نشرت : المصدر جريدة الشروق الأحد 16 أكتوبر 2016 09:47 تفاجأ الشارع الجزائري وكذلك المختصون بعودة قوية لظاهرة الحرقة، منذ نحو ستة أشهر، بمختلف سواحل البلاد، على الرّغم من أخبار الموت والغرق التّي تتصدّر الصفحات الأولى لوسائل الإعلام، وقصص الألم والمعاناة التي تصنع مشوار الكثير من الرحلات الفاشلة في عرض البحر. فلا يخلو يوم واحد، من ثلاث إلى أربع حالات هجرة غير شرعية ينطلق أصحابها من مختلف الشواطئ المعزولة، على متن قوارب متهالكة مزوّدة بمحركات عادة ما تقتل أصحابها، فتخلف الكثير من المفقودين والموقوفين لدى مصالح خفر السواحل. وتطرح عودة هذه الظاهرة المميتة حسب المختصين الكثير من الأسئلة، فهل يعود الأمر إلى بداية الأزمة الاقتصادية التي تعرفها البلاد وانعدام فرص التوظيف أو فشل سياسات التكفل بالشباب أم هناك أسباب أخرى تدفع بالجزائريين إلى اختيار الموت على العيش في بلادهم ..
شباب عنابة يشرحون للشروق أسباب عودتهم إلى قوارب الموت: عقود الإدماج المهني خذلتنا ولا يمكننا العيش بمليون ونصف مليون شهريا نزلت "الشروق" إلى الأحياء الشعبية بمدينة عنابة، وإلى معاقل الحراقة بسيدي سالم وجوانوا والبطاح بالطارف، ووقفت على الكثير من قصص وحالات اليأس والإحباط لدى عشرات الشباب، الذين يتحينّون الفرصة لركوب قوارب الموت ومغادرة التراب الوطني نحو الجنّة الموعودة كما يقولون، بعضهم حاولوا وتم توقيفهم في عدد من المرات من قبل عناصر خفر السواحل، ومازالوا مستعدّين للمغامرة والمخاطرة مرة ومرات أخرى، إلى غاية أن ينجحوا في بلوغ الضّفة الأخرى من المتوسط. هكذا يقول "سفيان" طالب جامعي "حاولت ثلاث مرات، دفعت فيها لبارونات الحراقة ما يقارب 25مليون سنتيم، وفي كلّ مرّة أفشل رفقة المجموعة التي أغادر معها، المحكمة أدانتني بعقوبة الحبس غير النافذ لستة أشهر وغرامات مالية قدرت ب6 ملايين سنتيم"، قبل أن يضيف "هذا كلّه لا يهمّ، المهمّ بالنسبة لي هو الحرقة و"الهربة" من هذا البلاد"، وليس سفيان وحده من ينتظر دوره ضمن طوابير من الشباب على مستوى مختلف الشواطئ التي تعتبر معاقل لبارونات تهريب الحراقة والبشر نحو الخارج، العشرات مثله يقولون بأن الحرقة هي الحلّ الوحيد للخروج من المأزق الذي يعيشونه، أغلب هؤلاء مستفيدون أو استفادوا من عقود الإدماج المهني وعقود التشغيل بمختلف الصيغ والأوصاف، ويتقاضون منحا تتراوح ما بين 8 و15 ألف دينار جزائري شهريا، ولكنّهم مستعدون للرحيل والمغادرة، ويقول أحدهم للشروق "تيقنّت بعد سنوات من الصّبر والانتظار بأنّ منحة 15 ألف دينار، "جرعة الأوكسجين هذه" التي جعلت منها الحكومة عام 2011 مهدئا للشباب، تيقنت بأنها غير كافية لأن تصنع مستقبلا أو تفتح بيتا، فهذه المنحة تعادل ما يمكن أن أجنيه في يوم واحد من عملي بمحلّ بيتزا أو مزرعة في ايطاليا". وقال آخر "أوهمت نفسي منذ ثلاث سنوات، بأنّ عقد العمل المؤقت الذي حظيت به على مستوى مؤسسة عمومية اقتصادية بمدينة عنابة، وأجني من خلاله منحة 15 ألف دينار شهريا، سيكفيني لأن أتزوج، بعدما تعرفت على فتاة، هيّ أيضا جامعية حاصلة على عقد عمل مهني تتقاضى من ورائه نفس المنحة، أعتقدنا بأنّ هذه المنحة ستكفينا لأن نفتح بيتا، مضيفا "هل تعلم أقنعنا أنفسنا بذلك وتقدمت لخطبتها، مرّت على خطوبتنا ثلاث سنوات ولم نتزوج، أنا الآن أريد الحرقة للهروب من هذه الورطة، لأنّ منحة 15 ألف دينار لم تعد تكفيني لأموري الخاصة فما بالك بأن تفتح لي منزلا"، ويقول بعض الشباب بأنّ عددا من المؤسسات العمومية والإدارات فسخت عقود عملهم المؤقتة بعد ثلاث سنوات، على الرغم من أن القانون ينّص على تجديدها، وسبب الفسخ بداعي التقشف وغيرها، ليجد هؤلاء أنفسهم بعد 36 شهرا يعانون البطالة الخانقة والحاجة الماسّة لبضع دنانير، ما جعلهم يفكرّون مجددا وجديا في الحرقة من جديد، بعد أن تراجعوا عن الفكرة كغيرهم من المئات من الشّباب بين عامي 2011 و2012.
