ولاية الوادي أو وادي سوف….تلقب بمدينة الألف وقبة وقبة، وألف شاعر وشاعر، وعاصمة الرمال الذهبية، ذات زخم ثقافي ونمط عمراني متميز، بساطة أهلها وتواضعهم وكرمهم … من البيداء إلى الحضر نقطة تحول في حياة السوفيين الذين واكبوا الحضارة والعمران والتطور التكنولوجي، ولم ينسوا الأصالة والتقاليد والأصل…كلها أشياء تجعلك تتعلق بها وتبحث عن سرها. فهي ولاية جزائرية انبثقت عن التقسيم الإداري لسنة 1984 تنقسم إلى منطقتين ذات أصول عرقية مختلفة، منطقة وادي سوف ومنطقة وادي ريغ، وعاصمتها مدينة الوادي، وهي تقع في الشمال الشرقي من البلاد، تبعد عن العاصمة الجزائر بحوالي 630 كلم، يحدها شرقا الجمهورية التونسية، ومن الغرب كل من ولايات ورقلة وبسكرة، ومن الشمال ولايات تبسة وخنشلة وبسكرة، ومن الجنوب ولاية ورقلة، على مساحة تقدر 44.585 كم2، وتعداد سكاني وصل إلى سنة 990 ألف نسمة، كما عرفت كغيرها من ولاية الوطن مرور حضارات كثيرة عليها مما أكسبها موروثا ثقافيا وحضاريا وسياحا لا ينضب، فتعاقب عليها كل من الفينيقيون والقرطاجيون، الرومان الوندال البيزانطيون، ثم جاء الفتح الإسلامي فحكمت من طرف الرستميين والأغالبة، الفاطميين والموحدين، أنجبت علماء ومفكرين وشعراء ومجاهدين، أمثال محمد العيد آل خليفة، والشاعر سلميان الجوادي، وعبد المناعي، والشهيد محمد الأخضر الشايب المدعو "حمة لخضر" وغيرهم. ... الزيارة لأوّل مرة توجهنا إلى ولاية الوادي لأوّل مرة، من العاصمة إلى ولاية الوادي في زيارة عمل قادتنا إليها، رفقة وزير الشباب عبد القادر خمري ووفد صحفي ضم حوالي 30 صحفيا من مختلف وسائل الإعلام، و5000 شباب جاؤوا من جميع ولايات الوطن في إطار زيارة إلى مدينة الألف قبة وقبة، وكذا في إطار الزيارات الميدانية التي تقوم وزارة الشباب للنهوض والتعريف بما يسمى بالسياحة الشبانية وبالمكتسبات التي تحتوي عليها الجزائر في جميع المجالات خاصة في الجانب السياحي الذي يعد ركيزة أساسية لاقتصاد بديل عن البترول، أين استمعنا بإنصات شديد إلى أدق التفاصيل التي تشكل حياة أهل المنطقة من طرف دليلنا الإعلامي أحمد ديدي الباحث في التاريخ والأمين العام الوطني للإتحاد الوطني للصحفيين والإعلاميين الجزائر، ونائب رئيس رابطة الفكر والإبداع لولاية الوادي، بدءًا من الزراعة كنشاط حيوي واستراتيجي مهم بكل مكوناته، إلى الأماكن السياحية الخلابة كالرمال الذهبية والعادات والتقاليد الموروثة أبا عن جد كالشعر الشعبي وغيره، وإلى الزاوية التيجانية كمعلم سياحي وديني ومنارة للعلم والمعرفة لأهل المنطقة والوطن وحتى العالم. الثروات الطبيعية…. منجم لا ينضب تعتبر ولاية الوادي منطقة ذات أهمية إستراتيجية في ما يتعلق بالثروات، فهي تضم أكبر ثروة للنخيل على المستوى الوطني وأكبر منتوج، وتحوي أكبر احتياطي وطني من المياه الجوفية، كما أنّ تربتها صالحة للزراعة والبناء وصناعة الآجر والجبس، وبها أكبر منجم أفريقي من ملح المائدة والملح الصناعي بشط ملغيغ وشط مروان، بها مساحة معتبرة غابية ورعوية، وتضم أكبر عدد من الإبل على المستوى الوطني بحوالي 2 مليون رأس، وأول منتج وطني للفول السوداني، واحتياطي معتبر من البترول، وأراضيها تستوعب زراعة 10 ملايين نخلة وأكثر تربة وماء، بالإضافة إلى ذلك تتميز بموقع مهم لوجود 300 كلم حدود خارجية مع الجارتين تونس وليبيا. …. الفلاحة أهم نشاط تتميز به الولاية تعتبر الفلاحة أهم نشاط تتميز به ولاية الوادي كونها منطقة زراعية ورعوية بالدرجة الأولى، وأهم نشاط فلاحي يقوم به أهل