قراءة في منهج العنف وعقيدة الدم الحلقة 05 بقلم : لخضر رابحي معنى الجاهلية : ورد مصطلح الجاهلية في القرآن في أربعة مواضع: الموضع الأوّل بمعنى التّكذيب بالقدر وعدم الثّقة في وعد اللّه بالنّصر "يظنّون باللّه غير الحقّ ظنّ الجاهلية " (آل عمران 154). الموضع الثّاني بمعنى منظومة حكمهم القائمة على التّمييز بين الغنيّ، والفقير وبين الشّريف والوضيع، والتّفاخر بالأحساب والأنساب "أفحكم الجاهليّة يبغون" (المائدة 50). الموضع الثّالث بمعنى الأنفة والاستكباروالعزّة بالإثم والتّعالي عن النّزول إلى الحقّ "إذ جعل الذين كفروا فيقلوبهم الحميّة حميّة الجاهلية" (الفتح 26). الموضع الرّابع بمعنى ما كانت عليه العادات من جواز تكشّف المرأة في الزّمن الغابر"ولا تبرجن تبرّج الجاهلية الأولى" (الأحزاب 33).
وورد مصطلح الجاهليّة في الحديث يعني: مجرد الفترة الزّمنية التي سبقت الإسلام "خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا". المنظومة العقدية والأحكام المنظّمة للمجتمع " كلّ دم ومال كان في الجاهلية تحت قدمي". الأفكارالمذمومة والعقائد الضالّة والعادات السيّئة " أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم". الفوضى واللا نظام وغياب فكر الدّولة "من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية". التعصّب للقبيلة بالولاء والبراء على حساب الحقّ "من قاتل تحت راية عميّة يغضب لعصبة ويدعو إلى عصبة أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية". الفخر بالآباء والأنساب من غير اكتراث بالعمل "إنّ اللّه أذهب عنكم غُبيّة الجاهلية وفخرها بالآباء، النّاس مؤمن تقي وفاجر شقي أنتم بنو آدم وآدم من تراب". السبّ والشتم والنزق والطيش"إنّك امرؤ فيك جاهلية ". البدعة والمخالفة لما جاء به الإسلام "أبغض النّاس إلى اللّه ثلاثة ملحد في الحرم ومبتغ في الإسلام سنّة الجاهليّة ومطلب دم امريء مسلم بغير حقّ ليهريق دمه ". الجاهلية عند السّلف هي المرحلة التي سبقت بعثة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، واشتقّ اسمها من (جهل) بمعنى الطّيش والنّزق وفساد الخلق. يقول عمرو بن كلثوم: ألا لا يجهل أحد علينا، فنجهل فوق جهل الجاهلين. واختصارا تعني الجاهلية أمرين: الفترة الزّمنية التي سبقت دعوة محمّد صلّى اللّه عليه وسلّم، وربّما تمتدّ إلى عهد عيسى وسمّاها بعضهم الجاهلية الأولى، كما قال الطبري، ما كان عليه العرب من العقائد والقيم والعادات والأخلاق المخالفة لهدي الإسلام.
أوّل من وصف المجتمعات بالجاهلية بعد ظهور الإسلام: أوّل من استعمل تعميم مصطلح الجاهلية على المجتمع المسلم هو الشّيخ محمّد بن عبد الوهّاب في كتابه (مسائل الجاهلية)، إذ قال " نحن في مثل ما كان عليه أهل الجاهلية" (ص 6)، وكان يقول رحمه الله " إنّ الذين قاتلهم رسول الله صلّى اللّه عليه وسلّم (من الجاهليين) أصحّ عقولا وأخفّ شركا من هؤلاء (مسلمي زمانه)" (كشف الشبهات 32). واستعمل المصطلح أبو الأعلى المودودي في (تاريخ الدين وإحيائه) للتّعبير على الحالة السّياسية بعد أن تحوّل الحكم من الشّورى إلى الملك العضوض بالتّوريث من وقت معاوية، فهي جاهلية حكم وسياسة بعد أن غابت منظومة الحكم كما جاء بها الإسلام واستعمله ابن تيمية مقيّدا غير مطلق، فلا جاهلية بعد الإسلام كما يرى شيخ الإسلام في كتابه (اقتضاء الصّراط المستقيم في مخالفة أهل الجحيم)، لكن سيّد قطب استعمله بتوسّع كبير وصف به الحكم والمجتمعات الإسلامية وغير الإسلامية وغلبت على لغته كما هي عادته التّعابير الأدبية والمفردات الفضفاضة والعمومات المطلقة، بحيث يحتاج أيّ دارس لفكره إلى ضرورة فهمه بتتبّع جميع ما كتب مع رعاية ظروفه وقراءة جيّدة للفترة التي كتب فيها (الظّلال) و(المعالم) على وجه الخصوص، وسنتعرّض إلى ذلك بالتّفصيل في الفصل الخامس إن شاء اللّه يتبع…