قال صلى الله عليه وسلم: «من حسن إسلام المرء تركه مالا يعنيه». ومن حسن إسلام المرء بناء على هذا الحديث: ألّا يدخل الإنسان في تصنيف الناس، وألا يفتن أحد بأحد، ولا يعظم أيًّا ما ترى في عيناك من بشر مهما رأيت فيه من الدين أو من البكاء من خشية الله أو من حسن الصوت بالقرآن أو من العلم أو ما إلى ذلك. لا تفتن بأحد، فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء، وكما أنك لا تفتن بأحد تخشى الفتنة على نفسك، فلا يغرنك عملك ولا ما إلى ذلك، أو ثناء الناس عليك أو ما تراه أو أشياء كثيرة قد تصبح لك مشجعة لكن لا تصبح لك مهلكة، وتظن أنك أنت تستحق هذا أو أنك قادر أو أن تزكي نفسك قلبياً. وفرق جمّ ما بين أن يزكي الإنسان نفسه قلبياً، وأن يزكي الإنسان نفسه كموهبة أعطاه الله جلَّ وعلا إياها. تزكية القلوب أمرها محسوم أنها لا تجوز قال الله جلَّ وعلا: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} [النجم:32]. فلا يجوز لأحد أن يزكي نفسه قلبياً. أما تزكية الصنعة التي تحسنها فهذا لا ضير فيه ومنه قول نبي الله يوسف: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْض إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]. هنا يتكلم عن أحوال الجوارح يتكلم عن قدرته في إدارة شؤون الدولة اقتصادياً، ولا يتكلم عن إيمانه ، وتقواه، وقربه من الله؛ يتكلم عن أمر دنيوي محض قال: {قَالَ اجْعَلْنِي عَلَى خَزَآئِنِ الأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ} [يوسف:55]. تريد أن تركب حافلة تسافر بها إلى مكة، وأمامك أربعين نفس أنت مسؤول عنهم، فمن حقك أن تسأل من يريد أن يقود؟ أيكم يحسن القيادة؟ فلو قام أحد الناس وقال: "أنا أحسن" أو يتكلم عن خبرة سابقة فهذا ليس تزكية للنفس، هذا إخبار بالعمل لا يذمّ صاحبه؛ لأن فيه منجاة للناس وإلا لو ترك الأمر على غير ذلك لهلك الناس، لكن المحرم شرعاً تزكية أعمال القلوب، هذه اجعلها بينك وبين الله ولا تأبى بمدح الناس ولا بذمهم.