مسنات كهول وأطفال يهربون في قوارب الموات الحقرة والمعاناة وتراجع القدرة الشرائية أسباب تدفع عائلات بأكملها للحرقة دفعت الحقرة والبطالة الخانقة، اللتين تعيشهما عائلات بمختلف الأحياء الشعبية والقصديرية، وبمختلف القرى والأرياف عبر عدد من ولايات شرق البلاد، بما فيها الطّارف، سكيكدة وقسنطينة وجبجل، الكثير من الأطفال وأرباب العائلات وحتّى عائلات بأكملها للتفكير في الهجرة غير الشرعية، والمغامرة بركوب قوارب الموت، رفقة أطفال وقصّر. وسجلّت مختلف عمليات توقيف الحراقة على مستوى سواحل مدينة عنابة من قبل عناصر خفر السواحل خلال التسعة أشهر الفارطة من العام الجاري، تواجد عائلات بأكملها على متن قوارب الحرّاقة، بما فيها عائلة صنعت الاسثتناء، لكونها جمعت عجوزا في السّتين من العمر رفقة ابنتها وحفيدتها التي لم تتجاوز ربيعها الخامس من العمر بعد، ومنذ أسابيع، سجلّت سواحل مدينة عنابة، غرق قارب حراقة، كان على متنه 16 شابا من ولاية سكيكدة، توفيّ منهم اثنان أحدهما في 56 من العمر، متزوج وأب لثلاثة أبناء، ويرى فاعلون وناشطون ومتابعون لظاهرة الحرقة، كما هو الحال بالنسبة لرئيس جمعية الحراقة المفقودين كمال بلعابد، بأنّ الحقرة والميزيرية والمعاناة والظروف القاسية التي تعيشها الكثير من العائلات جعلت حدّة الهجرة غير الشرعية في تنام رهيب في الأشهر الأخيرة، كما أنّ تراجع القدرة الشرائية، وارتفاع أسعار مختلف المواد الغذائية والخدماتية في مقابل انخفاض قيمة الدينار، جعل من بعض المنح والأجور التي تتقاضاها بعض الفئات من المجتمع غير كافية لقضاء أسبوع واحد في الشهر، ولا يمكن لها بأي حال من الأحوال أن تضمن العيش الكريم للعائلة الجزائرية، وأسباب أخرى، تعود لفشل الحلول الاجتماعية، وعدم جدية القوانين المعمول بها فيما يخصّ ظاهرة الهجرة غير الشرعية، أسباب كلّها اجتمعت لعودة الظاهرة بهذه القوة لسواحل مدينة عنابة، ومختلف الولايات الساحلية بما فيها سواحل الولايات الغربية.
