ح/سامية تحمل الحياة بطبيعتها الكثير من المفاجآت منها السارة والصادمة، وإذا كان الطلاق في حد ذاته صدمة لأغلب الأزواج، إلا أنه كلما تم هذا الطلاق في كنف الاحترام وحفظ الكرامة بفعل التحضر والثقافة التي يتمتع بها الكثير من الأزواج اليوم، كلما كانت العودة بين المطلقين واردة الحدوث وسهلة. من الصعب أن تجد أزواجا حديثي العهد بالطلاق يفكرون في احتمال العودة ولو بنسبة ضئيلة، لأنهم في العموم لم يصلوا إلى قرار الطلاق إلا بعد أن استحالت العشرة بينهم، لكن وبمرور الوقت الذي يتباين من زوج لآخر تتغير المشاعر وفي كثير من الأحيان تلين القلوب وترق المشاعر وتحن إلى ما مضى، خاصة في ظل وجود أطفال يصرون على وجود كلا الوالدين في حياتهم وذكريات سعيدة تؤجج أشواق المنفصلين للعودة. " اللي راح وولى واش من بنه خلى " تعتبر فتيحة 37 سنة مطلقة منذ سنة وستة أشهر، بأن عودة المياه إلى مجاريها بين الأزواج المطلقين أمر ممكن، خاصة في ظل وجود أطفال محرومين من أبوهم كما هو حال ولديها اللذين لا يتجاوزان ال5 وال7 سنوات، حيث تدهورت نفسيتهما جراء انفصالها عن والدهم. تقول فتيحة" تراجع المستوى الدراسي لابني أيمن منذ الطلاق، فبعد أن كان من الأوائل تخلفت معدلاته وتراجع مستواه وحتى معلمته أخبرتني بأنه صار كثير النسيان والسرحان في القسم، أما في البيت فبدت عليه مظاهر الحزن والأسى رغم صغر سنه، بل وصارت تلاحقه الكوابيس حتى في المنام. ووفقا لكل ذلك قالت بإنها لا تمانع من عودة المياه إلى مجاريها بينها وبين طليقها أب أولادها، خاصة وأن انفصالهما تم بالمعروف."لم أحرض أبنائي يوما على والدهم رغم ما كان بيننا من خلافات لأنني أدرك حاجتهما إلى وجود والد يحبونه ويحترمونه، وقد كنت دوما ضد الزوجات اللواتي يفسدن علاقة أبنائهم بمطلقيهم بدافع الانتقام، وحتى في حال عدم وجود الأطفال، على الزوجة احترام مطلقها ومفارقته بالمعروف، فمهما يكن كانت بينهما مودة وذكريات، وهذا ليس تخطيطا للعودة مجددا ولكن حفاظا على العشرة التي كانت والمودة والرحمة. فيما أكدت حياة، وهي سيدة أربعينية، بأن طريق العودة بينها وبين طليقها تحتاج إلى الكثير من التمهيد وإصلاح ذات البين، خاصة وأنه تزوج من أخرى وأنجب أيضا قبل أن يقرر العودة إلى أحضانها مرة أخرى. تقول حياة" حتى بعد ما قررت استئناف حياتي الزوجية مع زوجي السابق، مازالت الغصة بقلبي والخوف من الفشل مضاعف كما أن البعد يزيد من الجفاء"، وأضافت"أحيانا أعمد إلى استعادة الذكريات الطيبة التي جمعتني بشريك حياتي طيلة سبع سنوات قبل أن تدخل حياته الثانية التي قلبت حياتنا الزوجية رأسا على عقب وقضت على حب كبير كان محط فخر لي في حياتي الزوجية السابقة، اليوم أنا مستعدة للعودة، خاصة مع ما أبداه زوجي من مشاعر الندم والحسرة على تفريطه في حبنا وزواجنا، ولكنني متخوفة في نفس الوقت". وما حدث مع زهية كان أغرب من الخيال فقد عادت إلى عش الزوجية الذي غادرته طوعا بعد طلاق دام 18 سنة، كانت حينها ابنتها الوحيدة لا تتجاوز ال8 أشهر، في حين تبلغ اليوم 18 سنة. تقول زهية عن تجربتها" لم يحدث أي خلاف بيني وبين زوجي آنذاك، فقد أدت المشاكل العائلية بنا إلى طريق مفصلي استحالت معه العشرة، فقررنا الانفصال بالاتفاق، ولم يتزوج أي منا طيلة ال18 سنة الماضية، والغريب أنه بمجرد أن حلت أزمة السكن المستعصية فكر زوجي في عودتنا، أحيانا كثيرة أشعر بأن حياتنا وشبابنا ذهب هباء نتيجة تدخلات سافرة في حياتنا الزوجية السابقة، 18 سنة من عمرنا ليست بالهينة، لكنني أعود وأقول بأنها كانت درسا كافيا لأن تجد الخلافات مكانا لها بيننا، خاصة ونحن اليوم في سن الأربعينات ونتمتع بوعي أكبر". الخوف من الارتباط بالمطلقين..