المنطقة هو غرس أشجار النخيل والاعتناء بها، وجني التمور سنويا خاصة "دقلة نور" و"الرطب" أو ما يدعى بالولاية "المنقر"، حيث تحتل ولاية الوادي المرتبة الأولى وطنيا في إنتاج التمور وتغطي ما نسبته 35 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية من هذه المادة الحيوية والمهمة وأشهر، كما تقوم بتصدير الفائض منه للخارج، كما تعرف زراعة ما يعرف بمنتوج البطاطا الرملية السوفية حيث تغطي ما نسبته 24 بالمائة من احتياجات السوق الوطنية، إلى جانب بعض التجارب الحديثة المشجعة كزراعة الطماطم في البيوت البلاستيكية والتي تحتاج من السلطات في البلاد الدعم اللازم من أجل إنجاحها، وكذا بعض الزراعات الخفيفة التي تستعمل للاستهلاك العائلي آو الموجهة للسوق المحلية. … الأهرامات المقلوبة….أو الغوط غوط جمع غيطان، والغوط يعتبر مظهرا فلاحيا فريدا من نوعه في العالم تتميز به منطقة وادي سوف عن غيرها، فالغوط لمن لا يعرفه هو منخفض واسع في أرض رملية يصل انخفاضه لأكثر من 10 أمتار تزرع فيه النخيل وبعض الزراعات المعاشية، تم إنشاؤه قديما من قبل فلاحي المنطقة الذين أبانوا عن ذكاء وفطنة كبيرة في اعتمادهم على فلسفة مغايرة لسقي النخيل، فعوضا عن رفع المياه لمستوى المزروعات، تم إنزال النخيل لمستوى الماء وجعله في مسافة قريبة من المياه، وهذه الطريقة تعتبر إبداعا شبهه بعض من زار المنطقة قديما وحديثا بما قام به الفراعنة، فهؤلاء بنو أهرامات إلى الأعلى والفلاح السوفي حفرها إلى الأسفل، ولهذا السبب قامت " منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة أخيرا "الفاو" بضم "الغوط السوفي" رسميا للموروثات الثقافية العالمية لما يمثله من أهمية تاريخية، واقتصادية، واجتماعية، وبصمة هُويّة متميزة ومتفردة لمنطقة وادي سُوفْ، وجاء ذلك بعد متابعات طويلة من قبل منظمة" الفاو" لنظام الغوط في عدة دول عربية، أين وقع في الأخير الاختيار على "الغوط السوفي" ليندرج ضمن الممتلكات الفلاحية، والاجتماعية والثقافية العالمية، بما يضمن له الحق في الاستفادة من الدعم المادي لحمايته، والحفاظ عليه، والعمل الجاد على توسيع مساحاته، وعدم المساس به. العادات والتقاليد من الخيمة والشاي إلى خبز الملة….علامة مسجلة للسوفيين تعيش ولاية الوادي زخما ثقافيا متنوعا، تميزه عادات وتقاليد الأجداد بدءا من الرغبة في العيش والمحافظة على البداوة التي تكسب أهلها نوعا من الوقار وخشونة العيش وحب الاعتماد على النفس بالعيش في الخيمة خارج الحضر في الصحراء التي تعد من وبر الجمال أو من شعر الماعز تكون واسعة من الداخل ومرفوعة على مجموعة من الأعمدة بإحكام لكي لا تهزها الرياح القوية، بالإضافة إلى متعة تجهيز الشاي على الحطب الذي يتميز بنكهة خاصة، وكذا إعداد ما يسمى بخبز أو كسرة الملة، التي سميت بهذا الاسم لأنّها تململ في الرمل أي تمزج به شرط أن يكون الرمل ساخنا جدا نتيجة إشعال النار فوقه، وتعد خبز الملة بطريقة سهلة وبسيطة أين يقوم الطاهي بإحضار الطحين "الفرينة" والملح والماء ويقوم بمزجها ببعضها إلى غاية أن تصير عجينة ويقوم بخبزها ووضعها في الرمل الساخن وينتظرها لمدة 15 دقيقة لتصبح جاهزة للأكل بعد ذلك. وواكب وجودنا هناك انطلاق عدة مهرجانات ثقافية تحكي الموروث الثقافي السوفي للزائرين وتعرف بالمنطقة، فلا يتوقف مهرجان حتى ينطلق آخر يثبت فعلا أنّ هناك حياة ثقافية متميزة تعيشها بلاد الألف وقبة. .. بناء الزاوية التيجانية …بأمر من الرسول عليه الصلاة والسلام بدائرة قمار هي من أشهر الزاويا على