لا يفهم أحد سر ما يحدث في الكرة الإسبانية هذه الأيام، فبينما كان ينتظر الجميع موعد إنطلاق "الليغا" المنتظر ليلة اليوم، تفاجأوا بقرار صدر خلال الساعات القليلة الماضي من نقابة اللاعبين المحترفين الإسبان يقضي بتأجيل مسابقتي الدرجتين الأولى والثانية لغاية الأسبوع القادم على أقل تقدير،.. في حادثة تشهدها إسبانيا للمرة الأولى منذ 1984، وحسب الخبراء فإن هذا الطريق المسدود كان منتظرا منذ عدة سنوات في ظل الأزمة الخانقة التي تعصف بأندية "الليغا" الأولى والثانية، والتي تزايدت حدتها في أعقاب الأزمة الإقتصادية العالمية. الرابطة ونقابة اللاعبين الإسبان تفاوضا يومي الأربعاء وأمس ولم يتفقا أما السبب الرئيسي الذي عجل بتأجيل الجولة الأولى بنسبة 99 بالمئة إلا إذا حدثت المعجزة الكبرى ليلة أمس، فهو يتمثل في عدم وصول نقابة اللاعبين المحترفين الإسبان إلى إتفاق مع الرابطة الإسبانية يوم الأربعاء الماضي، حيث كانت هناك سلسلة من الإجتماعات خلال الأسابيع القليلة الماضية طالبت فيها النقابة بتلبية بعض الشروط الخاصة بحقوق اللاعبين، وهو أمر لم تتحمس الرابطة لتطبيقه بالشكل الكافي، الأمر الذي جعلهم ينفذون تهديدهم بالمقاطعة. اللاعبون يطالبون بضمان حقوقهم في حال إفلاس أنديتهم ومن أبرز هذه الشروط التي يريدها اللاعبون بأي ثمن، هو تقديم الرابطة لضمانات بتلقي اللاعبين لأجورهم حتى في حال تعرض الأندية المرتبطين معها بعقود إلى الإفلاس، وذلك عن طريق إنشاء خزينة إحتياطية تضم مبلغا يقارب الخمسين مليون أورو يتم تزويد اللاعبين بها في حال إنسحاب أنديتهم من المسابقات المحلية بداع غرقها في الديون، وهو شيء تكرر كثيرا وبشكل مخيف على مدار السنوات القليلة الماضية. يريدون سن قانون طبقه روراوة في الجزائر الموسم الماضي كما نجد في قائمة شروط اللاعبين أيضا بندا ينص على تمكين اللاعبين من فسخ عقودهم مع أنديتهم بصفة تلقائية في حال عدم تلقيهم لأجرة ثلاثة أشهر متتالية، وهو أمر حرص رئيس الإتحادية الجزائرية لكرة القدم محمد روراوة على تطبيقه الموسم الماضي في إطار الموسم الماضي الذين شهد دخول أندية الدرجتين الأولى والثانية إلى الإحتراف، لكنه لم يتواجد أبدا في بطولة إحترافية هي الليغا، الأمر الذي يعكس الوضعية المزرية التي يعيشها اللاعبون هناك، حيث يضطرون لإحترام عقودهم الممضاة مع الإدارات حتى في حال عدم تلقيهم لأجورهم. يدركون جيدا أن ثلاثة أندية فقط قادرة على دفع الأجور هذا ومن المعروف في إسبانيا أن ثلاثة أندية فقط قادرة في الوقت الحالي على تسديد أجر كافة لاعبيها في الوقت المحدد ودون تأخير، ويتعلق الأمر بكل من العملاقين الكبيرين برشلونة وريال مدريد، إضافة لمالاغا الإسباني الذي أصبح منذ الموسم الماضي ملكية لرؤوس أموال قطرية تصرف بسخاء مقابل جلب أفضل اللاعبين، أما بقية الأندية فهناك من يجد صعوبات بالغة في توفير الأجور ويسجل تأخرا لأيام، وهناك من يتأخر لأشهر مثلما حدث الموسم الماضي مع هيركوليس أليكانتي حينما تأخر في تسديد رواتب اللاعب الهولندي رويستون درينثي. ما حدث لسرقصطة، هيركوليس ورايو فاليكانو أبرز مثال وعموما هناك ثلاثة أمثلة تعكس تماما الحالة المزرية التي وصلت إليها الأندية الإسبانية، ويتعلق الأمر بكل من سرقصطة وهيركوليس أليكانتي ورايو فاليكانو، وهي أندية أعلنت إفلاسها بشكل رسمي بداية الصيف الحالي لعدم قدرتها على توفير الأموال لدفع أجور اللاعبين والعمال، بإستثناء أن الفريق الأخير "رايو فاليكانو" تم إنقاذه في الوقت بدل الضائع، ذلك أن رجل أعمال مدريدي قام بشرائه ووعد بحل مشاكله المالية القاهرة خاصة أن بعض لاعبيه لم يتلقوا أجورهم منذ أزيد من عام. 200 لاعبا يدينون ب50 مليون أورو عن الموسم الماضي فقط من جهة أخرى، نشرت الصحافة الإسبانية تقريرا مفصلا حول مجموع الديون المسجلة من قبل الأندية خلال الموسم الرياضي المنقضي، وعموما فإن 200 لاعبا من الدرجتين الأولى والثانية يدينون بمبلغ يصل إلى 50 مليون أورو، أي بمعدل 250 ألف أورو لكل لاعب وهم مبلغ كبير خاصة أن الأندية الإسبانية ليست سخية في قيمة العقود بإستثناء الثلاثة الذين سبق ذكرهم ريال