ببالغ الحزن والأسى، تلقت “الهدّاف” أمس على غرار أسرة شبيبة القبائل وكل عشاق اللونين الأخضر والأصفر، نبأ وفاة المرحوم مصطفى عنان، وسط ميدان الشبيبة وقلبها النابض لسنوات السبعينات بعد مرض عضال، وهي المناسبة التي تجعلنا نتقدم بتعازينا القلبية الخالصة لعائلة الفقيد، راجين من المولى عز وجل أن يتغمّد روحه الطاهرة برحمته الواسعة، ويلهم ذويه جميل الصبر والسلوان، إنّا لله وإنا إليه راجعون. ---------- عائلة الشبيبة تفقد عملاقا آخر وبوفاة مصطفى عنان تكون أسرة الشبيبة قد فقدت لاعبا وابنا بارا وعملاقا آخر بعد كل الذين قضوا نحبهم قبل ذلك في صورة كمال عويس، لحراري حسين، حسين عمروس، جعفر هاروني وحسين قاسمي، دون نسيان الرئيسين عبد القادر خالف وبن قاسي، والبقية ممن أفنوا أعمارهم في خدمة الشبيبة والحفاظ عليها وعلى نُبل الرسالة التي كانت ولا تزال وستظل تلعب من أجلها. سيوارى الثرى بعد صلاة الجمعة وسيوارى جثمان الفقيد الثرى ظهيرة اليوم بعد صلاة الجمعة في مقبرة “مدوحة” وسط مدينة تيزي وزو، وسيكون الجميع مدعوا للحضور والترحم على أحد صانعي أول تتويج قبائلي بلقب البطولة سنة 73، حيث ستكون الفرصة لكل من عايش الفترة التي لعب فيها عنان رحمه الله لكي يواسوا عائلته بعد هذا المصاب الجلل الذي لن يهوّن منه إلا الإيمان بقضاء الله وقدره. قدامى الشبيبة تحت الصدمة ولم يختلف رد فعل قدامى الشبيبة عن المناصرين الذين عرفوا عنان رحمه الله لما كان لاعبا، حيث استغربوا كثيرا لذلك وعبّروا لنا عن حزنهم البالغ بعد سماعهم الخبر، وخاصة بالنسبة لمن ترعرعوا في نفس بيئة اللاعب على غرار تشيبالو، أو حتى ممن كان للمرحوم عنان أثر في المسيرة التي قطعوها في مهنة التدريب على غرار عز الدين آيت جودي. صاهر عائلة خالف محي الدين ومما قد يجهله البعض أن المدرب الأسطوري والأب الروحي للشبيبة خالف محي الدين من أشد المقربين من مصطفى عنان رحمه الله، بحكم علاقة القرابة التي تربط بينهما بما أن لاعب الشبيبة السابق صاهر عائلة خالف، وهذا ما يجعله من بين المقربين كثيرًا من مصطفى عنان، ويعرف أدق التفاصيل عنه. هذه هي مسيرة “أدّا” مصطفى وكما هو معلوم، فإن الفقيد مصطفى عنان لم يسبق له أن تقمص ألوان فريق آخر غير الشبيبة طيلة مسيرته الكروية، لكن هذا لا يمنع من الإشارة إلى أنه بدأ في نادي لالة سعيدة الذي يتواجد في أعالي مدينة تيزي وزو، قبل أن يمضي أول إجازة مع الشبيبة التي انضم إليها في سن ال14، كما تمت ترقيته من الأواسط إلى الأكابر بعدها بقليل، ولعب أول لقاء بألوان الشبيبة الذي كان وديا أمام دينامو دومينكس السوفياتي، وكان ترجي ڤالمة أول نادٍ واجهه المرحوم مصطفى عنان، وهي المباراة التي لم تمح من ذاكرة “تيربو” الشبيبة. جون لوماتر حوّله إلى وسط الميدان وقد بدأ مصطفى عنان مشواره الكروي ظهيرا أيمن إلى غاية المباراة التي فازت بها الشبيبة على ترجي ڤالمة بثلاثية مقابل هدفين، وهي المباراة التي قدّم فيها مصطفى عنان كرتين أتى على إثرهما هدفان، ما