النبش في المواقف من هو “ضد” ومن هو “مع” هذه الأيام، والأنظمة العربية تتهاوى واحداً بعد الآخر، لا يعطى انطباعاً حقيقياً عن كينونة المواطن العربي السياسية فهي كينونة تعاملت مع الزمن وليس مع حقب محدودة منه، وهي كينونة تعاملت مع الأنظمة “القدر” وليس مع أنظمة تبادل السلطة، لذلك الحكم على المواقف منها لا يتعدى كونه حكماً على القدر؛ خيره وشره. ولي أن أبدي بعض الملاحظات هنا.. أولاً: الموقف من القدر قد يبدأ بالاحتجاج لدى البعض لينتهي إلى الرضا والقبول، ومن ثم التأقلم والانصياع؛ فالأنظمة العربية قد يتخذ الموقف منها كل هذه الأشكال ولكن الشكل السائد هو الشكل الأخير المتصالح، لأنها كما ذكرت بحكم القدر في ذهنية العربي. ثانياً: النظام “القدر” ينشئ شبكاته وتمتد أحشاؤه وأوصاله إلى أطراف المجتمع ليصبح الخلاص منه تدميراً شاملاً واجتثاثاً لجميع المكتسبات فلذلك يرسخ هذا التصور في ذهنية معارضيه أو المحتجين عليه لينتهوا إلى التهادن معه كملاذ أخير. ثالثاً: يبدأ النظام “القدر” مرحلته بالوصول إلى جميع الناس لينتهي بانفصاله التام عنهم وبتسلطه عليهم، وبدائرة من الاستحكام التام على أرزاقهم. رابعاً: يفرز النظام “القدر” بنيته الفوقية من ثقافة وفنون على أشكالها لتصبح بعد ذلك شعاره وأيديولوجيته المدافعة عن بقائه. خامساً: أكثر الطبقات أو النخب إحراجاً عند تداعي النظام “القدر” هي طبقة الفنانين والمثقفين، والذين حتَّم وضعهم بشكل أو بآخر تجاوبهم معه وتأقلمهم معه لطول فترته أو لعنف أدواته؛ لا نستطيع الجزم بأن الجميع اضطر لذلك ولكن هناك من كان مضطراً ولا يجد له سبيلاً آخر. سادساً: اللوم يجب أن ينصب أولاً على الثقافة التي تنجب النظام “القدر” وتؤيده قبل الطعن في الأفراد بشكل شمولي؛ بمعنى أن يتم فرز المواقف بشكل يحدد من هو أصلاً من بنية النظام نفسه أو من اضطر غير باغٍ لمسايرته. سابعاً: الشكل الثقافي الشائع في مجتمعاتنا والمتعامل مع السلطة مباشرة هو وجهها الآخر؛ بمعنى أحدهما ينتج الآخر ويساعد بالتالي على استمرار الوضع. ثامناً: الوضع الجديد بعد الثورات من المؤمل له أن يكسر هذه الدائرة، وبالتالي يقضي على النظام “القدر” ويحل محله النظام “المناوبة” نظام الإدارة السياسية كإدارة الرئيس الأمريكى مثلاً. وبالتالي تتحرر الثقافة من عنف هذا النظام “القدر” ومن ثم يصبح الحكم على المواقف أكثر جلاءً ووضوحاً ومن منطلق القناعات لا الخوف. تاسعاً: حتى ذلك الحين يجب التريث في عملية إطلاق الأحكام خاصة على النخب الثقافية أو الفنية لصعوبة الفرز، ولشدة المفاجأة والصدمة التي أحدثتها الثورات داخل النسق الثقافي العربي الذي عانى من النظام “القدر” طويلاً حتى أصبح يعول على استمراره حتى البعث أو القيامة الربانية. الشرق القطرية