خاب أمل الغرب في تركيا؛ فقد فاز رجب طيب أردوغان بغالبية مريحة، ومن الدور الأول، في الانتخابات الرئاسية التركية. وخاب أمل العرب الذين اعتادوا الفوز بأغلبية 99 بالمائة دون منافس ولا رقيب، وانتصرت تركيا مرة أخرى في تجربتها الرائدة في العالم الاسلامي، وأصبحت بما لا يدع مجالا للشك مَصدَر إلهامٍ لكثير من الشعوب الإسلامية التي تتطلع إلى العدالة والتنمية والحرية… فاز أردوغان مرَّة أخرى بانتخابات عَرفت مشاركة قياسية للناخبين قاربت 90 بالمائة، ما لم تعرفه أعرقُ الديمقراطيات وأقدمها على الإطلاق. ومع ذلك لم يدَّع هذا الرئيس المنتخَب أنه انتصر بالأغلبية الساحقة أو أنه معبود الجماهير، كما يفعل الكثير من أشباه الديمقراطيين الدكتاتوريين من العرب خاصة، بل أعلن انتصاره بالنسبة التي أعطتها له صناديق الانتخاب نحو 54 بالمائة ولم يزد. وفضلا عن ذلك لم يُهِن منافسيه الذين فازوا بثلث الأصوات أو أقلّ أو أكثر، بل اعتبر أن تركيا هي التي فازت والشعب التركي هو الذي انتصر. وقدّم الجواب الكافي لأعدائه الذين لم يكتفوا بالعمل على الإخلال بأمن بلده، بل تجازوا ذلك إلى الاقتصاد والعملة التركية في محاولة لإفشال هذه التجربة التي فرضت نفسها على الصعيد العالمي، وأصبحت رقما جديدا بين الأمم المسلمة التي تمكنت من تحقيق القفزة النوعية المنشودة في جميع المجالات، على غرار ماليزيا وإندونيسيا السبَّاقتين في هذا المجال. لذلك، اتفق الإعلامُ الغربي الليبرالي، والعربي الموالي له، على التقليل من شأن هذا الانتصار، إذ خرجت أغلب صحفه بعناوين متشابهة وكأنها أُعدَّت في مخبر واحد: "أردوغان يدَّعي الانتصار" (لوموند ولوفيغارو الفرنسيتان والغارديان البريطانية)، أو "أردوغان يبقى في السلطة" (نيوزويك الأمريكية)، أو "ديمقراطية على شفا الهاوية، أردوغان يَدّعي النصر" (نيويورك تايمز الأمريكية)… وختمتها جريدة "الأهرام" المصرية بعنوان زاد قليلا على غيره في هذا الشأن حيث كتبت بالبنط العريض: "قتلٌ وتهديد واتهامات بالتزوير في انتخابات تركيا، الإعلام الرسمي يعلن فوز أردوغان بالرئاسة والمعارضة تشكك". وقس على ذلك معظم الصحف العربية المناهضة لتركيا التي سارت على شاكلة إعلام أسيادها في أوربا أو أمريكا. هذا يعني أن تركيا الأردوغانية أصبحت تقلق الغرب الليبرالي ومن والاه من العرب. وأكثر ما يقلقه فيها أن رئيسها أعلن أنه سيواصل مشروع تركيا 2023، التاريخ الرمز لمرور قرن على سقوط الإمبراطورية العثمانية ومعها الخلافة الإسلامية. وكأنه يحمل رسالة إلى هذا العالم الأوربي خاصة الذي تحالف لإسقاط هذه القوة العظمى، وأسقط معها رمز وحدة الأمة الإسلامية، رسالة تقول: إن القوة العظمى التي أُسقطت منذ قرن من الآن، ووُصِفت بالرجل المريض، هاهي تتعافى اليوم وتعود كما كانت أمة تهابها الأمم، وتنسى أنه بإمكانها الإطاحة بها من جديد.. أليس في هذا إحياءٌ لبعض الأمل لدينا؟