الإطلاق، منارة تشع علما وحضارة، يعود بناؤها إلى سنة 1204 ه / 1789 م بدائرة قمار بولاية الوادي يد المقدّم محمّد الساسي القماري وذلك بأمر من مؤسّس الطريقة التيجانية الشيخ سيّدي أحمد التيجاني رضي الله عنه، وحسب ما روي لنا أن سبب بنائها جاء بأمر من رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدما رآه مؤسس الزاوية في رؤيا في المنام، وتُعَدّ الزاوية التيجانية بقمار أوّل زاوية في تاريخ الطريقة التيجانية تلتها زاويتا عين ماضي بولاية الأغواط ، وتنس بولاية الشلف، وتضم في مرافقها ثلاث مساجد ومدرسة قرآنية ومركز ثقافي يحتوي على مكتبة، ومدرسة للصم البكم، ومقبرة تضم رفاة وقبور أبناء العائلة، وأيضا تعمل على تحفيظ القرآن الكريم لأبناء المنطقة حيث تستقبل سنويا حوالي 100 طالب، كما لها دور اجتماعي إصلاحي، ومرجع لحل الخلافات كمسألة المواريث، وللزاوية مريدون وأتباع من داخل وخارج الوطن وأشهر مكان هو دولة السنغال حيث أن 95 بالمائة من سكانها من التيجانين، كما لها أتباع من باقي إفريقيا وأوربا وآسيا ومن أمريكا. . .البياضة… أجمل غروب شمس على الإطلاق لم يكن من السهل علينا إكمال اليوم دون الاستمتاع بغروب الشمس في أجمل منطقة على الإطلاق، فمنطقة البياضة بولاية الوادي، فبكثبانها الرملية الذهبية التي صبغتها أشعة الشمس باللون الأصفر أضاف لها جمالا خارقا خاصة عند نزوح الشمس إلى المغيب، فالكثبان الرملية المترامية الأطراف تمنحك راحة نفسية تستحق أن تلقاها بعد يوم طويل وشاق. .. سوق الوادي…..شريان الحياة هو عبارة عن سوق شعبي تأسس سنة 1966، أين أخبرنا التاجر عمي صالح صغيري أنّ هذا السوق كان سابقا عبارة عن غوط يسمى غوط السردوك، ويجمع بين جنباته تجارا كبار وصغار، منهم من يملكون سجلا تجاريا ومنهم من لا يملكون، أسعار السلع فيه زهيدة مقارنة بأسواق أخرى خاصة المواد الاستهلاكية، خصص يوم الجمعة فيه للرجال فقط، ويوم السبت للنساء فقط، وباقي الأيام للجميع، كما أخبرنا أنّه تأسس بالموازرة مع هذا السوق سوقين آخرين هما سوق دبي للسلع التي تأتي من منطقة الخليج، وسوق ليبيا للسلع التي تأتي من الجارتين تونس وليبيا. ... حياة بسيطة بنكهة حياة العظماء وأنت تدخل الأحياء السوفية بولاية الوادي يقابلك عمرانها البسيط الذي بني بشكل متساو، فلا يمكن لرب العائلة السوفي أن يرتفع ببيته بأكثر من طابقين، كما قيل لنا نظرا لعدم قابلية الأرض على التحمل حيث توصف بأنّها متحركة، كما لا حظنا البساطة في العيش والترحيب الكبير الذي حفونا به خلال زيارتنا ما هو إلاّ خير دليل على ذلك فهم يعيشون حياة بسيطة بنكهة حياة العظماء، وما شد انتباهنا ظاهرة غريبة قال لنا عنها دليلنا وهي غياب البطالة حيث أنّ جميع أبناء المنطقة يعملون في الفلاحة، فلا ترى عائلة إلاّ ويشتغل أبناؤها في الفلاحية من كبيرهم إلى صغيرهم. الجديد والتحرير…..سمع وبصر المواطن السوفي مما لا حضناه في جولتنا التي قادتنا إلى الولاية رفقة وزير الشباب عبد القادر خمري، وشد انتباهنا هو وجود وسائل إعلام محلية تهتم بالشأن السوفي وتنقل هموم المواطن إلى السلطات المحلية على غرار ولايات الوطن التي زرناها، فيومية "الجديد" التي تعيش عامها التاسع بدأت أسبوعية سنة 2007 لتصير سنة 2010 يومية وتضم في طاقمها حاليا 26 صحفيا بين صحفي ومراسل، أين لم يتركنا صحفيوها لحظة عرفونا بالمناطق وكانوا دليلنا في الجولة، أمّا يومية "التحرير" فتأسست سنة 2011، ولها حوالي 4 سنوات من العطاء، فهي تجربة متميزة تستحق الثناء والمتابعة.