يجمع مصرفيون وخبراء في أسواق المال على أن تحديات الاندماج تكبل إطلاق ثورة في نشاط مصارف دول المغرب العربي، رغم المحاولات الحثيثة طيلة السنوات الماضية لإنشاء جبهات مالية واقتصادية مشتركة تعزز الاستثمارات والنمو وتزيد من المبادلات التجارية بين دول المنطقة. أكد خبراء ورؤساء تنفيذيون في البنوك المركزية ومصارف في دول المغرب العربي خلال مؤتمرعقد على مدى يومين في تونس هذا الأسبوع أن هناك حاجة ملحة لتفعيل نشاط الصيرفة لدعم مجال الأعمال والمبادلات التجارية رغم الصعوبات التي تعيشها المنطقة. ويرى البعض أن العراقيل التي تواجه توسيع أعمال مصارف المنطقة أدت إلى التأخر في بناء منطقة اقتصادية مشتركة تساعد في زيادة معدلات النمو في البلدان المغاربية وتسببت في خسارة آلاف فرص العمل وضياع العديد من الاستثمارات. ولكن المؤسسات المالية في المنطقة تعلق آمالا كبيرة على إعادة الروح لاتحاد المغرب الغربي بعد أن بادرت الرباط مؤخرا بفتح قنوات اتصال مع جارتها الجزائر. وقال رئيس مجلس إدارة اتحاد المصارف المغاربية، عبدالفتاح آل غفار، في افتتاح القمة المصرفية المغاربية، إن "هناك مؤشرات إيجابية على المستوى السياسي خاصة بين المغرب والجزائر ستدعم دور اتحاد المغرب العربي وتسهل دور اتحاد المصارف المغاربية". وحاول اتحاد المصارف المغاربية من خلال خطوات ملموسة وجادة طيلة سنوات دفع التعاون المالي والبنكي وتطويره بين الأعضاء عبر تعزيز الاستثمارات وبالتالي تطوير مؤشرات النمو. وقال غفار، وهو المدير العام للمصرف الإسلامي الليبي "لقد شكلنا عدة لجان من خمس دول على مستوى البنوك المركزية والجمعيات المهنية وهي تناقش التعاون بعدة مسائل محددة ولا سيما المدفوعات الإلكترونية". وأوضح أن هناك في الوقت الحالي نوعا من التناغم والانسجام "لأننا شعرنا جميعا أنه من مصلحة المغرب العربي أن يتم استحداث وسائل دفع إلكتروني ووضع خطوط تمويل وإرساء تناغم وتفاعل بين البنوك والمستثمرين بهدف زيادة الاستثمار والتبادل التجاري". وشارك في الدورة السادسة عشرة لمؤتمر اتحاد المصارف المغاربية، محافظو البنوك المركزية لتونسوالجزائر والمغرب وليبيا وموريتانيا، إلى جانب 180 بنكا ومؤسسة مالية وخمس شركات نقدية ناشطة في دول المنطقة. ويطمح المؤتمر، الذي يعقد مرة كل عامين، إلى توحيد الجهود بين البلدان الأعضاء على مستوى البنوك المركزية ووضع خطط عمل لتطوير المنظومة البنكية المغاربية وملاءمة خدماتها المصرفية مع التطورات التكنولوجية. وقال محافظ البنك المركزي التونسي، مروان العباسي، على هامش المؤتمر، إن "الاندماج المغاربي حلم لم يتحقق حتى اليوم، فالمبادلات التجارية المغاربية لا تزال ضئيلة للغاية". وأضاف إن "التجارة البينية في المنطقة لا تتجاوز نحو 5 بالمئة من حجم المبادلات في العالم، بينما تصل في البعض من المناطق بأفريقيا إلى 17 بالمئة". وأشارت دراسات لصندوق النقد الدولي إلى أن غياب الاندماج الاقتصادي بين دول المنطقة يتسبب في خسارة بين نقطة ونقطتي نمو اقتصادي لكل بلد. وكشف العباسي، عن اجتماع مرتقب الأسبوع القادم لخمسة مصارف مغاربية لبحث إعادة التعامل في ما بينها، لكنه لم يكشف عن أسماء تلك المؤسسات المالية. وكانت تونس قد شهدت العام الماضي، بدء نشاط المصرف المغاربي للاستثمار والتجارة الخارجية، الذي تأخرت ولادته طويلا، منذ أبرمت دول المغرب العربي الخمس اتفاقية لتأسيسه تحت مظلة الاتحاد المغاربي في 1991. ويعني الإعلان عن قيام الكيان المالي أن تلك الدول بدأت باتخاذ خطوات عملية نحو التكامل الاقتصادي، غير أن محللين قالوا إن الخطوة غير كافية نظرا للتحديات الكثيرة التي تعترض دول المنطقة. وأكد الأمين العام لاتحاد المغرب العربي، الطيب البكوش، في كلمة له خلال المؤتمر، على ضرورة تنسيق السياسة النقدية داخل المغرب العربي والعمل على إقامة منطقة حرة للتبادل التجاري لتسهيل عملية تنقل الأشخاص ورؤوس الأموال دون قيود. وقال إنه "يجب استكمال الإصلاحات اللازمة لتعزيز الأنظمة المصرفية، فضلا عن تعزيز مراقبة القطاع المالي في الدول الخمس". وأشار إلى أن البنوك المركزية مطالبة بتوحيد جهودها لإزالة كافة العراقيل أمام عملية الاندماج المغاربي عبر الاستفادة بما توفره تكنولوجيات الاتصال الحديثة لتطوير الصيرفة المغاربية. ولحد اليوم، تفضل كل دولة في المنطقة التعامل مع بلدان أوروبا كشريك رئيسي بدل التبادل التجاري في ما بينها تجاريا، حيث تستحوذ إيطاليا وفرنسا وإسبانيا على معظم تجارة هذه البلدان الخارجية. وتشير بيانات رسمية، إلى أن الاتحاد الأوروبي يستحوذ على قرابة 60 بالمئة من التجارة الخارجية لدول المنطقة. واللافت، أن كل الترتيبات التنظيمية التي تستدعيها المبادلات التجارية بين الدول مبرمة منذ زمن حيث تم التوقيع على أكثر من 40 اتفاقية، من بينها توحيد الرسوم التجارية والتبادل الحر وتوحيد الرسوم الجمركية.