بقلم: قادة صافي استمعت في الآونة الأخيرة للعديد من التحليلات المتعلقة بمصير المنطقة العربية بعد فوز "دونالد ترامب" برئاسة الولاياتالمتحدةالأمريكية، والتي كانت جلّها تصب في خانة التّوجس من القادم الجديد الى البيت الأبيض، تحليلات بُنيت على التهديدات التي أطلقها "ترامب" أثناء حملته الانتخابية، وخصّ بشكل مباشر دول الخليج العربي، لكن السّؤال الذي يطرح نفسه بشدّة ومجموعة من الأسئلة الأخرى، متى احتفظت الذاكرة العربية برئيس أمريكي واحد كان صديقا للعرب، ولم ينزل شره المستطير على الدول العربية؟ وماذا قدّم رؤساء أمريكا السابقون للمنطقة العربية؟ غير الدمار والخراب والقتل والتشريد، ودعم العدو الصهيوني، وتقسيم الدول العربية، وزرع الفتن داخل الجسد العربي. فذاكرتي المتواضعة تحتفظ بأربعة رؤساء أمريكيين كلّ ما عرفته عنهم أنّهم أولو بأس شديد جاسوا خلال الدّيار ضاربين على المنطقة العربية الذّل والهوان، ففي عهد بوش الأب تم قصف العراق بالتحالف مع دول غربية وأخرى عربية في حرب سُمّيت وقتها بعاصفة الصحراء، تلتها عقوبات وحصار على الشعب العراقي امتد الى غاية ادارة "بيل كلينتون" والتي دفع ثمنها أطفال العراق، إذ أحصى العراقيون مليونا ونصف المليون طفل في عداد الموتى بسبب نقص الغذاء والدواء. أمّا الحديث عن فترة بوش الابن فهي تغني عن كل خطب، فبوش الابن قادها حربا ضروسا على العرب والمسلمين، كانت البداية من العراق باتخاذ ذريعة واهية لاحتلاله، تمثلت في ادعاء امتلاك صدام لأسلحة الدمار الشامل، اكتشف العالم أنها مجرد كذبة الغاية منها سلب ثروات العراق وفي مقدمتها النفط، وتحطيم حضارة بلاد الرافدين الضاربة في أعماق التاريخ، وإشعال فتنة طائفية باستباحة الأرض العراقية للشيعة الروافض كي يعيثوا فيها فسادا بالتواطؤ مع الولاياتالمتحدةالأمريكية، وفي عهد بوش الابن تمّ كذلك قصف لبنان عام 2006 من الطرف الصهاينة وبدعم أمريكي جلي، وتم قصف غزة في 2008 بالفسفور الأبيض، وسويت مباني على رؤوس ساكنيها بأسلحة أمريكية الصنع، في حرب راح ضحيتها أطفال أبرياء وبتواطؤ من ادارة البيت الأبيض. رحل بعدها بوش بحقبته السوداء التي شهدت حروبا دفعت ثمنها المنطقة العربية، ليأتي "أوباما" الرجل الأسود الذي استبشر العالم العربي فيه خيرا، لكنْ مع مرور الوقت تبدّد الأمل، خاصة مع بروز موجات الربيع العربي التي كانت مقدمة لتدخل أجنبي في المنطقة قادته أمريكا بقصف جوي على ليبيا، وانتهى بتدمير سوريا وتدخل سافر هناك بدعوى الإطاحة بنظام الأسد، فتحولت سوريا الى ساحة حرب دولية تقودها أمريكا ووقودها الشعب السوري الذي قُتّل وهُجّر واُغرق في مياه المتوسط، لينتهي المطاف بتحول سوريا الى مرتع للإرهاب وفي مقدمتهم داعش. الآن بعد كل هذا، لما التوجس من "ترامب" والسياسة الأمريكية في المنطقة المبنية على العداء هي نفسها لم تتغير، فكل من بوش الأب وبوش الابن وبيل كلينتون وأوباما وترامب على ملة واحدة، ملة أمريكا التي لم تتغير سياستها اتجاها العرب والمسلمين على مرّ الأزمنة والعصور، فما فعله "ترامب" خلال الحملة الانتخابية سوى أنّه خالف العرف السياسي الأمريكي من خلال الحديث بلسان أمريكا القبيح دون تزييف وبعيدا عن الديمغوجية المعهودة، فإذن لا مبرر من التوجس من رئيس أمريكا الجديد، فهو وجه من أوجه عملة واحدة اسمها أمريكا التي لا تتغير سياستها الخارجية بتغير رؤسائها.