مبرر تجد الكثير من الفتيات يتخوفن من الارتباط برجل مطلق مخافة أن يراوده الحنين في العودة إلى مطلقته، وهو خوف لم يأت من فراغ لأن عودة المطلقين واردة، خاصة إذا لم يمض على فراقهما إلا الوقت اليسير، ما حدث مع ليلى كان نموذج من هذه الحكايات التي تتكرر كثيرا في مجتمعنا، فقد طلب يدها شخص مطلق حديثا للزواج، ولم تمانع لأنها وجدت فيه فارس أحلامها، إلا أن والدتها تخوفت كثيرا من الأمر وأكدت لها بأن احتمال عودته إلى زوجته وارد في يوم من الأيام، خاصة وأنه لم يمض على طلاقهما سوى بضعة أشهر. لم تمتثل ليلى لنصائح والدتها، لكن التجربة كانت خير دليل على صدق كلامها. تقول ليلى"كان يقضي الوقت في المقارنة بيني وبينها في كل شيء في الطبخ والترتيب وفي الحديث والهندام، في كل شيء إلى درجة جعلتني أتقزز من نفسي ومن حياتي معه، لقد كان يريدني أن أصبح ظلا لزوجته الأولى، وفي نهاية الأمر كان مصيرنا الطلاق ولم يلبث أن عاد لزوجته". إدارة أزمة الطلاق تحدد مسألة العودة تقول الأخصائية النفسانية بديعة بن محمد، بأن عودة العلاقة بين الزوجين بعد الانفصال تتوقف على كيفية إدارتهما لأزمة الطلاق، فكلما كانت متحضرة وبعيدة عن الخلافات والمحاكم، كانت احتمالات العودة أكبر، أما إذا كانت العودة اضطرارية بسبب ضغوط الأهل أو وجود الأبناء مع انعدام المعيل، فبالتأكيد الخلافات ستستمر بل وتتفاقم، وأضافت بن محمد أن على الزوجين المطلقين الجلوس لفترات طويلة مع نفسيهما واستعادة أحلى ذكريات الزواج حتى يشحنون الإرادة ويعودون بشغف أكبر، هذا دون التغاضي عن الاعتراف بالأخطاء التي وقعوا فيها سابقا ومحاولة إصلاحها وعدم تكرارها مجددا. شائعة جعفري تؤكد: العودة إلى الوساطة الأسرية لعودة المياه إلى مجاريها أوضحت شائعة جعفري، رئيسة المرصد الوطني للمرأة والأسرة، في تصريح للحوار، أن ظاهرة الطلاق في تزايد كبير، حيث وصلت الجزائر إلى تسجيل 50 ألف حالة طلاق، وعليه أكدت على ضرورة البحث عن الأسباب الحقيقية وراء انتشار هذه الظاهرة، خصوصا وأن الجزائر باتت تحتل المرتبة الثانية عالميا بعد الولاياتالمتحدةالأمريكية في نسبة الطلاق، والأسرة أصبحت أحادية الأبوين بنسبة 11 بالمائة، كما أن نسبة الطلاق في تزايد بنسبة 7 بالمائة سنويا، وهذا يستدعي فعلا الدراسة. وأشارت رئيسة المرصد الوطني للمرأة والأسرة إلى أن هذا الارتفاع المحسوس في نسبة الطلاق يعود لعدة أسباب أهمها تسرع الشباب في الإقدام على خطوة الزواج، ويؤدي التسرع في اختيار الشريك إلى فشل العلاقة الزوجية، وذلك لكونها هشة منذ بدايتها وليست مدروسة بالشكل اللازم وإنما تمت بعشوائية، كما أشارت إلى ضرورة الرجوع إلى الوساطة الأسرية التي أصبحت منعدمة، والتي تسمح بحل المشاكل قبل الوصول إلى المحاكم وفي حالة حدوث خطوة الطلاق فعلا أكدت شائعة جعفري على ضرورة الأخذ بتعاليم الدين الإسلامي والافتراق بالمعروف كما كان الارتباط بالمعروف، وذلك بحفاظ كلى الطرفين على الأسرار التي كانت داخل بيت الزوجية وعدم المساس بكرامة بعضهم البعض، وتطبيق ما جاء في القرآن الكريم "أَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ وَلاَ تُمْسِكُوهُنَّ ضِرَارًا لِتَعْتَدُوا وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ" سورة البقرة، ولقوله أيضا "فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فَارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ" سورة الطلاق.