مختصون في الاقتصاد يشرحون أسباب عودة الحراقة: انعدام التشغيل وإجراءات التقشف زرعا اليأس لدى الشباب أجمع مختصون في الاقتصاد، أن ظاهرة "الحرقة" عادت بحدة للمجتمع الجزائري بعد دخول البلاد في سياسة التقشف والخطاب السياسي البائس حسبهم، وأكد هؤلاء أن التحوّلات الاقتصادية في الجزائر رسمت صورة غير واضحة للمستقبل في أذهان الفئة الشابة وزرعت في قلوبهم حالة من الخوف واليائس وهو ما جعلهم يعيشون وضعا استثنائيا أدى للتفكير في "الحرقة" إلى الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. يرى كاتب الدولة الأسبق لدى الوزير الأول للاستشراف والإحصاء بشير مصيطفى، أن حالة "الحراقة" في الجزائر تحسب بمئات الأشخاص كل سنة ولكن صرامة القانون الجزائري في مكافحتها لا تزال تحد من انتشارها (حراقة مكبوتة) كما أن غياب منظومة إحصائية وطنية لا تزال تحول دون استنتاج الأرقام الحقيقية لهذا النوع من الهجرة خارج البيانات الأمنية . ويشير أن أهم أسباب الهجرة غير المنظمة الصراعات والحروب والمجاعات والتمييز العنصري وفي الجزائر يعود العامل الرئيس إلى وضعية سوق الشغل والإطار العام للحياة بالنسبة للشباب حيث تدفع وضعية البطالة (خاصة وسط حاملي الشهادات) وتراجع مداخيل العائلات تحت ضغط التضخم مع صعوبات الهجرة المنظمة (التأشيرات) وضعف إمكانيات السفر المنظم إلى اختيار الهجرة السرية. وأكد مصيطفى أن هناك مؤشر نوعية الحياة في الوسط الشبابي العام تعود لضغوط اجتماعية ونفسية، ومعيشية وهذا النوع من الحرقة يمس شريحة الشباب بين سن 20 سنة إلى 30 سنة. وبهذا يعني حسب الخبير في الاقتصاد، بشير مصيطفى، فإنه بالنظر إلى شريحة السكان في الجزائر لشباب بين سن 27 سنة و35 سنة فإن الحرقة توسعت في الزمن ومع ارتفاع نسبة هذه الشريحة إلى أكثر من 40 من المائة يدل على توسعها في المستقبل في حالة عدم تحسين إطار الحياة لفئة السكان وإطلاق الوظائف النوعية والرفع من مداخيل العائلات لحماية قدرتها الشرائية. من جهته، أكد الخبير في الاقتصاد، الأستاذ كمال ديب، أن الوضع الاقتصادي المتأزم ودخول البلاد في سياسة التقشف وما تبعه من خطابات سياسية كاذبة من طرف بعض المسؤولين وقادة الأحزاب خاصة مع اقتراب التشريعيات، ولد في نفوس الجزائريين رفضا لواقع استثنائي تلاه فقدان للأمل وشعور بالإحباط النفسي وهو ما كان وراء العودة القوية لظاهرة الحرقة نحو الضفة الأخرى. وأوضح ديب أن سياسة التشغيل التي أقرتها الجزائر اصطدمت بالأزمة المالية فعلى المدى القريب والمتوسط لا يمكن تحقيق حسبه، القضاء نهائيا على البطالة، كما أن مؤسسات تشغيل الشباب مثل "لونساج" لا يمكن الاستمرار في تمويلها بعد التقشف، فهي لم تعد قادرة على استقطاب الشباب، كل هذه العوامل حسب الأستاذ كمال ديب، أدت للتفكير في "الحرقة". وأشار إلى أن الهجرة غير الشرعية للجزائريين نحو الدول الأوروبية ستؤدي لاستنزاف العملة الصعبة، في وقت لا يمكن لهؤلاء الحراقة أن يفتحوا أرصدة بنكية لعدم امتلاكهم للوثائق في الدول التي هجروا إليها. وتطرق كمال ديب أستاذ الاقتصاد، إلى نقطة أخرى تتعلق بنقل جثامين الحراقة من الخارج للجزائر حيث تخسر الدولة حسبه أموال طائلة جراء ذلك لا تقل، حسبه، عن ألفين أورو ل"الحراق" الواحد وهذا حسب الاتفاقية المبرمة بين الخارجية والدولة الأخرى.