جعل المدرب الفرنسي للشبيبة آنذاك جون لوماتر يقرر تغيير منصب عنان رحمه الله بالنظر إلى فعاليته الكبيرة في الوسط، وهو ما حصل فعلا إلى غاية اعتزال اللاعب الدولي للشبيبة الميادين والرقم 6 على ظهره. الكل يشهد على أخلاقه العالية ولم يغيّر الشبيبة أبدًا وبالإضافة إلى ما سبق ذكره، والإمكانات الكبيرة التي كان يحوزها مصطفى عنان، فقد كان يشهد له الجميع بأخلاقه العالية وتواضعه الكبير في الميدان وخارجه، إلى درجة أنه أصبح يظهر للعيان على أنه لاعب عادٍ بالرغم من أن مكانته الأساسية لا نقاش فيها على الإطلاق، إضافة إلى كل هذا، وبالرغم ومن العروض التي كانت تصله إلا أنه فضّل المواصلة مع فريق “القلب” كما كان يسميه كمبدأ قبل كل شيء. كان يتفاهم بأعين مغمضة مع رشيد باريس ومن بين اللاعبين الذين كان المرحوم مصطفى عنان يتفاهم معهم، نجد اللاعب رشيد باريس باعتبارهما يلعبان في نفس المنصب تقريبا ولو أن دور عنان رحمه الله كان دفاعيا أكثر من أي شيء آخر، إضافة إلى الأجواء التي كانت تميز الفريق القبائلي آنذاك، والتي جعلت من الشبيبة عائلة واحدة بأتم ما تحمله الكلمة من معان. “مارينو”، “الألماني”، “رئة الشبيبة”.. تسميات اقترنت بالمرحوم وكما هو معلوم، لا يوجد لاعب من بين اللاعبين القدامى إلا ونال نصيبه من التسميات التي كانت منتشرة في ذلك الوقت، مثل “تشيبالو” والبقية، فقد نال المرحوم نصيبه من هذا الأمر وأصبح الجميع يطلق عليه تسميات مختلفة، مثل “مارينو” و”الألماني”، لكن الأكثر شيوعا كانت “رئة الفريق”، بالنظر إلى أنه كان من نوع اللاعبين الذين لا يسأمون كثيرا وكان يُزعج المنافسين كثيرا بمراقبته اللصيقة. تحصل على ثلاثة ألقاب مع الشبيبة وتوقف سنة 80 وبالحديث عن الألقاب، يكفي مصطفى عنان أنه كان وراء اللقب الذي أحرزته الشبيبة عام 73 في بطولة كانت تضم آنذاك “le grand chabab“ المدجج بالأسماء الثقيلة، وهو ما منح الانطباع على أن الشبيبة فعلا فريق المواعيد الكبرى وقادرة على صنع المعجزات، قبل أن يضيف الثنائية الرائعة سنة 77 بعد النهائي الكبير الذي احتضنه ملعب 5 جويلية الأولمبي وجمع يومها الشبيبة بنصر حسين داي. فيتا كلوب آخر نادٍ واجهه المرحوم وبعد مشوار حافل قرّر مصطفى عنان توديع الميادين وعلى ظهره الألوان القبائلية التي بقي مخلصا لها، حيث كانت آخر مواجهة لعبها عنان رحمه الله، أمام نادي فيتا كلوب الزائيري (الكونغو الديمقراطية حاليا)، حيث فازت الشبيبة بثلاثية على الضيوف قبل أن يُقصوا في لقاء العودة بهدف وحيد، ليقرّر بعدها توديع المستوى العالي. “ما علقش الصباط”، وواصل المسيرة رفقة حناشي في شبيبة تيزي وزو وبالرغم من اعتزاله الميادين إلا أن مصطفى عنان بقي محبا ومخلصا للساحرة المستديرة، واعتزاله آنذاك كان مصحوبا باعتزال الرئيس الحالي للشبيبة محند شريف حناشي، وقرّرا سويا التنقل إلى الفريق الثاني لعاصمة جرجرة، ويتعلق الأمر بشبيبة تيزي وزو، أين قرّرا مواصلة اللعب مع هذا الفريق. ضيّعوا الصعود إلى القسم الأول