مدريد وبرشلونة ومالاغا وبدرجة أقل فالنسيا وإشبيلية وفياريال. لحسن لم يتلق أجوره كاملة أيام لعبه في ألافيس هذا الإشكال القائم في بلاد رئيس الوزراء خوسي لويس زاباتيرو يدفعنا للحديث عن ممثل الجزائر في الليغا الإسبانية مهدي لحسن، فالأخير عانى كثيرا من المشاكل المالية للأندية الإسبانية، والدليل هو ما قام به بداية العام الماضي حينما رفع دعوى قضائية ضد ناديه السابق ألافيس الإسباني بحجة أن هذا الفريق لم يدفع له مجموع أجور تصل قيمتها إلى 130 ألف أورو، علما أن إبن مدينة فيرساي الفرنسية لعب للنادي الأزرق والأبيض خلال الفترة ما بين 2005 و2008. ورفع مؤخرا دعوى قضائية ضد مالك راسينغ سانتاندير ويا ليت الأمور توقفت فقط عند التجربة الأولى في الملاعب الإيبيرية بالنسبة لصاحب الأصول الإيطالية، بل تكرر نفس السيناريو خلال الفريق الثاني الذي لعب له خلال الفترة ما بين 2008 و2011، ويتعلق الأمر براسينغ سانتاندير الإسباني، حيث رفع مهدي مؤخرا وبمعية زملائه دعوى قضائية ضد المالك الهندي للنادي إتهموه فيها بعدم دفعه لأجورهم رغم أنه وعد بتسويتها في حال إبقائهم للفريق في الدرجة الأولى وهو ما تحقق في نهاية المطاف، وعموما فما حدث للاعب خيتافي حاليا هو قليل فقط مما يحدث لعديد لاعبي الأندية متوسطة وضعيفة الإمكانات هناك. الديون الإجمالية للأندية الإسبانية تقدر ب4 ملايير أورو وبلغة الأرقام، فإن تقريرا نقلته يومية "لوباريزيان" الفرنسية مؤخرا أكد أن قيمة ديون الأندية الإسبانية متجمعة تقارب الأربعة ملايير أورو، منها 570 مليونا لفالنسيا، 337 مليونا لريال مدريد و308 مليونا لبرشلونة، كما أن أندية الليغا تأتي في المرتبة الأولى من حيث الديون متقدمة على نظيرتها الإنجليزية المقدرة ديونها ب3.5 مليار أورو، الإيطالية ب2.3 مليار أورو، الألمانية ب770 مليون أورو والفرنسية ب109 مليون أورو، علما أن أكثر أندية العالم مديونية هو مانشستر يونايتد ب815 مليونا، ويليه تشيلزي ثانيا ب798 مليونا، وفالنسيا في الرتبة الثالثة. تأييد كاسياس وبويول وألونسو للقضية زاد من قيمتها بالرجوع إلى الإضراب المرسم بنسبة 100 بالمئة لغاية ليلة أول أمس، فالجدير ذكره هو أن نقابة اللاعبين إستفادت كثيرا من تواجد ثلاثة عناصر من العيار الثقيل دعمت الموقف العام القاضي بالإضراب، ويتمثل الأمر في كل من قائد برشلونة كارليس بويول وقائد ريال مدريد إيكر كاسياس إضافة لمتوسط ميدان نفس الفريق تشابي ألونسو، فهؤلاء ورغم أنهم ينشطون مع أندية لا تقصر من الجانب المادي إلا أنهم فضلوا التضامن مع عامة اللاعبين الذين يعانون مشاكل مزرية، خاصة أن صوت الغريمين الأزليين مسموع كثيرا والأخصائيون يجمعون على أنه لولا هذا الدعم لما كان هناك أي إضراب. في حال عدم الإتفاق الأربعاء المقبل ستؤجل الجولة الثانية وقصد محاولة التغلب على هذا الصداع، سيعقد مسؤولو الرابطة الإسبانية إجتماعا جديدا مع نقابة اللاعبين يوم الأربعاء القادم، حيث يرتقب التوصل إلى إتفاق بشأن ضمان الحصول على مستحقات اللاعبين وإنشاء إحتياطي يتم إستغلاله في حال إفلاس الأندية، وأي خطوة غير هذه يعني تأجيلا جديدا وبالتالي دخول البطولة الإسبانية في دوامة مشاكل قد تعصف بشعبيتها دون الحديث عن غياب تواريخ كثيرة متوفرة لتعويض الأسبوعين الأولين. الكرة الإسبانية تتجه نحو الإنهيار و طريقة "بلاتيني" هي الحل ويبقى الشيء الأكيد من هذا كله هو أن كرة القدم في بلاد الملك خوان كارلوس تسير إلى الهاوية إذا ما لم يتم إنتهاج نظام للتحكم في التزايد المستمر لديون الأندية والذي وصل إلى رقم قياسي يقارب الأربعة ملايير أورو مثلما أشرنا إليه أعلاه، ومنطقيا لا مفر لأندية الليغا من إنتهاج سياسة "التوازن المالي" التي إخترعها الرئيس الفرنسي للإتحاد الأوروبي لكرة القدم "ميشال بلاتيني"، والتي تنص على أنه بداية من الموسم القادم فإن كل ناد أوروبي مطالب بعدم تحقيق فائض سلبي في ميزانيته السنوية، أي الصرف على حساب المداخيل، وإلا فالسقوط إلى الدرجة الدنيا سيحدث، فهل ستوافق الأندية على هذه السياسة ؟ أم تصر على الإستدانة والمغامرة ؟ ذلك ما سنعرفه في المستقبل القريب.