت أن صفارة الحكم قد أطلقت، فأطفأت أضواء الملاعب، وهدأت بقايا الانفعالات والمتاعب، وعاد إلى وكره المدرب واللاعب والمناصر والمشاغب.
*
لقد انتصرنا كجزائريين في التأهل إلى كأس العالم بعد "اللّتَتَّى والّتى"، كما سبق وأن أشرت في مقال سابق، وانكسرنا في التأهل إلى كأس إفريقيا، بسبب "اللّتَّتى والّتى"، وما بين الانتصار والانكسار، دروس ومعان ينبغي أن يعيها الصغار والكبار.
*
كنت ظننت أن هذه الصفحة، صفحة التوتر بين الشقيقتين الجزائر ومصر، قد أغلقت بإغلاق أبواب الملاعب، لكن ردود الفعل التي أعقبت تأهل الفريق الوطني المصري الشقيق، وإحرازه كأس إفريقيا، قد جاءت مخيبة للآمال، في جانبها الاستفزازي للشعب الجزائري، بالغمز في أصالته، والنيل من رموزه وعراقته إلخ.
*
أقول كنت قد طويت هذه الصفحة من مرآة اهتمامي في الكتابة، لولا أن قراءً أعزاءً محترمين، استدرجوني إلى الكتابة، مداعبين نخوتي، ومغازلين لوعتي.
*
فهذه الأستاذة اعتدال دبابش، عضو المجلس الوطني لجمعية العلماء عن شعبة بسكرة بعثت إلى، منتفضة برسالة، تستشيط غضبا، وتنفجر لهبا، حملت رسالتها التي جاءت في شكل مقال عنوانه: "درس لمن علمونا العربية، من أخيب تلميذ جزائري في اللغة العربية" قالت الكاتبة في مستهل كلامها: "أنا لا أدعي في العلم معرفة، ولا في العربية عرفانا، ولكنني رغم معرفتي البسيطة بأبجديات اللغة العربية، ورغم أن أستاذي في بداية غوصي في بحار هذه اللغة كان مصريا ذكره الله بكل خير إلا أننا كنا نجد في لهجته تناقضا بين ما نقرأه ونتلفظ به نحن الجزائريين، لما في لساننا من فصاحة، ولما فطرنا الله به من حب اللغات، وشغف في اكتسابها، أيا كانت هذه اللغة" ... "ولهذا نجد الشعب الجزائري في أغلبيته، يتقن كل اللهجات العربية سواء أكانت خليجية مشرقية أو مغاربية، وهذا في حد ذاته يمثل عبقرية هذا الشعب الجزائري بفطرته وطبيعته، مما يجعله غير محتاج البتة إلى أن يستورد العبقرية من أية بقعة من بقاع الدنيا، ولا من أمها (الدنيا)".
*
وتمضي السيدة اعتدال، في ثورتها، دفاعا عن أصالتها المجروحة، وعروبتها المقروحة، فتضيف قائلة: "كان ذلك في بداية السبعينيات، وكنا نستغرب من لهجة أستاذ اللغة العربية، فنجد مثلا أنه لا ينطق الضاد، والعربية لغة الضاد، وهي تتميز عن باقي لغات العالم بهذا الحرف السحري. كما أنه لا ينطق الجيم، وهو حرف مهم في بلد الجَمال والجِمال. كما أنه لا ينطق القاف، وهي سورة كاملة في القرآن الكريم، ونحن نعرف أن القرآن إذا لم يقرأ بشكله الصحيح فلن تدرك الغاية المطلوبة".
*
وتختم ابنة الصحراء، اعتدال خطابها الطويل قائلة: "أنا في هذه العجالة أكتب لكم من مدينة الفاتح عقبة بن نافع، وأبي المهاجر دينار، وثلاثمائة وستين صحابيا أجلاء، من أجدادنا الأفاضل الذين استشهدوا دفاعا عن كلمتي لا إله إلا الله محمد رسول الله، وصاهروا الأمازيغ الأماجد الذين عربهم الإسلام، فعرفوا الحق وانصهروا فيه، واتبعوه، وأبقوا على أصالتهم باستماتة قادتهم وعلمائهم، في الدفاع عن هويتهم إلى آخر قطرة من دمائهم".
*
كانت هذه الانتفاضة الأولى التي جاءت كرد فعل، لمن حاولوا من بعض الإعلاميين الأشرار، وبعض الفنانين الأغرار، وعالم أزهري، نشاز كقطعة الغيار، اجتمعوا جميعا -سامحهم الله- على كفرنا، وجهلنا، وهجانتنا، وإن حاكي الكفر ليس بكافر كما يقال.