أكد أن تساهل القانون شجّع على عودة الظاهرة بهلولي: المحاكم تقابل الحراقة بعقوبة الحبس غير النافذ أوضح المحامي إبراهيم بهلولي، أن ظاهرة الهجرة غير شرعية للجزائريين نحو الدول الأوروبية، لم تستطع كل الآليات الجديدة الحد منها رغم عمليات التفتيش المحاذية للبحر وبمختلف نقاط المطارات والموانئ، لأن، حسبه، تطبيق القانون غير صارم في معاقبة كل من وراء هذه الظاهرة. وقال إنه توجد أطراف جزائرية ودولية تشجع الشباب الجزائري على الهجرة غير الشرعية سواء لدول أوروبية أو لدول أخرى تشهد أزمات سياسية وتطرفا دينيا، وأن مواقع التواصل الاجتماعي باتت وسيلة تستغلها هذه الأطراف، حيث دعا لمراقبة مثل هذه المواقع، والاهتمام بأي معلومة قد تعطى حولها. وأكد بهلولي، أن عددا كبيرا من الشباب الجزائري الذين فشلت رحلتهم نحو أوروبا سواء عبر المطارات أو الموانئ أو عبر قوارب الموت، حاولوا مرة ثانية واستطاع بعضهم أن يهاجر لأن العقاب لم يكن صارما معهم إذ أن أغلبهم يحكم عليهم بالحبس غير النافذ. وحسب بهلولي، فإن الحراقة الجزائريين في حالة ضبطهم في إقليم الجزائر البحري يحاكمون بالقانون الجزائري ونفس الشيء إذا هاجروا في وسيلة نقل جزائرية كالطائرة أو الباخرة فيتم ترحيلهم ومحاكمتهم في بلادهم. لكن يضيف في حالة ضبطهم في الدولة التي يهاجرون إليها فسيحاكمون حسب قانونها، ويرحلون إلى الجزائر ليتم متابعتهم بانتحال الصفة في حالة تغيير أسمائهم أو استعمالهم لمعلومات خاطئة.
في مُبادرة هي الأولى من نوعها وبتنسيق بين منظمة رعاية الشباب ووزارة الفلاحة 100 شاب يعيشون رحلة "حرقة " في عرض البحر لإكتشاف مخاطرها كشف رئيس المنظمة الوطنية لجمعيات رعاية الشباب، عبد الكريم عبيدات في اتصال مع "الشروق"، أنهم ينسقون مع وزارة الفلاحة باعتبارها صاحبة السفينة، للقيام بمبادرة هي الأولى من نوعها، والمتمثلة في نقل نحو 100 شاب ذكورا وإناثا من مختلف الأحياء الشعبية، عبر سفينة تابعة لوزارة الفلاحة، حيث تجوب السفينة عرض البحر. والهدف من المبادرة أن يعيش الشاب مباشرة أجواء الرعب التي يعيشها الحراقة في عرض البحر. وحسب المتحدث "لو صادفنا قوارب حراقة يومها، سيكون أفضل، حيث سنتقرب منهم لمعرفة ظروفهم، خاصة وأن 1 من المائة فقط من الحراقة ينجون، أما البقية فيغامرون بأنفسهم...". وأكد محدثنا، أن الحرقة أخذت أبعادا أخرى، فلم تعد حكرا على الشباب فقط، بل انخرطت فيها نساء وكبار السن، وحتى أطفال، مضيفا "في السنوات الماضية كنا نسمع بالحرقة من العاصمة، حيث يقصد الشباب ميناء العاصمة ويتسللون إلى السفن الراسية، وبعد تشديد المراقبة، انتقلت الحرقة إلى السواحل الغربية والشرقية للوطن". وتحرص المنظمة على توعية الشباب دوريا من مخاطر الحرقة، عن طريق تنظيم محاضرات وأيام تحسيسية حول خطورة الظاهرة، ينشطها مختصون في علم النفس والاجتماع. كما كشف عبيدات، أن وزارة الشؤون الدينية رخصت لهم لتقديم دروس توعوية حول مختلف الظواهر الاجتماعية انطلاقا من المساجد، مؤكدا أنهم سيخصصون درسا في المسجد حول "الحرقة". فيما يُنتظر أن يصدر قريبا كتاب يحمل عنوان "الحرقة....البحر يتغذى من مآسي الشباب" ألفه عبيدات، وهو من 360 صفحة، يسرد شهادات حية لشباب حراقة التقطهم محدثنا في مدينة مارسيليا الفرنسية، وكان أهلهم يحسبونهم في عداد الموتى.