أمام شبيبة الأبيار ومن بين النوادر التي وقعت لعنان رحمه الله أنه في الموسم الذي تقمص فيه ألوان شبيبة تيزي وزو رفقة حناشي، تصادف ذلك مع وجود نادي شبيبة الأبيار، حيث كان الصراع شديدا بين الناديين، إلى غاية حسم العاصميين للأمور في الجولات الأخيرة، الأمر الذي تأسف له عنّان كثيرا بما أنه كان يرغب في إهداء أنصار “الجياس. تي. أو” صعودا تاريخيا إلى قسم النخبة. كان يعمل في السياحة، وعمل رفقة القلي ووهابي في التجارة وعمل مصطفى عنان في مجال السياحة إضافة إلى المجال الرياضي، حيث كان مواظبا عليها كما كان مواظبا على تشريف عقده مع الشبيبة، إلا أنه بعد أن اعتزل الميادين قرّر أن ينتقل إلى عالم التجارة، وهذا إلى جانب كل من القلي ووهابي، حيث تفرّغ إلى عمله الجديد كليا بعد أن اعتزل اللعبة. يعتبر عبد القادر خالف مثاله الأعلى في الصرامة والانضباط كما يُعتبر الرئيس الأسطوري للشبيبة عبد القادر خالف من بين الشخصيات التي تركت آثارا عميقة في نفسية مصطفى عنان رحمه الله، حيث يعتبره القدوة التي يمكن للأجيال أن تستنبط منها أسمى معاني الجدية والصرامة وحب المهنة، حيث كان في كل مرة يظهر فيها مصطفى عنان رحمه الله على وسائل الإعلام يشيد بخالف الذي كان يراه أحد الأسباب التي جعلت الشبيبة تصل إلى ما وصلت إليه من مجد. شبيبة تيزي وزو، يسّر والأربعاء ناث إيراثن وبومرداس وأواسط الشبيبة.. الأندية التي درّبها المرحوم ولا يمكن الحديث عن مصطفى عنان دون الحديث عن مسيرة الرجل كمدرب، حيث أشرف على فريق شبيبة تيزي وزو كخطوة أولى، قبل أن يدرّب بعدها كلا من نادي شباب يسر، وحقق فيهما نتائج طيبة، قبل أن يُشرف على نادي الأربعاء ناث إيراثن، ثم رائد بومرداس، قبل أن يختم مسيرته في شبيبة القبائل التي أشرف من خلالها على الأواسط، وقدّم من خلالها العديد من الأسماء للمدرب موسى صايب. كان وراء اكتشاف الأخوين دويشر، مازاري، عكاشة وماراك وإذا كان هناك لاعبون من الجيل الحالي سيتأثرون بعد سماع خبر وفاة عنان رحمه الله، سيكون دون شك قائد الشبيبة لعمارة دويشر، إضافة إلى شقيقه تاكفاريناس، دون نسيان الحارس نبيل مازاري واللاعبين السابقين للشبيبة عكاشة وماراك، حيث استطاع “أدّا” مصطفى رحمة الله عليه أن يمنحهم الفرصة للتألق في المستوى العالي بما أنه كان وراء اكتشافهم. ساهم في إنقاذ الشبيبة من السقوط سنة 71 وحرم “الموك” من اللقب ومن بين الإنجازات التي لا يزال يحتفظ بها قدامى الشبيبة، هي المباراة التي جمعت القبائل أمام “الموك” الذي كان يضم أسماء بارزة مثل ڤموح، فندي، كروكرو، حنشي والآخرين سنة 71، وكان التعادل حينها يمنح اللقب ل “الموك”، في حين أن الانهزام كان سيبعث الشبيبة إلى جحيم القسم الثاني، إلا أن الهدف الذي سجّله عنان في الدقائق الأخيرة، فجّر ملعب أوكيل رمضان، وأنقذ الشبيبة من السقوط، وهو الدرس الذي حفظه المسيّرون جيدا، بما أن النادي القبائلي لم يلعب بعدها على السقوط إطلاقا. هدفه في مرمى وداد بوفاريك سيبقى تاريخيًا سنة 77 