في اليونان ليس ظاهرة نادرة ان يتقاضى موتى معاشات تقاعد وان يقود مكفوفون سياراتهم بانفسهم، او ان يعيش وزراء سابقون مثل الباشاوات، فالاختلاس والفساد من الافات المزمنة التي تنخر المجتمع وهما في صلب الحملة الانتخابية. فمع دنو اقتراع الغد لتجديد البرلمان، جرت حملة اعتقالات ملفتة تحت ضغط الازمة وفقدان الحزبين الرئيسيين مصداقيتهما لاتهامهما بعقود من التبذير والمحاباة اغرقت البلاد في ازمة ديون خانقة ومستفحلة. والاكثر اثارة للجدل توقيف وزير الدفاع السابق الاشتراكي اكيس تسوشاتزوبولوس (72 عاما) لاستفادته من رشاوى اثناء بيع غواصات المانية. وذلك امر لم يحصل مطلقا منذ اكثر من عشرين عاما في اليونان حتى وان كان سقوط الحكومة المحافظة السابقة في 2009، تسارع ايضا بسبب فضيحة سياسية عقارية تورط فيها دير فاتوبايدي الارثوذكسي. ورأى خبير ملم بالشؤون السياسية اليونانية، "أنه اتهام لكل النظام السياسي، وطريقة للقول أن هناك فاسدين اخرين والجميع يعلم ذلك. كان سارقا ومتغطرسا ايضا لانه كان يحرص على اظهار الامر" بعيشه حياة ترف. وكل يوم ترسل وزارة حماية المواطن بيانات تشير الى اعتقالات افراد في سائر ارجاء البلاد "لديون تجاه الدولة". ويوم الخميس اعلنت الشعبة المالية توقيف رجلي اعمال في ال43 و50 عاما من العمر في مجال صناعة الاحذية والعقارات يدينون للدولة باكثر من 220 الف يورو كضرائب مستحقة للقيمة المضافة. وفي مارس الماضي طلب وزير التنمية الجديد استقالة مئة موظف في دائرة الاستثمار، بعد ان ضبط اثنان منهم بابتزاز 120 الف يورو من رجلي اعمال في انتظار ترخيص ببناء فندق. وافاد مصدر قضائي، ان الائتلاف الحكومي اصدر الامر قبل بضعة اشهر لنحو ثلاثين قاضيا بتسريع عملية "الايدي النظيفة" هذه على الطريقة اليونانية قبل الانتخابات التشريعية بالتنسيق مع السلطة الاوروبية لمكافحة تبييض الاموال. وقد اتفق الحزبان اللذان يشكلان الائتلاف الحكومي، الباسوك الاشتراكي والديمقراطية الجديدة المحافظ، انذاك للتضحية بالبعض في فريقيهما بغية الحفاظ على بعض ما تبقى من مصداقيتهما. ولفتت اريكا فاليانو الصحافية المتخصصة بالمسائل القضائية الى ان ذلك "لم يهبط فجأة من السماء فالقضايا جارية منذ سنوات لكن تم تفعيل القضاء". فالفساد والتزوير في اليونان يطالا كل مفاصل المجتمع، بدءا من ممارسة "مظاريف المال" التي تسلم للطواقم الطبية والتمريض في المستشفيات العامة وصولا الى اختلاس الاموال العامة او الاوروبية على نطاق واسع مرورا بالتهرب الضريبي. ويلخص الكاتب اليوناني بتروس ماركاريس فداحة الظاهرة الاخيرة بقوله "كل يوناني يحترم نفسه وغير مقتنع في قرارة نفسه بان الخزينة العامة تنتف ريشه كطير ولا يشعر بالحاجة لمعاملتها بالمثل هو اما غاضبا، ساخطا او بلغاريا". وبحسب منظمة الشفافية الدولية فان فساد كل يوم كلف البلاد 554 مليون يورو في 2011، اي 78 اقل من العام 2010. وقال جايسون مانولوبولوس مؤسس صندوق الاستثمار "درومو كابيتال" في كتابه "العبر من الازمة اليونانية" (بيرسون) "ان الفضائح والفساد يشكلان جزءا لا يتجزأ من ثقافة هوس الفوضى التي بددت المكاسب الاولى من الانضمام الى الاتحاد الاوروبي ونهبت ثروات الامة ووضعت العملة الواحدة في خطر". وفي ما يتعلق بالاختلاس في مجال المساعدات الاجتماعية اظهر تحقيق قامت به وزارة الصحة واعلن في مارس الماضي ان منطقة فيوتيا في وسط اليونان تضم نسبة عالية جدا من المصابين بالربو. وجزيرة كاليمنوس (جنوب شرق) اصيبت بحالات متكررة من امراض عقلية و600 من سكان جزيرة زاكينتوس في البحر الايوني --اي حوالى 1,5% من السكان-- يستفيدون من الدعم الذي يمنح للمكفوفين وضعيفي النظر. وتبدو مهمة حل المشكلة جسيمة وتضع نظام المحاباة والمحسوبية برمته على المحك حتى ان البعض يخشى من استمرار الحملة بعد الانتخابات. واعتبر سبيروس ريزوبولوس رئيس مكتب الاستشارات الاستراتيجية سبين كوميونيكشن انه "هناك حاجة لسلطة سياسية قوية لمحاربة الفساد. والاحتمال ضئيل في ان تخرج سلطة قوية من هذه الانتخابات". وقد وضعت ترويكا الدائنين، من دول الاتحاد الاوروبي والبنك المركزي الاوروبي وصندوق النقد الدولي، في اولوياتها اطلاق اصلاحات عميقة في القضاء والادارة. الا ان باحثا سياسيا لفت الى "ان المشكلة هي ان القضاء نفسه فاسد في اليونان".