*
وجاء رد فعل آخر على هذه الاستفزازات والاتهامات، من قارئ عزيز آخر هو الأستاذ مصطفى بن عبد الرحمن، عضو المجلس الوطني لجمعية العلماء بمدينة العلم والإصلاح قسنطينة.
*
بعث إلي هو الآخر برسالة وقصيدة، دبجها بقوله: "بعد السلام، أبعث إلى سعادتكم هذه القصيدة التي ألفها الجد العلامة ابن السنوسي بن عبد الرحمن الديسي رحمه الله تعالى، وهي قصيدة رثاء لابن له مات صغيرا، يدعى "دحمان" أظنها ألفت سنة 1942م، وهي رد على من قال إن الجزائريين لا يحسنون الحديث باللغة العربية.
*
التوقيع ابنكم محمد مصطفى بن عبد الرحمن الديسي".
*
ذلك هو رد فعل هذا الحفيد الوفي لجده وللجزائر، الذي هاله ما يكال لوطنه وشعبه من تهم، بالجهل ونفي للأصالة. ومما يضفي على هذه الرسالة قيمة، وللقصيدة أهمية، أنها نظمت منذ أكثر من نصف قرن، ومن واحة جميلة هي واحة "الديس" المتصلة ببوابة الواحات الصحراوية بمدينة بوسعادة العريقة.
*
والقصيدة على ما فيها من لوعة رثاء، ونغمة حزن، تعبر عن جزالة في اللفظ، وتجذر في المعنى، مما يترجم عمق الأصالة العربية الإسلامية للشعب الجزائري.
*
يستهل الشاعر مرثيته بقوله:
*
عهدتكِ نفسي، أن شيمتك الصبر
*
وسيّان في أخلاقك، الحلو ، والمرّ
*
فلست أراك تجزعين لحادث
*
وإن حل، أو خطب وإن فقد الأزر
*
*
وينتقل الشاعر الديسي إلى حوار مع النفس حول المصاب الجلل، فيخاطبها:
*
*
فقلت: دروع الصبر أجمل عدة
*
وريب المنون، دأبها، ذا وأكثر
*
*
قضاء الإله، شامل كل كائن
*
*
إله له البقاء، والخلق، والأمر
*
*
ويختم قصيده متسائلا:
*
فأين الذين قد رأينا "بديسنا"
*
أناسا، لهم علم، وفضل، ومفخر
*
ودين، وتقوى، واحتشام وهمة
*
*
تفوق الثريا، والمآثر تؤثر
*
حدا بهم حادي الحِمام كغيرهم
*
وصاروا إلى الأحداث مثواهم، القبر
*
هذان نموذجان لردود الفعل الكثيرة التي هزت مشاعر الشعب الجزائري، عندما أصيب في مواطن الكرامة، والأصالة من تاريخه، ويضيق المقام لو أننا استعرضنا نماذج أخرى، ولكن حسبي أن استشهد في هذا المقام، بقارئ مصري من نوع خاص، إنه الدكتور المصري، علي موسى الشوملي، الذي، حقق لنا ألفية العالم الجزائري يحيى بن عبد المعطي بن عبد النور الزواوي، واشتهر باسم ابن المعطي. هذا العبقري الذي ألف ألفيته المشهورة، وهو شاب لم يتجاوز بعد الحادية والثلاثين من عمره. وكان ذلك في نهاية القرن السادس الهجري (595ه)، يقول الباحث المصري الدكتور علي موسى الشوملي عن هذا العبقري الجزائري في اللغة العربية: "وكفى ابن معط فخرا أنه قد أوجد هذا النمط التعليمي المتكامل في النحو العربي، بعد أن لم يكن موجودا، وأنه أول من استعمل لفظ الألفية، وتبعه الآخرون" (انظر شرح ألفية بن معطي، طبعة دار البصائر للنشر 2007، المقدمة).
*
إننا بهذا لا نمن على أحد، ولكننا نسعد أن تأتي الشهادة من داخل مصر العميقة، فيكون الرد من المتخصصين، الأصلاء، على المتلصصين الدخلاء، وحسبنا في هذا المجال ما قاله المتنبي:
*
وإذا أتتك مذمتي من ناقص
*
فهي الشهادة لي بأني كامل
*
وما نطمئن به قراءنا الأعزاء، هو أن الغثائيين الذين طفوا على ساحة القنوات الفضائية، لا يمثلون الشعب المصري العريق الذي يحب الجزائر، وتحبه، فليهنأ ابن باديس، والإبراهيمي، وأبو اليقظان، ومحمد العيد، ومفدي زكريا، والسائحي، وسحنون، وغيرهم من بلابل البيان في الجزائر، أن لا خوف على غرسهم، فسيظل:
*
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسب
*
من قال حاد عن أصله أو قال مات فقد كذب.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.