شهد قطاع السينما لسنة 2019 بالجزائر تميزا لافتا، خاصة خلال مشاركته في المحافل الدولية والعربية حيث حققت الكثير من الاهتمام، على غير العادة، وهذا ما ينبأ بأن السينما الجزائرية بدأت تلقي بظلالها بعدما غابت لسنوات عدة عن جمهورها. الحديث عن تطور السينما بالجزائر يقودنا للحديث عن صنعها خاصة الشباب منهم الذين تؤكد أعمالهم أن السينما الجزائرية ستكون بخير إذا تحصل على الدعم الكافي من قبل المهتمين من صناع القرار بالجزائر، هذه الأعمال التي تبنها هؤلاء الشباب منح نظرة شبابية للسينما في الجزائر كما لقيت هذه الأعمال استلطاف من النقاد وتتويج في المحافل السينمائية الدولية ،فبعد نجاح فيلمه الوثائق الطويل الأول “في راسي روبوان” عاد المخرج الشاب حسان فرحاني للواجهة هذه السنة بفيلم جديد “143 شارع الصحراء” و هو عبارة عن بورتري مثير للاهتمام لامرأة تملك مطعما صغيرا في ملتقى طرق بالصحراء الجزائرية، وقد تحصل هذا الشريط في عرضه الأولي العالمي بمهرجان لوكارنو على جائزة أحسن مخرج صاعد” وأيضا جائزة” أحسن مخرج صاعد .وتوج الفيلم أيضا بالجزائر وتونس وكوريا الجنوبية وفي مصر خلال هذه السنة. حقق فيلم "بابيشا" للمخرجة الجزائرية مونية بن مدور، ومنذ خرجته الأولى بالدورة 72 لمهرجان "كان" السينمائي، نجاحا واسعا، خاصة وانه شاركة في عدد من اهم المهرجانات العربية والدولية الهمة وتوج من خلالها بجوائز تعد أيضا مهمة بالنسبة للسينما الجزائرية. منذ أيام تم اختيار فيلم "بابيشا" الذي رشح كممثل للسينما الجزائرية في مسابقة الأوسكار، الذي تعد من أهم الجوائز السينمائية الدولية وتمنحها أكاديمية الفنون المتحركة بلوس أنجلس، إلا أنه خرج منها بعد أن قامت السلطات المعنية بالجزائر بمنعه من العرض داخل صالات السينما الجزائرية، وهو الشرط المهم الذي ترتكز عليه مسابقة الأوسكار في الترشح في فئة أفلام الأجنبية، ضمن الأفلام المرشحة لمسابقة “الغولدن غلوب” العالمية في دورتها ال 77، حيث أعلنت جمعية نقاد السينما العالمية الأجانب في "لوس أنجلوس" عن قائمة الأفلام التي ستخوض غمار المنافسة على جائزة أفضل فليم أجنبي، واستنادا إلى الموقع الرسمي لجوائز "الغولدن غلوب" تضم القائمة 96 فيلما من مختلف أنحاء العالم، منها الفيلم الكويتي “إن بارادوكس”، والمغربي "آدم" للمخرجة "مريم توزاني"، و"المرشح الأفضل" من السعودية لهيفاء المنصور، فيلم “1982” من لبنان "لوليد مونس"، و"أنا أنت" من أفغانستان، "مستبدل العملات" "إنتاج مشترك بين الأرجنتين والأورغواي"، "حكاية ابن عرس" من الأرجنتين، "قلب شاب غبي" من فنلندا، "أمهاتنا" من غواتيمالا، "المترجم" إنتاج مشترك بين كوباوكندا وغيرها من الأفلام. فبعد ترشحه لجائزة “الغولدن غلوب”، فقد صنف الفيلم حسب موقع "ألو سينما" الفرنسي في قائمة أفضل 10 أفلام لسنة 2019 حيث أبرز الموقع فيلم مونيا مدور في المرتبة السابعة بحصوله على علامة 3.9/5 في قائمة الأفلام التي خرجت أو وزعت في فرنسا خلال الفترة الممتدة ما بين الفاتح جانفي إلى نهاية ديسمبر 2019، وتمت مشاهدتها على الأقل من طرف 9 صحفيين ونقاد يتعاملون مع موقع “ألو سينما”، كما دخل فيلم “بابيشا” سباق جوائز السيزار الفرنسية وفق ما أعلنه منتج الفيلم على موقع الانستغرام حيث قال المنتج الفرنسي وزوج المخرجة الجزائرية مونيا مدور ايقزافي قان في تغريده نشرها مرفقة بأفيش الفيلم على الانستغرام أن الفيلم مرشح لجوائز السيزار في جميع الفئات. وبكل هذه التصنيفات والمشاركات التي جعلت من الفيلم الأهم في إنتاجات السينما الجزائرية لسنة 2019، يستعد فيلم مونيا بن مدور لدخول سنة 2020 بسلسلة عروض تجارية في عدد من دور العرض التجارية حسب ما أعلنته مخرجته على صفحتها بالأنستغرام، وقد عرض حتى الآن في 155 قاعة بفرنسا 20 منها في العاصمة باريس. وكان قد صرح الناقد والأكاديمي أحمد بجاوي بخصوص الفيلم أن الجزائر ساهمت في إنتاجه بمبلغ 5 ملايير سنتيم ممنوع من العرض في الجزائر لحد الآن لأسباب تبقى مجهولة حيث تم إلغاء العرض الأول الذي كان مبرمجا في سبتمبر الماضي، دون أن تصدر أي مؤسسة رسمية بيان تشرح فيه أسباب هذا المنع، في حين أرجع بعض الملاحظين هذا المنع إلى اللافتات التي رفعها طاقم العمل في مهرجان كان الأخير "يتنحاو قاع". ويعتبر فيلم “بابيشا” للمخرجة “مونيا مدور” أول تجربة سينمائية في مسار ابنة المخرج الراحل عز الدين مدور ، حيث يروي العمل تحدي النساء في الجزائر خلال سنوات التسعينات، أين كان الإرهاب يضرب بقوة، وذلك من خلال سرده لحياة طالبة جامعية تسعى لتنظيم عرض أزياء في الحي الجامعي، وتتحدى المحرمات خلال العشرية السوداء. الفيلم من بطولة كل من "لينا خضري" و"مريم مجقان" و"شيرين بوتيلا" و"أميرة هيلدا" و"زهرة دومانجي"، وفيه تُظهر المخرجة روحا متمردة، حرة، ومقاومة ونظرة شجاعة في تناول جزء من حياة جزائر التسعينات. وقدم المخرج الشاب أمين سيدي بومدين الذي اشتهر بشريطين قصيرين هما ” غدا الجزائر ؟”