ومن بين الأهداف التي سيتذكرها كل من عرف مصطفى عنان ذلك الذي سجله سنة 77 في مباراة النصف النهائي أمام وداد بوفاريك في ملعب عمر حمادي (بولوغين سابقا) الذي كان في مرمى الحارس بويشيوي الذي تألق في تلك المواجهة، ولكن عنان رحمه الله حطّمه بهدف قاتل أهّل الشبيبة بفضله إلى النهائي. حرم لاعبي النصرية من سيارة “فيات 128” ومن بين الأحداث الطريفة التي عاشها عنان سنة 77 لما أحرزوا “الدوبلي“ على حساب النصرية، اقتراب علي فرڤاني - لاعب الملاحة الذي أصبح بعدها قبائليا - من عنان رحمه الله، وبعد مصافحته، قال له قائد “الخضر” في مونديال 82 أن الشبيبة تسببت في حرمانه وزملائه من سيارة “فيات 128” التي كانت قد أنتجت لتوها من الشركة الإيطالية، وهي الحادثة التي كانت تُضحك عنّان رحمه الله كلما تذكرها. تلقى إصابة خطيرة سنة 77في تربص للشبيبة في آكس أون بروفانس ولأن القدر لا يخفي فقط المفاجآت السارة، فقد أصيب مصطفى عنان رحمه الله في أحد تربصات الشبيبة الصيفية سنة 77 في منطقة آكس أون بروفانس، حيث كانت بمثابة ضربة موجعة للفريق القبائلي الذي افتقد قلبه النابض لستة أشهر كاملة، وهي الذكرى السيئة التي كان مصطفى عنان يتحدث عنها دائما. أول لقاء له مع أكابر “الخضر”كان أمام المجر وعن المنتخب الوطني فقد لعب عنان رحمه الله في صنف الأواسط في تشكيلة كانت تضم آنذاك لاعبين مثل عبدوش وزنير، ومع التألق الواضح الذي كان فيه لاعب الشبيبة، تم استدعاءه إلى الأكابر، ولعب مع العمالقة لالماس (شباب بلوزداد) وفرحات (شبيبة تيارت)، إضافة إلى خيار (اتحاد خنشلة)، كوفي وعميروش زميليه في الشبيبة، وأول لقاء لعبه كان وديا أمام المجر في ملعب 5 جويلية. موسى صايب كان يحظى بمعزة خاصة عنده وكان موسى صايب يحظى بمعزة خاصة عند عنان رحمه الله، سواء كلاعب أو حتى كمدرب، حيث اعتبره المرحوم أحد المكاسب التي أفادت كثيرا النادي القبائلي في فترة من الفترات، وكان له الفضل في قيادة الشبيبة إلى العديد من النتائج الإيجابية التي كانت تحققها آنذاك بعد أن جاء بطريقة جديدة إلى الفريق على حد تعبير عنان رحمه الله. علي بلحسن (تشيبالو): “كان رئة الشبيبة ودوره كان كبيرًا“ وكان لنا حديث مع تشيبالو الذي صرّح قائلا: “ماذا تريدون أن أقول لكم، الخبر نزل علي كالصاعقة، وما أطلبه، هو أن يدعو الجميع له بالرحمة والمغفرة، كان مثالا في الروح الرياضية والأخلاق العالية، إضافة إلى قوته الكبيرة على أرضية الميدان، بما أنه كان يلقب “رئة الشبيبة”، وهذا ما يجعلني أقول أننا فقدنا رجلا عظيما لن تنسينا الأيام إياه أبدًا”. آيت جودي: “يكفيني شرفا أني تعلمت مبادئ التدريب مع عمي مصطفى رحمه الله” ومن جانبه صرّح آيت جودي قائلا: “يكفيني شرفا أني تعلمت مبادئ التدريب على يد عمي مصطفى رحمه الله، حيث أشرفنا على فريق شبيبة تيزي وزو في فترة من الفترات، وهذا ما يجعلني أقول أن اسم هذا الرجل سيبقى راسخا في ذهن كل من عرفه من قريب أو من بعيد، وأطلب منهم أن يدعو له بالرحمة والمغفرة”.