في أربعينيات القرن التاسع عشر، عصفت المجاعة بإيرلندا التي كانت تعتمد في اكتفائها الغذائي على محصول البطاطا الذي أصيب بآفة قضت على معظم الإنتاج لعّدة سنوات، ما أدى إلى موت قرابة مليون إيرلندي، أي ما تتجاوز نسبته 20% من سكّان البلدان آنذاك. تتعدّد الدراسات التي تبحث في تأثيرات تلك الحقبة، سواء في دفعها عشرات الآلاف إلى الهجرة إلى الولاياتالمتحدة، أو في العلاقة مع لندن، حيث كانت الجزيرة الإيرلندية تتبعها ضمن حدود المملكة المتّحدة، حيث اتُّهمت بتقاعسها عن إغاثتها، بينما أُرسلت المعونات إلى مدن بريطانية أخرى عانت من المجاعة حينها، مقابل إرسال الدولة العثمانية سفن الطعام إلى ميناء دوركيدا الإيرلندي. عن “منشورات جامعة مانشستر”، صدر حديثاً كتاب “سياسة الجوع: الاحتجاج والفقر والسياسة في إنكلترا 1750 – 1840” لأستاذ الجغرافيا التاريخية كارل غريفين الذي يدرس تلك المحطّة التاريخية انطلاقاً من الادعاءات بالقضاء على العوز، خلافاً لنبوءة الباحث الاقتصادي الشهير توماس مالتوس (1766 – 1834) التي تقول إن التزايد السكاني سيؤدي إلى مزيد من المجاعات والأوبئة والحروب والأزمات الاجتماعية. يناقش الكتاب في الجزء الأول، “الضغط غير المنضبط”، علاقة الجوع بالاحتجاج، وكيف يصوغ الفقراء عبر التاريخ خطابهم الاحتجاجي، وأثر أعمال الشعب التي قادها الجوعى في بريطانيا خلال القرنين الثامن عشر والتاسع عشر، والتي انشغل في تحليل أسبابها العديد من المفكرين مثل ماركس الذي رأى أنها قادت إلى فرز المجتمع طبقياً. ويتناول الجزء الثاني، “سياسيات الجوع”، التوجّهات الفكرية والسياسية المتنوعة في قياس الاحتجاجات المتعلقة بالجوع والفقر، وكيف دفع نقص الغذاء إلى انخفاض أهلية العمل وكفاءته لدى نسبة كبيرة من العمّال والفلاحين، حيث يقدّم المؤلّف تحليلاً منهجياً للأساليب التي استمر بها الجوع وفي مقّدمتها ترهيب السلطة والخوف منها. ينتقل الكاتب في الجزء الثالث، “نظرية الجوع”، إلى دراسة سياسات التجويع والتمييز ضد الفقراء، وكيف استُخدم الجوع بشكل متزايد كأداة تأديبية للتحكّم بالمواطنين بالاعتماد على أرشيف من الوثائق والتحليلات التي تؤكد وفق منظوره استمرار توظيف الجوع كقوة سياسية وبيولوجية، وهي خلاصة تتوافق مع العديد من التنظيرات التي ترى بأن نقص المنتوجات الزراعية لم يكن السبب الوحيد في المجاعة، حيث أن هذا النقص يؤدي إلى حدوث مجاعة فقط إذا أرادت قوة أو سلطة ذلك، أو تواطأت لمنع وصول الغذاء للجوعى كما فعلت الحكومة البريطانية مع إيرلندا في مجاعتها الشهيرة.