كلما ينبعث بصيص أمل في آخر النفق العربي، إلا و تفاجئنا أحداث جسام تطفئ ذلك البصيص، وتمد في ظلمات النفق حتى يعاودنا اليأس ونعدل من ساعاتنا وننتظر الفرج الذي لا يأتي، فما كدنا نرى سعياً و لو بسيطاً من بعض القوى العظمى لجمع مسؤولين عربا، حتى نفاجأ بأن جمعهم لا يهدف إلى طي الصفحة أو تجاوز الأزمة أو تنقية الأجواء بينهم، بل إلى تجييش العرب ضد إيران اليوم، وربما ضد تركيا غدا، وهو ما لا يخدم مصالح العرب ولا يحل مشاكلهم، بل يزيد من إضعاف أمة المسلمين وتشتيت المشتت منها وإحكام القبضة الأجنبية على مقدراتها. ثم إن ما وقع في إسطنبول من اختفاء رجل الإعلام و الفكر الزميل جمال خاشقجي يضيف إلى المشهد الخليجي قتامة وطلاسم لم نعهدها في هذا العصر، بل تلحقنا بمجتمعات القهر والجريمة السياسية وتجعل العالم يديننا ويضعنا في خانة الدول المتخلفة الفاقدة للعدل والقانون. ثم هل سمعتم رئيس الحكومة الإسرئيلية بنيامين ناتنياهو يعدد الأسبوع الماضي مصائب العرب في فلسطين المقسمة وسوريا الشهيدة والعراق المجزأ واليمن المنهار وليبيا المهددة والخليج المفكك، وكلما عرض حالة من هذه الحالات أمام الكنيست علق عليها بقوله (ونحن نتفرج)، ومهما كان تنديدنا بالعدو الإسرائيلي المشارك في المأساة العربية، فإننا لا نملك إلا أن نعتبر وقد نسينا حكمة من حكم الإمام علي كرم الله وجهه، حين قال منذ 15 قرنا (ما أكثر العبر وما أقل الاعتبار!) أليس من الحكمة اليوم ومن صلاح الرأي أن نبادر نحن العرب بوقف النزيف الذي حلله ناتنياهو وهو يتفرج، عوض أن يبحث كل منا عن سند يؤمنه من خوف ويطعمه من جوع من دون الله ومن دون شعبه، خاصة بعد أن سمعنا ورأينا ما بلغته بعض القوى العظمى من فجاجة في القول ومن استخفاف بالدول ومن إهانات لرموزها لا يرضاها عاقل لشعبه، وثبت بالدليل القاطع أن أمن الشعوب لا يشترى بالأموال، فأمن كل دولة عربية مهما تفاقمت أزماتها مع شقيقاتها يظل مرتبطا بأمن محيطها العربي وحمايته موكولة لشعوب العرب إذا ما تضامنت و تواصت بالحق وتعاونت على البر والإحسان، لا على الإثم والعدوان، وأن كبرياء العرب ومصالحهم الحيوية تظل مأمنة مصونة مع حفظ ماء الوجه، متى صدق العزم على التراجع عن الخطأ وتحمل أمانة التنسيق والوحدة؛ لأننا أمة واحدة كما أعلن القرآن منذ فجر النبوة؛ ولأن عزتنا جميعا يحميها التضامن الصادق بين شعوبنا وحكامنا؛ لنكون كالبنيان المرصوص لا تصدعه آفات الظلم أو تفككه الخلافات العابرة. أَمَا وقد تشعبت السبل وابتعد الرجاء، فاعتمادنا لا بد أن يركز على زعماء عرب لديهم القدرة على استشراف المستقبل والتخطيط للمصير والترفع عن صغائر الأمور وزبدها الذي يذهب جفاء للعناية بما ينفع الناس ويمكث في الأرض. المهم بالنسبة للعرب هو وعي نخبهم بأن العالم العربي التحق بفلك الدول المولى عليها والمذيلة بإرادة بعض نخبها للقوى الاستعمارية العائدة بقوة للتحكم في ثرواتها ولتأميم مصيرها بفرض شروط صندوق النقد الدولي وإرغامها على دخول بيت الطاعة، فيما يسمى صفقة القرن، أي تصفية القضية الفلسطينية نهائيا والرضى بالدونية الحضارية لغة وثقافة واقتصادا ومجتمعا ولا يتغول هذا الاستعمار الجديد إلا بعودة احتقار الذات العربية من قبل العرب وإلغاء الهوية والتنكر لأمجاد عربية صنعت التاريخ قرونا وما تزال، فانظر حولك أيها المواطن العربي الراضي بالمهانة كيف ثارت دولتان مسلمتان هما تركياوماليزيا على منظومة الاحتكار العالمي والظلم التاريخي، فسددت تركيا كل ديونها لصندوق النقد الدولي سنة 2013 كاملة وتقدر ب 26 مليار دولار، بل عرضت على الصندوق أن تقرضه 5 مليارات دولار ثم قفزت من الدرجة 96 في النمو الإقتصادي الى الدرجة 13 ، و قريبا تدخل نادي العشرة الأولين في الصناعة والتصدير والمناعة الاقتصادية، وأعلن مهاتير محمد رئيس وزراء ماليزيا أن بلاده لم تنهض إلا بالقطيعة مع صندوق الإستعمار الدولي الذي يهيمن على الدول ماليا ثم يذلها سياسيا. لا شيء غير الإرادة وحسن الاختيار والعزم على النصر والتفوق؛ لأننا نحن المسلمين لسنا أقل ذكاء ولا أقل عبقريات من الأمم التي نهضت، ولكننا أصبحنا نهبا للقوى الطاغية نصدر لها عقول شبابنا الهاربين من أوطاننا بعشرات الآلاف بعد أن تخرج جامعاتنا من أموال شعوبنا أطباء ومهندسين ومفكرين، كما نصدر سواعد شبابنا من الذين يعبرون البحر في رحلات الموت نحو أوروبا! إننا ندعو لتحالف الأمم المسلمة ومكوناتها أربع ،هي: العربية والتركية والإيرانية والكردية؛ لجمع شمل الأمة المسلمة الواحدة، وهي المشروع الذي أعده د.خالد شوكات وقدمه للحوار والإثراء، وأعتقد أن مشروعا حضاريا كهذا لو بدأ بنواته الأولى سوف يثمر جبهة قوية صلبة تواجه الطاغوت العالمي وتفرض حقوق مليار ونصف من أمة المسلمين. الشرق القطرية