“لن أكون بلوزداديا ولا شنويا يوم السبت، لكني سأكون مع الفريقين معًا”“هدفي في مرمى المولودية بعد وصولي من تركيا صبيحة المباراة لا يحدث سوى مرة في التاريخ” لا يمكن أن تتحدث عن “الداربي” العاصمي الكبير الذي سيجمع شباب بلوزداد بضيفه مولودية الجزائر هذا السبت بملعب 20 أوت، دون أن تذكر لاعبا كبيرا ترك بصماته في الناديين معا، أكيد أنكم عرفتموه إنّه “الحراشي” فيصل باجي الذي دافع عن ألوان “أبناء العقيبة” لسنوات عدّة ونال معهم العديد من الألقاب، مثلما دافع عن ألوان “العميد” لسنوات عدّة ونال معه العديد من الألقاب أيضا، وللتطرق إلى “الداربي“ الذي سيجمع فريقيه السابقين بعد غد، كان لنا أمس حديث مع باجي الذي أجاب بصدر رحب عن أسئلتنا، بل وكشف لأول مرة عن أمور كان الغموض يكتنفها، ولم يسبق له أن تطرق إليها من قبل. فيصل من خلال اتّصالنا هذا نودّ أن نعيدك إلى حقبة زمنية سابقة كنت فيها تصول وتجول في الميادين الجزائرية، وبالضبط خلال الفترة التي كنت فيها صانع ألعاب بلوزداد ومولودية الجزائر... أنا مستعد للعودة إلى تلك الفترة الزاهية التي مررت بها مع ناديين عزيزين على قلبي، ولذلك تفضل قل ما شئت واطرح من الأسئلة ما تبادر إلى ذهنك. قبل أن نعود إلى تلك الفترة الزّاهية، بودّنا أن نعرف كيف تتوقع أن يكون “الداربي” العاصمي الكبير الذي سيجمع بلوزداد بالمولودية هذا السبت ؟ “الداربي” بين الشباب والمولودية “داربي” كبير، وغالبا ما يصنع الحدث في الجزائر، لأنه يجمع من جهة بين فريقين كبيرين، وبين جارين يعرفان بعضهما البعض حق المعرفة من جهة ثانية، وبالنظر إلى وضعية الفريقين الحالية أتوقع أن يكون لقاء صعبا لهما، فالشباب بقي لفترة طويلة من دون منافسة وهذا الأمر سلاح ذو حدين، فمن جهة من شأنه ألا يخدم مصالح اللاعبين الذين قد يتأثرون لنقص المنافسة، ومن جهة ثانية قد يخدمهم بما أن بداية التحضيرات لكأس “الكاف” عرفت اضطرابا كبيرا، والمولودية خرجت مؤخرا من خسارة في عقر الديار أمام مولودية وهران، وستسعى إلى تضميد الجراح بالعودة بنتيجة إيجابية من 20 أوت، لاسيما أن الفرق الجريحة غالبا ما يكون رد فعلها قويا في المباريات التي تلي تعثراتها، وبالنظر إلى كل هذه المعطيات أتوقع أن يكون اللقاء متكافئا وصعبا للغاية، وأنه لن يلعب سوى على جزئيات صغيرة. ألا ترى أن الأفضلية ستكون للشباب الذي سيستفيد من اللعب على ملعبه ب 20 أوت، ومن دعم جماهيره الغفيرة التي تمارس دوما ضغطا شديدا على ضيوفها ؟ ولو أني أعترف بقوة الشباب في 20 أوت، إلا أني اللقاء سيكون متكافئا، وصعبا في آن واحد، فريق جريح من هنا وآخر في حاجة إلى النقاط الثلاث من هناك. لمن تتوقّع أن تكون الغلبة في هذه المباراة، صراحة ؟ صعب التكهن بنتيجة اللقاء، لأن “الداربي” على غير العادة هذه المرة حلّ في بداية الموسم، ففي السابق كانت مباراة الشباب والمولودية تلعب ابتداء من الجولة التاسعة، وهذه المرة سيلعب في الجولة الرابعة، وهو ما لم يسمح لنا باكتشاف إمكانات وطموحات كل فريق، ولا من التأكد من مستواهما الحقيقي. لو تكن معنا أكثر صراحة، هل ستكون يوم السبت مناصرا لشباب بلوزداد الذي قضيت معه تسعة مواسم رائعة وحصدت معه ألقابا غالية، أم مناصرا لمولودية الجزائر التي كان ختام مشوارك الكروي معها مسكا بنيل أربعة ألقاب أيضا ؟ (يضحك)، هذا السؤال طرح عليّ أكثر من مرة، وكنت في كلّ مرة أتحاشى الإجابة عنه، ولن أخرج عن القاعدة مرة أخرى، بعدم الردّ عليه، وأكتفي بالقول أني سأكون مع الاثنين. نحترم ردّك، وننتقل الآن للحديث عن الماضي الجميل الذي عشته مع الفريقين، ونبدأ بحكاية وصولك إلى الجزائر قادما من تركيا على الساعة الخامسة صباحًا، وتسجيلك هدفا في مرمى المولودية، ما الذي لا زلت تذكره عن تلك المباراة ؟ ذلك الأمر لا يحدث سوى مرة واحدة في التاريخ، يومها أتذكر أني ضيّعت رحلة العودة من تركيا إلى الجزائر خلال الأسبوع، وليلة المباراة وجدت مكانًا وحجزت ووصلت إلى أرض الوطن في الصبيحة، وتنقلت مع فريقي شباب بلوزداد إلى ملعب 5 جويلية وفي ذهني أني لن ألعب “الداربي”، لأني وصلت متعبا ومرهقا، ولم أخض قبلها أي حصة تدريبية، بما أن تنقلي إلى تركيا كان من أجل إمضاء العقد فقط، وصلنا إلى ملعب 5 جويلية فوجدت الملعب ممتلئا بأنصار المولودية في وقت كان عدد أنصار الشباب قليل وقليل جدا، حينها قررت أن ألعب المباراة حتى أساعد فريقي على الخروج بنتيجة إيجابية، والحمد لله “ربي ما خيبنيش” وتمكّنت من تسجيل هدف رغم التعب الذي نال مني، وأعتقد أن أنصار الفريقين يومها خرجوا راضين عن النتيجة التي انتهت بالتعادل، وثق أن أمر تسجيلي ساهم فيه الحظ فقط، ولا يمكنني أن أكرره إن حاولت فعل ذلك مرة ثانية. بما أنك لعبت للفريقين، كيف كنت تعيش فوق الميدان معاملة البعض لك من الطرفين بالشتم والسب عندما حملت ألوان الشباب أو عندما حملت ألوان المولودية ؟ كلاعب محترف عليّ أن أتقبل مثل هذه الأمور التي تحدث في مختلف ملاعب الوطن، وأينما تذهب تجد من يحبك ومن يكرهك، صراحة لم أكن أنزعج للمعاملة التي ألقاها من كل الذين يشتمونني وأنا فوق الميدان، لأن ما يهمني أكثر هو معاملة الناس لي خارج الميدان. كيف ذلك ؟ ربما داخل الملعب تعرضت لمضايقات، لكني خارجه لم يسبق لي أن واجهني أي مشكل سواء مع أنصار الشباب أو المولودية، فكل المناصرين يكنّون لي احتراما كبيرا، ويعربون لي عن ذلك عندما ألتقي بهم في الشارع، الكل يدرك أنّي لاعب محترف مجبر على تشريف ألوان فريقه، أنا خريج المدرسة الحراشية ولعبت ضدها وسجّلت عليها لما غادرتها، لعبت في العديد من الفرق بعدها وتصرفت بكل احترافية وسجلت عليها جميعا، وأنا راض عن ذلك لأني لم أغش طيلة مشواري الكروي وكنت لاعبا منضبطا يتحلى دوما بالنزاهة، وهذا ما جعلني أنال اليوم احترام كل أنصار الأندية التي لعبت لها. سبق لك أن سجّلت في مرمى المولودية لمّا كنت لاعبا في صفوف الشباب، وسبق أن سجلت في مرمى الشباب لمّا كنت لاعبا في المولودية، فما كان شعورك عندما تسجل في مرمى كل منهما ؟ أي لاعب يكون سعيدا لما يسجل أي هدف، لاسيما إذا كان ذلك الهدف حاسما وذا قيمة في تلك المباراة، لمّا كنت لاعبا في صفوف الشباب أتذكر أني سجلت عدة مرات في مرمى المولودية ولا أخفي عليك أني كنت سعيدا لأن التسجيل في “داربي” عاصمي مهم جدّا، ولمّا انضممت إلى المولودية أتذكر أيضا أني سجلت في مرمى الشباب هدفا وكنت سعيدا أيضا لذات السبب، والمهم في النهاية أني تحلّيت باحترافية كبيرة مع الفريقين، وبلّلت قميصي معهما أيضا ودافعت عن ألوانهما بكل إمكاناتي دون غش أو أي شيء من هذا القبيل. عشت أحلى الأوقات في بلوزداد إلى درجة أن أنصاره صاروا يعتبرونك ابن فريقهم، فكيف غادرته وانضممت إلى المولودية، وهل كان من السهل عليك اتخاذ ذلك القرار في ظل الحساسية الموجودة بين أنصار الفريقين ؟ أعترف أنّ القرار لم يكن سهلا عليّ، لأني كما ذكرت في سؤالك عشت أوقاتا لا تنسى في الشباب، لكن بعد الذي حدث لي آنذاك (رفض العودة للحديث عن ما حدث) قرّرت الرحيل عن الشباب وتغيير وجهتي نحو فريق آخر، وسبق لي أن صرّحت بها مرة واحدة لدى مغادرتي بأن انضمامي إلى المولودية لم يكن مطروحا بتاتا، لأني كنت على وشك التوقيع لشبيبة القبائل بنسبة 99 بالمائة، حيث لم يكن ينقصني سوى الإمضاء على العقد فقط بعدما حسمت كل شيء مع مسؤوليها، واختياري كان عن قناعة لأن الشبيبة فريق كبير يتشرف أي لاعب بتقمص ألوانه من جهة، ولأني كنت أفضل أن أبتعد عن ضغط العاصمة، فضلا عن أن طريقة لعبي تتلاءم وخطط الشبيبة، لكن الأمور تغيّرت بعدها رأسا على عقب، فحدث أن أمضيت للمولودية التي اتصل بي مسؤولوها، وبالنسبة لي أقول أنها قضية “مكتوب” وكفى، والحمد لله أني واصلت تألقي مع العميد ونلت شرف الحصول على أربعة ألقاب كاملة بين كأسي الجمهورية والكأس الممتازة مرتين أيضا، وحظيت أيضا بحب “الشناوة” مثلما أحبني أنصار الشباب. لدى انضمامك إلى المولودية قيل الكثير عن رفضك مواجهة شباب بلوزداد في ملعب 20 أوت بعد أن طفت على الساحة حكاية ضياع القميص الذي كان من المفروض أن تلعب به، فهل صحيح أنك تحاشيت مواجهة الشباب في عقر داره، أم أنّ القميص ضاع حقا منك ؟ طيلة مشواري الكروي كنت صريحا مع العالم بأسره ونزيها مع نفسي ومع الأشخاص الذين تعاملت معهم ومع الأندية التي لعبت لها، وبالتالي لا مجال للتشكيك في نزاهتي، ولأول مرة أجد نفسي مجبرا على سرد الحكاية بالتفصيل لعل من ليسوا على علم بها أو من لم يصدّقوها أن يتعرفوا على السبب الحقيقي الذي كان وراء غيابي عن تلك القمة المحلية. = تفضل.. أتذكر أننا أسبوعا قبيل تلك المباراة استضفنا أحد الأندية في ملعب 5 جويلية وارتدينا الزّي الأخضر، ولما أتينا إلى 20 أوت من أجل مواجهة الشباب أسبوعا بعد ذلك دخل المنافس بالأحمر فأجبرنا على اللعب بالأخضر ثانية، يومها المدرب الإيطالي للمولودية فابرو أدرجني في كرسي الاحتياط، وبينما نحن في غرف الملابس أتاني المكلّف بالعتاد وقال لي “فيصل أتعلم أننا لم نجد قميصك في المخزن” وأن القميص المتوفر يضم الرقم 8 فقط، ولا يتحوي على اسمي وعلى العلامات الإشهارية، فاقتربت من المدرب فابرو وسردت عليه القصة كاملة مثلما أكدها لي المكلّف بالعتاد. وما كان ردّه ؟ فضّل الصمت، لكنه قبيل ربع ساعة عن نهاية المباراة طلب مني القيام من أجل إحماء العضلات تحسبا لأخذ مكاني، فقمت من مكاني وأظهرت له القميص الذي منح لي والذي لم يكن يحمل لا اسما ولا علامات إشهارية، ما يجعله يظهر مختلفا عن الأقمصة التي كان رفاقي يرتدونها، فقلت له صراحة أنها إهانة لي ولسمعتي كلاعب لديه اسم وتاريخ وإهانة لفريق عريق كمولودية الجزائر، أن ألعب بقميص كهذا في مباراة يتابعها الملايين على الشاشة فاقتنع، لكن الكثيرين ربطوها بأني تعمّدت تضييع قميصي وأني أخفيته حتى لا أواجه الشباب في 20 أوت، ونسجوا حكايات طويلة عنها لا أساس لها من الصحة، والدليل على أني يومها كنت صادقا، أني واجهت الشباب في الموسم الموالي بملعب 20 أوت دون عقدة، وأقول وأكرّر أنا كنت محترفا بأتم معنى الكلمة وبللت قميصي ودافعت عن ألوان كل الأندية التي لعبت لها دون غشّ، وهو ما جعلني اليوم ألقى كل الاحترام من طرف الجميع في الشارع. نعيد عليك السؤال، هل ستكون بلوزداديًا أم شنويًا يوم السبت ؟ لن أجيب عن هذا السؤال إلى الأبد. لكنك ستتابعها ؟ بطبيعة الحال وباهتمام كبير أيضا. نتمنى لك في الأخير حظا موفقا في تجربتك الجديدة كمحلّل لقناة التلفزيون الجزائري ؟ شكرًا لكم، هي تجربة جديدة علي، سأحاول مع مرور الوقت أن أكون عند حسن ظن كل المشاهدين والمتتبعين .