بقلم الدكتور "قادة جليد" أستاذ جامعي و باحث أكاديمي ولاية معسكر لا بد في مستهل الحديث عن هذا الموضوع أن نوضح منذ البداية أن فكرة النهاية في الخطابات الفلسفية و الاجتماعية و السياسية المعاصرة تعبر في مجملها عن حدوث أزمة في منظومة القيم و المعايير و المعتقدات و الممارسات، و بالتالي الانتقال من مرحلة سابقة إلى مرحلة جديدة غير محددة المعالم و غير مضبوطة على صعيد الواقع، و منها جاءت فكرة نهاية التاريخ و نهاية الإيديولوجيا و نهاية الإنسان ….الخ، و بناءً عليه و على ضوء إفرازات الساحة السياسية في الجزائر و ما تشهده الأحزاب من اضطرابات من خلال الاحتجاجات غير المسبوقة للمناضلين، فهل يمكننا الحديث عن نهاية المناضل السياسي في الجزائر و بأي معنى ؟. و للتذكير، فإن الأحزاب المعنية بموضوعنا هي الأحزاب التي تمثل التيار الوطني في الجزائر، و هما حزب جبهة التحرير الوطني و التجمع الوطني الديمقراطي، باعتبارهما أحزاب السلطة و الدولة وواجهة الحكم منذ الاستقلال و إلى اليوم، و باعتبار أن هذا التيار السياسي و بحكم ارتباطه بالتاريخ و بالمرجعية السياسية و الفكرية النوفمبرية موجود و منتشر في كل بلديات الوطن و مدنها و قراها و مداشرها، و بالتالي يعتبر الوعاء الانتخابي الأكبر في كل مناسبة انتخابية.
لا شك أن المتأمل للمشهد السياسي في الجزائر و التدافع الكبير الذي عرفته هذه الأحزاب أثناء إعداد قوائمها الانتخابية و ظهور موجة الغضب الشديد من قبل القواعد النضالية أثناء الإفراج عن هذه القوائم من خلال الاحتجاجات و البيانات المنددة، و الانقسامات في صفوف المناضلين و شعورهم بخيبة الأمل في قياداتهم الحزبية بعد تعرفهم على القوائم الانتخابية و غياب المقاييس الموضوعية في وضع الأسماء وترتيبها، إن كل هذه المعطيات جعلت المناضلين في القواعد يتساءلون عن جدوى النضال الحزبي و العمل السياسي في حزب لا يحترم مناضليه و لا يحترم قانونه الأساسي و نظامه الداخلي و اللوائح المصادق عليها من قبل الهيئات العليا للحزب.
فما معنى أن يناضل المواطن في حزب و عن قناعة لعشرات السنين و يجدد بطاقاته بانتظام و يشارك في كل المواعيد الحزبية التنظيمية منها و الانتخابية، ثم يفاجأ هذا المناضل بشخص غريب يتصدر قائمة حزبه لم يعرف عنه النضال يوما، و أحيانا يسكن في ولاية أخرى، و هذا مما زاد من درجة الاحتقان و الشعور بالمهانة و الحقرة في أقسى معانيها. إن هذا الأمر الواقع يعبر عن إفلاس منظومة القيم السياسية و بؤس الخطاب السياسي الذي يدعو إلى شيء و يمارس نقيضه في الواقع، فلقد هزمت الشكارة المناضل السياسي الشريف و هزم أصحاب النفوذ و الانتهازيون أصحاب الكفاءات و الشهادات و القيم، و السؤال المطروح هو: ما هي تبعات و مآلات هذه الممارسات السياسية التي تنتهجها هذه القيادات الحزبية؟، و يمكننا تلخيصها في جملة من العناصر الأساسية:
1 – استقالة المناضل التقليدي من المشهد السياسي و الساحة السياسية مع إيمانه أن النضال الشريف لم يعد له وجود في المجتمع، و أن الانتهازية و الشكارة و الأساليب الملتوية هي سيدة الموقف في كل استحقاق انتخابي.
2 – تشويه صورة النضال و المناضل و غياب أو بالأحرى تغييب المرجعية السياسية و ارتباط العمل السياسي بالنزعة الميكيافيلية التي تبحث عن الغنيمة و المصلحة و المنافع المتبادلة.
3 – العزوف الانتخابي أو التصويت العقابي بعد تشتت و انقسام الوعاء الانتخابي للتيار الوطني الذي قد يخدم أحزابا أخرى خاصة الأحزاب الإسلامية، و قد عبر عنها صراحة رئيس حركة مجتمع السلم بأن العزوف الانتخابي يخدم قوائمه الانتخابية، أو من خلال دعوة مناضلي أحزاب السلطة للانتخاب على قوائم منافسة.
4 – اكتساح البرلمان من قبل أصحاب المال و النفوذ يعمق الهوة بين القمة و القاعدة، باعتبار أن هؤلاء سيدافعون عن مصالحهم و ليس مصالح الشعب، و بالتالي غياب أي نظرة تفاؤلية للتغيير الإيجابي و النظرة السوداوية سوف تؤثر على قناعة الناخب في المشاركة الانتخابية.
و أخيرا و ليس آخرا فإن العبثية السياسية التي تمارسها الأحزاب في حق مناضليها الشرفاء سوف تؤدي لا محالة إلى ضعف المؤسسات المنتخبة وتغييب الأخلاقيات السياسية والدخول في حالة الطبيعة (طاق على من طاق)، و بالتالي فإن أحزاب السلطة لن تجد من يدافع عنها في المقاهي و الأسواق و الشوارع، و لا تجد حتى من يملأ لها القاعات في المناسبات السياسية و الحملات الانتخابية، و عليه فإن التيار الوطني في الجزائر و هو العمود الفقري في الحياة السياسية في البلاد بحاجة إلى نزعة إصلاحية حقيقية و رؤية تجديدية و فكر وطني جديد و متجدد من خلال تجاوز القيادات الحالية، و التفكير في بدائل جديدة تدرك واقع الرهانات و التحديات التي تواجه الجزائر حاضرا و مستقبلا.