__ تجربتي في ليبيا تعد جزءا من الذكريات التي دونتها في كتاب حسن زيتوني، صحفي لمع اسمه في التلفزيونات العربية والدولية كمراسل ميداني تخصص في تغطية أحداث ساخنة عبر العالم، كانت إحداها في ليبيا سنة 2011، حيث ألقي عليه القبض آنذاك رفقة فريق "الأم بي سي" في منطقة نزاع عسكري مع "المتمردين"، ووجد نفسه محاطا بجنود الكتائب في قلب المواجهة، كما كان شاهدا على أحداث سوريا و فلسطين قبلها. وفي هذا التصريح الذي خص به "الحوار"، تحدث حسن زيتوني أيضا عن طموحاته السياسية ورغبته السابقة في الترشح للرئاسيات، والتي اصطدمت بحمله للجنسية البريطانية..الحديث كان فرصة أيضا للتطرق إلى مختلف القضايا الإعلامية في الجزائر مع صحفي مخضرم جاب بقاع العالم وبقي ينبض بجزائريته. * بعد 23 سنة قضيتها في قناة ال"أم بي سي" كمراسل شاهد على أبرز التحولات والأحداث التي شهدتها الساحتين العربية والدولية خلال ربع قرن، ماذا تحدثنا عن التجربة؟ تجربتي مع قناة MBC "أم بي سي" كأول قناة عربية أرست قواعد الإعلام الفضائي العربي كما نعرفه اليوم كانت طويلة وحافلة بالأحداث السياسية والعسكرية والثقافية، وشرفني كثيرا أنني كنت من أوائل المراسلين الذين برزوا من خلال تغطيات إخبارية ميدانية لهذه الأحداث، لم أكن أملك تجربة في هذا التخصص الهام في العمل التلفزيوني قبل الالتحاق ب MBC "أم بي سي"، فأنا خريج معهد الإعلام والعلوم السياسية التابع لجامعة الجزائر، وتجربتي العملية كانت بدايتها مع الصحافة المكتوبة كمراسل لجريدة "الجمهورية" التي كانت وأعتقد مازالت تصدر من عاصمة الغرب الجزائري وهران. في الجزائر العاصمة حيث كنت أتابع دراستي انطلق مشوار عملي الصحفي، أما اهتمامات هذه الجريدة فكانت أكثر ثقافية ولهذا ركزت في تغطياتي لها على الأسابيع الثقافية السينمائية التي كانت تحتضنها وتنظمها الجزائر كأسبوع الفيلم الإيطالي والروسي والفرنسي وغيرها، إلى جانب المحاضرات والندوات الثقافية التي كانت تنظم في المراكز الثقافية. وأول حديث صحفي قمت به للجريدة كان مع المطربة السورية ميادة الحناوي في أول زيارة فنية لها للجزائر، وكانت تجربة رائعة لا تزال ماثلة أمام عيني رغم أنني لم أكن أعرفها ولا أعرف فنها، ولكنها كانت في بدايات مشوارها الفني، وشكّل ذلك الحديث معها سبقا صحفيا لجريدة "الجمهورية"، التي انفردت بتفاصيل لم تكن معروفة عن هذه الفنانة السورية العربية وحياتها. مع "أم بي سي" كانت أول تغطية ميدانية لحرب اليمن التي نشبت بين شطريه الشمالي والجنوبي العام أربعة وتسعين، وكانت تغطية مميزة جعلت "أم بي سي" تنتقل من قناة غير معروفة إلى قناة فضائية ذات شهرة عالمية بعدما كانت الصور التي تنقلها "أم بي سي" عبر مراسلين واحد في الجنوب والآخر في الشمال تجد طريقها إلى قنوات غربية عالمية مثل CNN و BBC أما التميز فيعود في اعتقادي إلى التغطية الموضوعية والمهنية في نقل الصورة من طرفي الصراع أي من عدن وصنعاء في آن واحد، رغم كل الحساسيات السياسية التي رافقت ذلك النزاع بين اليمنيين، ومواقف دول المنطقة منها خاصة دول الخليج مثل السعودية والكويت التي كانت مؤيدة في مجملها للجنوبيين بقيادة زعيم الحزب الاشتراكي آنذاك سالم البيض ضد الرئيس اليمني علي عبد الله صالح، وذلك