قال إن جمعيات تنصيرية تترصدهم..سمير شعابنة: المسيحية.. والإرهاب أكثر ما ينتظر الحراقة الجزائريين في أوروبا حذّر سمير شعابنة النائب بالمجلس الشعبي الوطني عن جنوبفرنسا، الشباب الجزائري من التفكير في "الحرقة" لضفة البحر الأبيض الأخرى، والتي يرونها الجنة المنشودة خاصة وأن بعض المنظمات الدولية المجهولة تستغل مواقع إلكترونية لاستقطاب الشباب خاصة العربي قصد استغلاله في تنظيمات إرهابية أو عصابات إجرامية، أو جمعيات دينية تستغل ظروفهم لتنصيرهم في أوروبا. وأكد سمير شعابنة، أنه بصفته صحفي قام بعدة روبورتاجات حول الوضعية الكارثية والمؤسفة لحراقة جزائريين في دول أوروبية، حيث وقف على واقعة لمهاجرين غير شرعيين ترغمهم كنيسة في إيطاليا على الصلاة مقابل منحهم الأكل. وأشار في السياق، أن الحياة بالنسبة لهؤلاء ستتعقد أكثر في ظل الأحداث الواقعة في العالم وسلسلة الهجمات التي يقوم بها تنظيم داعش من حين لآخر في هذه الدول، الأمر الذي يجعل "الحراقة" مهددين بالمطاردة البوليسية والتفتيش المفاجئ لأماكن إقامتهم حيث يتم القبض عليهم ويتم تحويلهم مرة أخرى إلى الجزائر. وأعطى سمير شعابنة نائب مكلف عن الجالية بفرنسا، صورة حقيقية لوضع المهاجرين الجزائريين غير الشرعيين في دول أوروبا، حيث قال إن أغلبهم تورطوا في السرقة أو في الزواج الأبيض أو في طوائف دينية، أو في دوامات جردتهم من شخصيتهم الحقيقية وأصبحوا أشخاصا تبعا. وعن الجمعيات التي تتكفل بهؤلاء الحراقة في أوروبا، قال شعابنة، إن أغلبها تابعة لإغاثة كاتوليكية ورغم أنها لا تميز بين الدين والجنس في التكفل ب"الحراقة" إلا أنها قد تؤثر بشكل مباشر أو غير مباشر في استقطاب معتنقي المسيحية. وأوضح شعابنة النائب في البرلمان الجزائري عن الجالية في جنوبفرنسا، أن ظاهرة الحراقة صعب التحكم فيها لغياب إحصائيات رسمية حولها.
تبث صورا وفديوهات للناجحين للوصول إلى أوروبا صفحات على "الفايسبوك" لتشجيع الشباب على الحراقة تعجّ مواقع التواصل الاجتماعي خاصة منها "الفايسبوك"، وصفحات الكثير من الشباب، بصور وفيديوهات لعشرات الشباب الحراق، الذين باتوا يوثقون لحظة الانطلاق ومسار الرحلة في عرض البحر الأبيض المتوسط، وكذا لحظة الوصول وظروف تواجدهم بمراكز اللّجوء أو في شوارع مختلف المدن الأوروبية، وتحوّلت هذه الصور ولقطات الفيديو المنتشرة بكثرة عبر مواقع اليوتوب والفايسبوك لدافع قويّ للكثير من الشباب من أجل المغامرة وركوب قوارب الهجرة غير الشرعية والفرار من الجحيم الذي يعيشونه بمختلف الأحياء الفقيرة عبر عدد من المدن، التي تغوّل فيها المال الوسخ واستغلال النفوذ، ولم يعد للفقير فيها أي مكان للوجود. "سردينيا"، "الحراقة" و"الحلم الأوروبي" .. بوابات إلكترونية ينشر فيها شباب جزائري اختار قوارب الموت للوصول إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط، قصد نشر صور لهذه الرحلة المفتوحة على كل المخاطر.. صور التقطت في الغالب بهواتفهم النقالة قبل وبعد الإبحار، منها صور "سلفي"، تعكس رغبتهم الجامحة في "الحرقة" وحماسة التحضير لها قبل الانطلاق، والفرحة العارمة وسط هؤلاء بعد الوصول لأوروبا. إنها جرأة لهجرة غير شرعية تحملها مواقع التواصل الاجتماعي، والغريب أن هؤلاء "الحراقة" لا يخافون من السلطات الجزائرية أو سلطات البلد الأوروبي الذين غامروا لأجله، كما لا يخافون أن تفشل خطتهم المدروسة لنجاح رحلتهم. فبعد أن تميز التونسيون بمواقع التواصل الاجتماعي التي تروّج لرحلات "الحراقة" بنقل مراحلها بكل التفاصيل ونقل صور جماعية وفردية للمهاجرين غير الشرعيين لهم أو لغيرهم من أبناء بلدهم، بات الشباب الجزائري الذي يرغب أو حقق رغبته في "الحرقة" يستغل مواقع "الفايسبوك" لتشجيع غيرهم وفتح شهية "الزوالية" و"القانطين" من الحياة في بلادهم على اتباع وتطبيق فكرتهم بكل شجاعة. وقد استقطبت صور منشورة عبر مواقع "الفايسبوك" لحراقة جزائريين وصلوا بنجاح لدول أوروبية كفرنساوايطاليا منذ أسابيع فقط الكثير من زوار هذه المواقع، آخرها صورة جماعية لعدد من حراقة أبحروا من شواطئ عنابة ووصلوا لجزيرة سردينيا بإيطاليا.
عميد كلية علم الاجتماع لجامعة بجاية هشام شراد: سهولة الزواج بأوربيات سهّل من انتشار الظاهرة اعتبر عميد كلية علم الاجتماع بجامعة بجاية، هشام شراد، أن الجزائر عرفت ظاهرة الهجرة قبل وبعد الاستقلال في أطرها القانونية، والتي مسّت مختلف شرائح المجتمع، ومن أهمها "هجرة الأدمغة"، التي أثرت على ديناميكية البحث في الجامعات الجزائرية. واعتبر شرّاد أن "العشرية السّوداء" كان لها دور في تسريع وتيرة وشكل الهجرة، ولكن نظرا للأعداد الهائلة للطلبات، وامتناع الدول الأخرى استقبال الوافدين خاصة من الطبقات الهشة، فكر الشاب الجزائري في المغامرة بحياته لعبور البحر أو البرّ، بحثا عن آفاق جديدة، خاصة في دول أوروبا. وحسب دراسات وُضعت انطلاقا من شهادات "حراقة"، فهم يبررون هروبهم، بظروف بلدهم الاقتصادية والاجتماعية والسياسية وحتى النفسية، إضافة لوسائل الإعلام التي لعبت دورا في تسويغ نمط الحياة على الطريقة الأمريكية أو الأوروبية. كما اعتبر محدثنا، أن عجز الشاب في الحصول على منصب عمل، يوفر له العيش الرغيد بين مختلف فئات الشباب من حملة الشهادات وذوي المستوى التعليمي المنخفض، يجعله يفكر في مغادرة البلاد بحثا عن عمل أو "زواج بالأجنبيات" أو "بالمقيمات" بحثا عن وثائق الإقامة، لكن غالبية "الحراقة" يبحثون - حسب تعبير شراد- عن التحرر من القيود والضوابط الاجتماعية. ولمحاربة الظاهرة أو الحدّ منها، يقترح عميد كلية الاجتماع، نشر الوعي في أوساط الشباب، وهنا يكمن دور مؤسسات المجتمع مثل الأسرة، والنظام التربوي والخطاب الديني، وكذا مؤسسات المجتمع المدني، التي تعمل على تنمية الحس الوطني والتحسيس بخطورة الظاهرة، وانعكاساتها على المستوى الفردي والمجتمعي، والتي تترتب عنها مشكلات نفسية اجتماعية وحتى أمنية من خلال مطاردات الأنتربول. مع توفير عوامل "الجذب" والاستقرار، بتوفير الشغل وتحرير المبادرات الفردية للشباب والرفع من مردود المنظومة التعليمية لتواكب متطلبات سوق العمل.