و “الجزيرة “هذه السنة فيلمه الروائي الطويل الأول “ابو ليلى” الذي دخل المنافسة في قرابة الثلاثين مهرجانا دوليا و تحصل على “جائزة “أحسن فيلم New Wave” “في المهرجان الأوروبي للفيلم باشبيليا (اسبانيا) و أيضا جائزة النقد بسينماد (فرنسا)، وفيلم “أبو ليلى” الذي جسَّد أدوار البطولة في الفيلم كلٌ من الممثلين الجزائريين فؤاد ميغراغي وعزوز عبدالقادر في دور “الأخوة التوارق”، ومراد أوجيت في دور الشرطي ومريم مشقان في دور الصحفية، الفيلم يعود بجمهوره إلى الأحداث الدامية التي عرفتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي وعرفت ب”العشرية السوداء”، وذلك من خلال قصة شابين وهما أمنيان يعملان على مطاردة الإرهابي “أبو ليلى” عبر الصحراء، وفر هذا الإرهابي إلى الصحراء بعد اغتياله أحد المحامين البارزين في الجزائر، حسب أحداث الفيلم. وقد سجل الذي الكثير من الثناء حيث قال عنه لطفي إدريس، أستاذ علوم الصورة في الجامعة التونسية، إنَّ الفيلم اتبع تقنية متقدمة تمزج بين البطء والهدوء في صناعة البدايات والنهايات عبر إدارة تصوير قادها المدير التقني الياباني كانام أنوياما، موضحا بأنَّ المخرج الجزائري اعتمد مسحة من الضبابية في صور الفيلم أراد من خلالها تصوير حقبة من الزمن الأسود في تاريخ الجزائر الحديث، وتعد هذه التجربة، الأولى للمخرج أمين سيدي بومدين في الأفلام الطويلة، وهو حاول من خلالها استحضار الصراع الدائم بين الدولة الجزائرية والجماعات المقاتلة التي راح ضحيتها الآلاف من الأشخاص الأبرياء، كما فاز الممثل والمخرج الياس سالم الذي أدى دول البطولة في هذا الفيلم “بالتانيت الذهبي” لأحسن أداء رجالي في الدورة الأخيرة من أيام قرطاج السينمائية بتونس. فالي جانب المواهب الشابة التي عززت مكانتها في الفن السابع عاد السينمائي المدهش صاحب الأعمال المثيرة حميد بن عمرة في 2019 بمولود جديد “تايم لايف” الذي شارك في مهرجانات بروسيا و الولاياتالمتحدة . كما أنتج المخرج المخضرم مرزاق علواش فيلما جديدا بعنوان ” مناظر الخريف” وهو فيلم روائي طويل اعتبره البعض بوليسي، وأنتج أيضا المخرج علواش فيلم اخر بعنوان “الريح الرباني ” الذي عرض في ألمانيا . جمهور متعطش لمشاهدة الأفلام ولم تعرض الأفلام المذكورة المنتجة في 2019 بالجزائر باستثناء فيلمي “مناظر الخريف” و”143 شارع الصحراء” اللذين قدم في إطار الطبعة الأخيرة من المهرجان الدولي للسينما بالجزائر (فيكا)، وعلاوة على إلغاء مهرجاني الفيلم العربي لوهران و الفيلم المتوسطي لعنابة عانت هذه الأعمال الجديدة من غياب كامل للتوزيع في الجزائر رغم الإقبال المؤكد للجمهور على القاعات و حضور عروض الأفلام التجارية الأجنبية الجديدة . ومن بين الاكتشافات الجديدة الأخرى لسنة 2019 المخرجة مريم عاشور بوعكاز التي قدمت وثائقي بعنوان “نار” الذي عرض مرة واحدة بمناسبة الطبعة العاشرة من الفيكا، وتأسف فاعلون في المجال السينمائي لحرمان الجمهور من مشاهدة صور عن الجزائر التقطت من طرف جزائريين منها فيلم الخير زيداني كاتب و مخرج “نايس فري نايس ” الذي يروي في مدة 16 دقيقة يوميات "ديدو" الذي يعمل على ديمومة ذكرى زوجته الراحلة من خلال المتحف الصغير الذي شيده داخل البيت العائلي بقصبة الجزائر تخليدا لروح زوجته التي كانت تحلم بالعيش في قصر عثماني، يقوم "ديدو" بإعادة ديكور منزله تدريجيا اعتمادا على الوسائل المتاحة، و قد تمكن هذا الوثائقي الذي عرض في 2018 في "شورت فيلم كورنر" بمهرجان" كان" السينمائي وبعده في العديد من المهرجانات الدولية من التتويج في الجزائر ومصر وتونس، و فيلم محمد بن عبد الله “أقول كل شئ لله” رغم النجاح الذي عرفه العملان السينمائيان في المحافل الدولية.