يعود -في اعتقادي- إلى انتقام خليجي للمواقف التي اتخذها هذا الأخير من غزو العراق للكويت العام 1990. نجاح تجربة التغطية الميدانية لحرب اليمن، فتح الباب على مصراعيه لكي تهتم "أم بي سي" بتغطية بؤر التوتر الأخرى التي كانت تنشب من حين لآخر هنا وهناك، وأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، حيث سافرت إلى غزة والضفة وبقية الأراضي الفلسطينيةالمحتلة مثل تل أبيب والناصرة وحيفا وعكة وغيرها، وتابعت التطورات الميدانية التي كانت تظهر مقاومة الشعب الفلسطيني الأبي ضد غطرسة الاحتلال الاسرائيلي الذي يعد في نظري أشرس وأعنف محتل يمارس كل وسائل القهر والتعذيب في محاولة لإبادة شعب برمته. تغطيتي لأحداث فلسطين ومأساة الشعب الفلسطيني ذكرتني بالجزائر وحكايات الجرائم التي ارتكبتها فرنسا ضد شعبنا ووطننا العزيز الجزائر . ما شاهدته في فلسطينالمحتلة، وما عرفناه عن ممارسات الاحتلال الفرنسي في بلادنا لم يكن من وحي الخيال، بل هو واقع ملموس ومعاش يوميا يعكس الوجه القبيح لمن يدعون التحضر والتطور ولكن ممارساتهم ضد الإنسانية تنم عن ذهنية متخلفة وعدوانية بكل المقاييس، كما أتذكر حرب الشيشان ضد روسيا في منطقة القوقاز والبحر الأسود، وهي رقعة جغرافية يقول عنها سكانها من يستولي على الشيشان والقوقاز يستطيع أن يهيمن على العالم لأنها منطقة تزخر بخيرات وثروات طبيعية فريدة من نوعها وحجمها، وحرب البوسنة والهرسك في البلقان والتطهير العرقي الذي مارسه الصرب والكروات بتواطؤ أوروبي بالخصوص فرنسي في عهد الرئيس فراسوا ميتران ضد الأقلية المسلمة هناك، ومحاولات طمس أي وجود إسلامي في هذه المنطقة وفي إقليم كوسوفو الألباني، لكن إرادة الشعوب لا تقهر أبدا، هذا إلى جانب الحرب في أفغانستان وبروز حركة طالبان وبعدها بن لادن والقاعدة، وأحداث الحادي عشر من سبتمبر وتفجيرات نيويورك، والحرب في تيمور الشرقية بين الانفصاليين وأندونيسيا التي أدت إلى استقلال هذا الإقليم عن أرخبيل الجزر الأندونيسية والحرب في السودان بين الشمال والجنوب، وانفصال جنوب السودان عن حكم الخرطوم، ونزاعات أخرى في إفريقيا مثل زائير وإريتريا وإثيوبيا وغيرها من الصراعات التي كانت بمثابة مصائب على شعوب هذه الدول، ولكنها كانت تمثل بالنسبة إلينا كمراسلين ميدانيين فرصة لتغطيتها وشرح أبعادها وأسبابها الخفية والمعلنة ودوائر الصراع فيها ومن يقف وراءها فعلا. كانت تجربة طويلة حافلة بالأحداث إلى أن وصلنا إلى ما سمي بثورات الربيع العربي، حيث اعتبرها مرحلة جديدة في التغطية الإعلامية للحروب العربية مثل ما حدث في ليبيا وسوريا الآن. باختصار أعتقد أنها كانت تجربة مليئة بالأحداث الساخنة، وبوجودي في خضمها أشعر أنني كنت جزءا من هذا التاريخ المليء بالأحداث المأساوية تارة، والمثيرة تارة أخرى، وهذا هو العمل التلفزيوني الميداني في اعتقادي. * التحقت منذ سنة تقريبا بقناة روسيا اليوم لتقديم برنامج حواري" استوديو لندن مع حسن زيتوني"، ماذا أضاف ذلك لرصيدك الإعلامي؟ – نعم بعد قرار مفاجئ من قبل إدارة قناة "أم بي سي" بإغلاق المكاتب التي كانت منتشرة في معظم أنحاء العالم من بينها مكتب لندن حيث كنت، تم طي صفحة طويلة من حياتي المهنية مع هذه القناة التي أعتز بانتمائي لها. لم أوافق إطلاقا على ذلك القرار، ولم أحصل في الأخير على كل مستحقاتي رغم كل الولاء والعطاء الذي قدمته للقناة، ولكن هذه هي سنة الحياة، فقد طويت تلك الصفحة وقررت مواصلة المشوار المهني مؤمنا في قرارة نفسي أن الخاسر هي "أم بي سي" وليس حسن زيتوني لأنني أرى المستوى الذي آل إليه وضع المراسلات الميدانية في قناتيي "العربية" و"أم بي سي" مع كل احتراماتي لشبكة المراسلين العاملين حاليا في القناتين، فهو مستو متدن جدا مقارنة بالمستوى الذي وصلت إليه "أم بي سي" سابقا. لا داعي للغوص في الأسباب وراء هذه المستويات المتدنية، وأعتقد أن صاحب هذه القنوات ومن يشرفون على إدارتها يدركون جديا أنهم فقدوا البوصلة وقراراتهم لم تكن صائبة، وأتمنى أن يسددوا لي مستحقاتي المتبقية في يوم ما، أنا اعتبر ذلك دينا لابد من تسديده، وسأظل أطالب به، وماضاع حق وراءه طالب. * تم القبض عليك أثناء أداء مهامك رفقة زميلين في منطقة نزاع عسكري مع "المتمردين" في سنة 2011..كيف عشت التجربة؟ – إلقاء القبض علي في ليبيا كان متوقعا لأنني لا أعرف -والله يعلم- أنني رفضت مرات عديدة السفر إلى ليبيا وتغطية الأحداث هناك. كنت أشعر بتردد كبير رغم إلحاح القناة علي بالسفر، وكنت أرفض وأجد الأسباب والحجج لتفادي السفر إلى هناك، ولكن بعض الضغوطات التي مورست علي من بعض الناس -الله يسامحهم -اضطرتني إلى السفر ودخلت ليبيا عبر الحدود المصرية- الليبية من باب السلوم إلى مدينة بنغازي أين وجدت نفسي في الجهة الخاضعة لسيطرة المعارضة المسلحة ضد العقيد الليبي الراحل معمر القذافي. ألقي علي القبض مع فريق التصوير الذي كان يتشكل من محمد شويهدي، مصور ليبي ومساعده المصري الجنسية مجدي ابراهيم، في مدينة أجدابيا حيث كانت معارك ساخنة تدور بين كتائب العقيد الليبي معمر القذافي وبعض الثوار التابعين للمعارضة الليبية. وجدت نفسي محاطا بجنود الكتائب ونحن نصور المواجهات خاصة القصف المدفعي الذي كان شديد في تلك اللحظات الحرجة. شخصيا كنت أعتقد أن القوات النظامية بعيدة عنا، ولكن الأرضية والتربة شبه الصحراوية جعلت من الصعوبة بمكان معرفة حقيقة من يسيطر على الأرض هناك. وقعنا في قبضة الكتائب الليبية، وذلك لم يخفني شخصيا، لكنني كنت قلقا جدا على حياة محمد شويهدي باعتباره مواطنا ليبيا ولحظتها همس لي شخصيا بأن هذه هي نهايته، وكان يريد مني أن أبلغ الرسالة إلى عائلته التي كانت موجودة في مدينة بنغازي. عملت كل ما في وسعي لإقناع القيادات العسكرية الليبية أنه رافقني من مصر في هذه المهمة الإعلامية البحتة، وكان يقيم في مدينة الإسكندرية المصرية ولا علاقة له بالمعارضة الليبية، وحصلت على تطيمنات رسمية من العقيد الليبي شخصيا أن لا يمسه سوء مادام في قبضتهم، وبالفعل نجا محمد ومجدي من إعدام كان واردا بسبب الكراهية التي كان يكنها النظام للمعارضة وللأجانب الذين يدخلون مع فصائل المعارضة خاصة الإعلاميين. أما أنا فأشكر الله أولا وأشكر القيادة الجزائرية ثانيا على ما قامت به من وساطات لدى السلطات الليبية للإفراج عني. معاملة الليبيين كانت جيدة في مجملها، ولكنها كانت تجربة صعبة في حياتي المهنية الإعلامية كمراسل ميداني، وتعد جزءا من الذكريات التي دونتها في كتاب ألفته باللغة الانجليزية عنوانه BELIEVE ME I WAS THERE : behind the scenes as an arab tv reporter وكتاب آخر أن بصدد إعداده حاليا باللغة العربية عن المراسل الميداني. . * ماذا عن رغبتك في الترشح للرئاسيات الأخيرة في الجزائر، والتي عرقلها حملك للجنسية البريطانية؟ _في الحقيقة طموحاتي السياسية والاهتمام بالسياسة أمر راودني منذ أن كنت طالبا في جامعة الجزائر، وكنت أنشط كثيرا في الحركة الطلابية الوطنية وأعبر دائما عن مواقفي الوطنية الجزائرية العروبية الإسلامية. كنت شغوفا بقضايا التعريب واللغة العربية والمسائل السياسية الأخرى، خاصة وأن تلك المرحلة كانت حافلة بالنشاطات السياسية، وكانت القيادة الجزائرية منذ عهد الراحل هواري بومدين وما تلاها بعد وفاته رحمه الله تتميز بحركية غير معهودة وبجدل قائم ومستمر حول التوجهات السياسية والتنموية للجزائر. لم يكن هناك فراغ سياسي في البلاد رغم انعدام الأحزاب السياسية عكس ما نراها منتشرة كالفطر في جزائر اليوم لكنها لا تبدي أي حركية أو نشاط، ويشعر الإنسان كأن هذه الأحزاب العديدة وجدت فقط كصورة جامدة لا تتحرك إلا بأمر ما. العكس تماما في المرحلة التي عايشتها كطالب جامعي كانت الحركة الطلابية ناضجة سياسيا ومواقفها متباينة بتباين الرؤى الجزائرية المختلفة، كان ذلك الوقع ينعكس حتى داخل الجامعات وقاعات المحاضرات والدراسة بين الطلبة وأفكار القوميين والشيوعيين والوطنيين وغيرها من التيارات التي كانت تنشط في الساحة السياسية والطلابية الجزائرية، لكن خلافاتنا الإيديولوجية بقيت في هذا الإطار ولم تؤثر قط على صداقتنا، فكنا نحترم بعضنا البعض ونقضي أوقاتا ممتعة معا كأصدقاء رغم تباين المواقف والآراء إزاء العديد من القضايا والأمور التي تمس الوطن والعالم. كانت تربطني علاقات بنشطاء في الخارج لا أعرفهم ولم ألتق بهم إطلاقا، بل عرفتهم عبر نظام بريدي كان متوفرا في العالم والجزائر يعرف بصداقة القلم "PEN FRIEND"، كانت لي صديقة أمريكية توقع في رسائلها معي باسم انجيلا ديفيس، ولم أكن أعرف من هي انجيلا ديفيس إلا لاحقا، عرفت أن هذه السيدة كانت من مؤسسي أول حزب شيوعي في الولايات المتحدةالأمريكية. كنت أتبادل معها بلغة إنجليزية متواضعة، وفي غالب الأحيان بالفرنسية رسائل تتحدث عن مستقبل العالم في ظل الانقسام بين تيارين شيوعي وآخر رأسمالي. تلك الطموحات السياسية لم أتخلى عنها، وكنت دائما أطمح أن اقدم شيئا لبلدي الجزائر. فكانت انتخابات الرئاسة قادمة وفكرت مليا قبل سنوات في ذلك الموضوع وعندما انتهى عملي مع قناة "أم بي سي" فكرت في العودة إلى العمل السايسي. لم أكن أرغب في الانتماء إلى الأحزاب السياسية الجامدة ولم يعجبني الوضع الذي آلت إليه الجزائر، وكنت أقول لماذا لا أسعى إلى نقل تجربة التغيرات والممارسات الديمقراطية التي تعلمتها طيلة فترة وجودي في بريطانيا وأوروبا والعالم إلى الجزائر. كجزائري أؤمن أننا شعب مميز له القابلية على القبول بالتغيرات الإيجابية والتأقلم مع المستجدات، نحن شعب منفتح وقادر على استيعاب التجارب الناجحة والاستفادة منعها، وأنا أتحدث كجزائري أعرف ما يختلج في نفسية الجزائريين خاصة الشباب منهم الذي ترواده طموحات كبيرة نحو التغيير نحو الأفضل والإيجابي. بناءً على هذه القناعات وضعت برنامجا سياسيا لا يتجاوز ستة نقاط تضع الجزائريين أمام تغييرات إيجابية بعيدة كليا عن السطحية والنعرات الجهوية، بل كانت تعكس طموحات وطنية جزائرية خالصة تسير نحو الرقي والازدهار والخروج من دائرة الإنغلاق والفراغ السياسي الذي تعيشه جزائر اليوم. هناك هيمنة لبعض الأشخاص لا تتوفر فيهم للأسف الشديد أدنى مقومات أو خصال السياسي اللبق والمنفتح والغيور على وطنه. الطبقة السياسية الحالية في الجزائر سواء الحاكمة أو المعارضة باستثناء الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لا تعكس طموحات الشعب الجزائري وليست في مستوى عظمة هذا الشعب الذي أرادوا إهانته واحتقاره والتقليص من أهميته في التحولات السياسية التي تطمح إليها الأجيال الشبابية الجزائرية التي تتابع ما يجري في العالم عبر قنوات التواصل الاجتماعي والخدمات التي يوفرها عالم الإنترنت وتكنولوجيا المعلومات الحديثة. لم يكن غرضي من الترشح للرئاسيات للمنفعة أو المصلحة الشخصية بقدر ما كان رغبة ملحة تراودني منذ سنوات طويلة لمساعدة الجزائر على الخروج من سبات طويل نحو آفاق جديدة من الرقي والنجاح والالتحاق بالركب الحضاري في مجالات علمية وفكرية وإبداعية مع الحفاظ على أصالتنا العربية الإسلامية المنفتحة على بقية الحضارات وتجارب الشعوب الناجحة عبر العالم. تعجبت أن موضوع الجنسية شكل عقبة دستورية، وأنا أعرف جيدا كما قال لي والدي رحمه الله عندما أبلغته بأنني مضطر للحصول على الجنسية البريطانية لتسهيل عملي كمراسل متنقل عبر العالم، وقال لي حينها "ماهي إلا حبر على ورق وأنك جزائري لن تتغير مهما كانت طبيعة الجواز الذي تسافر به لأداء مهامك الإعلامية، أنا جزائري وسأظل كذلك وحياتي في بريطانيا لم تغير في ذلك شيئا رغم أنني أقطن في بريطانيا منذ أربعة وثلاثين 34 عاما. أعتقد أن الجزائريين الذين يعيشون في المهجر هم أقرب للجزائر قلبا وقالبا ويعتزون بجزائريتهم أكثر من الآخرين. الغربة تعلم الإنسان حب وطنه أكثر وتحدوه رغبة قوية في تغييره نحو الأفضل بحكم التجربة التي يعاينها ويعيشها في الخارج. إن العديد من المسؤولين الحاليين في الجزائر لا يكنون حبا لوطنهم وهم يكرهون الشعب الجزائري ولا يريدون الحب والخير للجزائر، بل همهم الوحيد هو النهب والاختلاسات وحب المنفعة الشخصية لهم ولأقاربهم على حساب الغالبية الساحقة من الشعب المظلوم. لنفسح المجال لكل الطاقات والكفاءات الجزائرية سواء داخل الوطن أوخارجه لتساهم في بناء الوطن وخدمته ولا نهمش الملايين من الجزائريين خصوصا الجيل الذي ولد وتربى في المهجر، أن يحرم من وطنه هذا خطأ فادح ترتكبه السلطة الحالية التي تريد إبعاد الجزائريين وأبنائهم عن وطنهم بغير حق، أنا أحب الجزائر ورغبتي في العمل السياسي ستصب في مصلحة الوطن لا غير، هكذا أنظر إلى الأمور بعقل نير ومنفتح، وإن التزمت فهو سلوك لا علاقة له بالخصال والأخلاقيات الجزائرية المعروفة. ورغم هذا الإجراء الظالم في حق الجزائريين المقيمين في المهجر، فإنني أظل اعتز بجزائريتي، وأفتخر بذلك وأظل تواقا لرؤية هذا الوطن الغالي يتطور ويزدهر بشكل أفضل. * مارأيك في المشهد الإعلامي الجزائري اليوم، وبالذات في القنوات التلفزيونية الخاصة ؟ – المشهد الإعلامي الجزائري اليوم يسير ببطء لكنه يسير في الطريق الصحيح، وأتمنى أن يتم فتح مجال السمعي البصري للمنافسة الشريفة، وأن ترفع عنه هيمنة السلطة والأجهزة الاستخباراتية، وأن الغرض من إعلام منفتح هو وطن منفتح ومزدهر. لابد أن نتجاوز الخوف من قول كلمة الحق ونقل الواقع كما هو، ولا يجب على النظام الجزائري أن يخاف من إعلام وطني، بل عليه أن يفسح المجال له ويسهل العملية لأن الإعلام له رسالة تنموية وتثقيفية هامة لا يمكنه الاضطلاع بها إذا كانت الحرية غير متاحة. هناك حلم كبير يراود الجزائريين نحو إرساء ديمقراطية حقيقية في جميع المجالات بما فيها حقل الإعلام والمعرفة، والحرية عامل هام في تطور الشعوب ورقيها، وعلينا أن نحرص على وجود حرية رأي حقيقية في الجزائر إذا كنا نريد تحويل الحلم إلى حقيقة. هنا أتذكر عبارة جميلة لأسقف جنوب إفريقيا توتو الذي قال يوما ما لأعداء الحرية والمدافعين عن نظام الأبارتيد العنصري في جنوب إفريقيا "، يمكنكم قتل الحالم لكن يصعب عليكم قتل الحلم والحلم هو الحرية"، وأعتقد أن من يسعون لمنع الحرية في الجزائر سيفشلون -لا محالة -لأن الحرية آتية لا ريب فيها. القنوات الخاصة حاليا تتعلم، وهي في طريق التجربة وعلى العاملين فيها أن يتعلموا المشي قبل الطيران، ونحن سائرون في طريق النجاح، وأمنيتي أن تنجح هذه التجربة في الجزائر. * بماذا تفسر النجاح الملفت للإعلاميين الجزائريين في الخارج؟ – النجاح الذي حققه الإعلاميون الجزائريون أمر يجب أن نفتخر به جميعا وسببه الحرص على النجاح من قبل الإعلاميين أنفسهم والإطلاع الواسع بالقضايا والأحداث العالمية وشجاعتهم في اقتحام الميدان، وهذا جانب لا ينفصل من شخصية الجزائريين، نحن نحب البطولات لا المغامرات والنجاح شمل الإعلاميين والإعلاميات، ولابد أن نستغل هذه الطاقات الإعلامية الجديدة لبناء صرح إعلام فضائي ناجح في الجزائر، وأتمنى شخصيا أن تتاح لي فرصة لنقل تجربتي المتواضعة للأجيال القادمة، وأن تتاح لي فرصة في هذا المجال مستقبلا. * يسود الحديث مؤخرا، عن انتشار الرداءة الإعلامية في الجزائر، هل هي بالحجم الذي ينذر بالخطر على المهنة ؟ الرداءة الإعلامية هي جزء من رداءة الواقع السياسي والثقافي والتعليمي في الجزائر، ويجب تغيير ذلك بإتاحة الفرصة للكفاءات أن تبرز وتظهر وفتح الأبواب أمامها، هذا قطاع برزت فيه نجاحات جزائرية داخل وخارج الوطن، ولا يجب أن نفشله الآن باعتماد الرداءة كنموذج. مهنة الصحافة مهنة شريفة تتطلب الشجاعة والثقافة والعلم والفكر ومواكبة الأحداث والانفتاح على ثقافات الآخرين، ولابد من الحفاظ على هذه القيم في مهنة البحث عن الحقيقة. * يؤكد بعض ممتهني الصحافة اليوم بأن سقف الحريات تراجع في الجزائر، هل تقاسمهم الرأي؟ _الحرية تؤخذ ولا تعطى، ومسؤولية الإعلام والإعلاميين في الجزائر هي الحرص على الحرية والمطالبة بها يوميا ومحاربة كل من يسعى لقمع الحرية في وطننا. الجاهلون والاستئصاليون هم من يفعلون ذلك ولابد من إفشال مشروعهم، ولابد للحرية أن تنتصر لأنه من دون حرية لا يتحقق التقدم والازدهار وحرية الاعلام في نظري أمر مقدس لا يمكن المساس به. وفي الأخير أتمنى كل التوفيق للعاملين في مهنة المتاعب. كل الحب لوطني العزيز الجزائر، وشكرا على هذا الحديث معك ومع جريدة "الحوار". حاورته: سامية حميش